26/08/2021 - 10:14

هل نجح مسلسل"مدرسة الروابي" في تعميم الاهتمام بظاهرة التنمّر؟

ظاهرة التنمر موجودة في جميع المدارس، خاصة وحكومية، مدارس البنات والأولاد، وبمستويات مختلفة، وتبدأ من الروضة. من خلال أخذ الساندويش (الزاد) ورمي الحقيبة المدرسية وتوسيخ الزي المدرسي عمدًا، وصولا إلى الاستهزاء والضرب والاستغلال الجنسيّ.

 هل نجح مسلسل

قرأت الكثير مما كتب عن مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" وأخّرت التعقيب حتى استكمال حضور المسلسل بحلقاته الست. لا أريد هنا التعليق على ردود الفعل على السوشال ميديا، والتي غلبت عليها الردود الدفاعية والهجومية دون أسس واضحة، من باب مجرد المشاركة في نقاش عام وحسب.

السيدة سامية بشارة
المديرة التنفيذيّة لمؤسّسة ترشيد - قطر

 

كاتبة المقال:

خبرة طويلة في التخطيط الاستراتيجيّ وإدارة الخدمات والمشاريع في مجالات التنمية والتعليم.

متخصّصة في تصميم خدمات وبرامج ومشاريع توعويّة وتدريبيّة وارشاديّة في مجال حماية الطفل والوقاية من الإساءة والعنف الأسريّ، في مؤسّسات المجتمع المدنيّ والمؤسّسات التربويّة. أسّست وأدارت العديد من البرامج والمراكز والمشاريع في هذا المجال.

حاصلة على شهادة الماجيستير وشهادة البكالوريوس في العمل الاجتماعيّ.

 

 

 

 - استوقفتني مقالات كتبت بمواقع مختلفة، ولا أجزم أنني قرأت جميعها، بل ما وصلني أو ما عثرت عليه، مقالات تضيء على الجوانب الفنية من إخراج وإضاءة وتصوير وتمثيل وغيرها، وهذا مما لست مختصة بحيثياته، ولكنني كمشاهِدة للأفلام والمسلسلات، وجدت أن كل ما ذكرت من عناصر وزوايا نظر موجود في مسلسل الروابي بشكل متقن بالنسبة لعين مشاهِدة عادية، خصوصًا التصوير المميز لمدينة "عَمّان" الجميلة والذي استطاع أن يُظهر جمالها بشكل لطيف جدًا. أما تمثيل شخصيات المسلسل، اللواتي لم أعرفهن سابقًا، فكشف عن صبايا جميلات ذكيات وممثلات رائعات، قادرات على شدّ المُشاهِد بطريقة مشوّقة جميلة، وفي كثير من الأحيان مع توتر عال وتشويق رائع.

 كما ذكرت، لست مختصة في المجال الفني،

ما أريد كتابته هنا في هذه الأسطر هو عن الظاهرة الرئيسية التي يتناولها المسلسل، وهي الاستقواء والتَنَمُّر في المدارس،

ولا تفوتني الإشارة والإشادة بقدرة المسلسل على الإضاءة من خلال وقائعه على مشاكل مجتمعية قائمة، ومهم جدًا التطرق إليها، على سبيل المثال، لا الحصر، مآلات النظام المجتمعي الأبوي، وما يسمى بجرائم الشرف، وظاهرة التحرش الجنسي، والفساد.

- لقد عملت فترة طويلة من مسيرتي المهنية في مجال حماية الطفل من الإساءة، وظاهرة التنمر كانت إحدى المشاكل التي عملنا على مواجهتها والتوعية بها من خلال العمل المباشر مع المدارس ومع اليافعين والمراهقين، ومن خلال تقديم ورشات توعوية لهم وورشات تدريبية للعاملين مع اليافعين والمراهقين، لتمكينهم من المهارات اللازمة للتصدي لهذه الظاهرة في مدارسهم ومؤسساتهم. وعملنا على تصميم برامج وأنشطة لتوعية الأهل  من هذه الظاهرة التي يعاني منها أبناؤهم.

أنا سعيدة جدًا أنه وأخيرًا هناك مسلسل عربي يتحدث عن الحياة المدرسية، وموضوعه تحديدا هو ظاهرة واسعة الانتشار في مدارسنا العربية، فالإعلام من أهم الوسائل المستخدمة في العالم المتحضر لرفع الوعي والتصدي لظواهر ومشاكل اجتماعية واسعة الانتشار، وهنا أود التأكيد على أني  أتحدث عن المسلسل كمسلسل عربيّ وليس أردنيًا أو عمّانيًا.

عن ظاهرة التنمر:

ظاهرة التنمر موجودة في جميع المدارس، خاصة وحكومية، مدارس البنات والأولاد، وبمستويات مختلفة، وتبدأ من الروضة. من خلال أخذ الساندويش (الزاد) ورمي الحقيبة المدرسية وتوسيخ الزي المدرسي عمدًا، وصولا إلى الاستهزاء والضرب والاستغلال الجنسيّ.

هل هناك مبالغة في الحديث عن وجودها؟

يمكن لأرقام الدراسات والإحصاءات في الدول العربية أن تؤكد وجود هذه الظاهرة وبشكل كبير، ويمكن بثقة القول إن عدم وجود هذه الأرقام في بعض الدول العربية لا يدل على عدم وجود الظاهرة، بل على الاستهتار بالتعامل معها ومحاولة مداراتها والتغطية عليها.

هل هناك حاجة لتوعية الأهل بوجود هذه الظاهرة وكيف تؤثر على أبنائهم؟

أظهر المسلسل هذا الجانب بطريقة وافية، وتظهر الدراسات أهمية وعي الأهل وتواصلهم المستمر مع أبنائهم وبناتهم والإنصات لهم، وما يدور في خاطرهم من أفكار، وتفاصيل حياتهم اليومية في المدرسة وفي الباص وفي الشارع وعند الأصدقاء وفي الرحلات والأيام المفتوحة وفي غرفهم وغيرها.

- من هنا تعتبر المحادثات المفتوحة والصريحة بين الأهل والأبناء والبنات وسيلة وقائية رئيسة للحد من تورط أبنائهم وبناتهم في مشاكل سلوكية واجتماعية مع أقرانهم بسبب عدم وعيهم وغياب وجود من يُسرّون إليه بما يحدث معهم، وبالتالي غياب مصدر لأخذ النصح اللازم.

- أنا متأكدة، بل وأستطيع تخيّل بعض الأهالي أثناء مشاهدتهم للمسلسل وهم يستذكرون ما كان يحصل مع أبنائهم، ومتأكدة أيضا أن كثيرا من الأهل جعلهم المسلسل يفكرون ببعض السلوكيات الانطوائية التي ظهرت فجأة على أطفالهم ولم يفهموها في حينه، أو التغيير المفاجئ الذي حصل مع أبنائهم فأصبحوا عدائيين، عصبيين، أو مفرطي الحساسية يبكون لأي سبب، وغيرها من السلوكيات التي تظهر على المُتَنَمَّر ولا نفهم ما الذي يجري له، وهذا مما يمكن أن يسبّب إشكاليات في علاقة الأهل مع أبنائهم، خاصة إذا كانت العلاقة غير مبنية على تواصل مستمر وثقة ومشاركة.

- يُظهِر المسلسل عدم وعي أهل مريم بمعاناتها وتأثير ذلك على نفسيتها وبالتالي على سلوكها، وبسببه أجبروها على الذهاب إلى الطبيبة النفسية، لا لأنهم واعون بكل ما تمرّ به من تنمر واستقواء وظلم وحزن ووحدة، بل لأنهم اعتقدوا أنها "منحرفة" ولأنهم صدَّقوا رواية المتَنَمِّرة وادعاءها بتحرّش مريم بها. لم يرسلوها للطبيب النفسي للأسباب الصحيحة، بل لسبب خاطئ، مع أن العلاج النفسي ربما كان  مفيدا لمريم، فيساعدها على التعامل مع ما يحدث معها، حتى لا تستحوذ عليها مشاعر الانتقام وتتملكها وتجعل منها إنسانة برؤية مشوّشَّة، لا ترى سوى الخطط الانتقامية، ولا قدرة لها على فهم ما يحدث ومحاولة إيجاد طرق أخرى للتعامل معه.

- لقد رأينا الكثير خلال خبراتنا العملية، وعلم النفس يتحدث أيضا، عن كثير من ضحايا العنف الذين تحولوا إلى أشخاص عنيفين بسبب عدم دعمهم والإنصات لهم كضحايا ومساعدتهم في التصدي للعنف الموجّه ضدهم.

هل هناك حاجة لتوعية المراهقين بالظاهرة وطرق الوقاية منها أو التصدي لها؟

أعتقد أن التوعية ترتقي في أهميتها لتصير أولوية في هذا السياق، توعية اليافعين والمراهقين لهذه الظاهرة، بدءا من المؤشرات والسلوكيات وصولا إلى طرق الوقاية وأساليب التصدي، إلى جانب التوعية بالجهات التي يمكن اللجوء إليها لطلب المساعدة وأهمها الأهل، وتحديدا ما نسميه في الإرشاد: "دوائر الثقة"، فكل إنسان يحتاج إلى تحديد دوائر الثقة من حوله.

- في المسلسل كان واضحًا عدم وجود "دوائر ثقة" لدى مريم، فانغمست في وحدتها داخل غرفتها، تخطط للانتقام، الذي نعلم جميعًا أنه ليس الحل، وإن منح شعورا جيدا في حينه، سرعان ما يختفي، وتحلّ مكانه رغبة في مزيد من الانتقام دون بلوغ حالة من الاكتفاء والرضا، بل يصل الأمر حد الإضرار بالنفس، ونتحول إلى أشخاص عنيفين، ونحّول معنفينا إلى ضحايانا. وهذا يعمّم المشكلة ويضخّمها ويخرجها عن سياقها ويوصل الضحية والمتنمر إلى مكان لا رجعة منه.

- نريد الكثير من المسلسلات والأفلام العربية التوعية بالظواهر الاجتماعية السيئة، وإن كانت هذه المسلسلات أقرب لليافعين والمراهقين، ولها تأثير عليهم، فلمَ لا؟ ستصير عوامل مساندة ووسيلة واسعة الانتشار تساعد في مكافحة هذه الظواهر بشكل أسرع، وربما القضاء عليها.

أخيرا:

- ليست صدفة غياب دور المدرسة التربوي والداعم لطالباتها، ونجح المسلسل في إظهار هذا الغياب وكذلك الحاجة الماسّة لوجوده.

- يفترض أن تكون المدرسة مكانًا آمنًا للمجتمع المدرسيّ، من معلمين وطلبة، فالطلاب يقضون معظم وقتهم في المدرسة، والمديرة والمعلم والمرشدة والاختصاصي النفسي، جميعهم يفترض أن يكونوا جزءًا من دوائر الثقة وملجأ لكل طالب وطالبة عند الحاجة.

 الأجواء المدرسيّة الآمنة، وأقصد المنصتة والواعية والمحبة والمتقبلة والداعمة والمتفهمة، هي ما يجعل صدّ السلوكيات العدوانية والاستقوائية ممكنًا. وما أظهره مسلسل مدرسة الروابي للبنات هو غياب هذا الدور والذي أدى إلى التمادي بالاستقواء والانتقام.

 

ملاحظة: لقد تم نشر المقال في مدونة "منهجيات"   

 

 

 

التعليقات