عزمي بشارة: خواطر في زمن كورونا ولأزمنة أخرى (5)

نشر الدكتور عزمي بشارة، اليوم الأحد، 3 خواطر أخرى عن أزمة فيروس كورونا المستجد الحالية ولأزمنة أخرى، كما كتب عبر صفحته في "فيسبوك"، بعد أن كان قد كتب يوم الخميس 6 خواطر سابقة أيضًا، وجاء في منشوره اليوم:

عزمي بشارة: خواطر في زمن كورونا ولأزمنة أخرى (5)

عزمي بشارة في لقاء سابق (تصوير شاشة)

نشر الدكتور عزمي بشارة، اليوم الأحد، 3 خواطر أخرى عن أزمة فيروس كورونا المستجد الحالية ولأزمنة أخرى، كما كتب عبر صفحته في "فيسبوك"، بعد أن كان قد كتب يوم الخميس 6 خواطر سابقة أيضًا، وجاء في منشوره اليوم:

خاطرتان لا علاقة بينهما

1. تطورت العلوم الطبيعية على نحو أسرع وأكثر إبداعًا، وظهر المستوى الطبي الأفضل في الدول الرأسمالية المتطورة. وهذا لا يعني تقديم أفضل الخدمات الطبية لعموم الناس. فهذا يلزمه قطاع صحي عمومي، وعلاج مجاني، وسياسات عمومية لا تخضِع صحة الناس لقوانين السوق. ويتوفر ذلك فقط في بعض الدول المتطورة التي أصرت على العلاج المجاني واستثمرت في قطاع الصحة العمومي.

يوجد قطاع صحي عمومي في دول غير متطورة، ومع أن وجوده أفضل من غيابه، إلا أنه يشكو من نقص في المستوى الطبي، وفي مستوى الخدمات وسوء الإدارة والمحسوبية وغيرها. التحدي الكبير هو الجمع بين الأمرين.

درجة الجاهزية للأوبئة مثل الكوارث الكبرى تكون عادة محدودة، ولكن يمكن أن تكون أفضل لو كانت مؤسسات الدول أبعد نظرا، ولو استمعت للعلماء والمتخصصين.

وتحتاج مواجهة الأوبئة إلى جانب المبادرة والإبداع في الوسائل والأجوبة التي يوفرها القطاع الخاص، قدرة تنظيمية هائلة لا يمكن أن يوفرها القطاع الخاص مهما كان متطورا.

2. خطر فجأة ببال كثيرين مدى تفاهة الإنسان وتهاوي عظمته وجبروته أمام فيروس لا يرى في العين المجردة. وكأن الفيروسات والميكروبات والجراثيم قبل كورونا كانت ترى بالعين المجردة. هذا النوع من الأحاديث ليس جديدا، وهو يدور بعد كل وفاة مفاجئة بمرض أو حادث طرق أو غيره: "الحياة نكتة، الإنسان لا شيء" إلى آخره.

لا تقاس عظمة الإنسان وقيمة حياته ومقاربته للدنيا بهزيمة جسده في مقاومة فيروس. هذه مسألة بيولوجية؛ أما قيمة الإنسان ومعنى حياته وتقييم عظمته من عدمها فتنتمي إلى مجال آخر، لا تتفاعل معه الفيروسات لأنه ليس مصنوعا من مواد عضوية.

3. يتلخص الفرق بين تعامل الناس مع ما يجري حاليا وتعاملهم مع ملمات سابقة، بالخوف الجماعي الناجم عن التوقع. الموت المفاجئ لا يخيف لأنه مفاجئ، الإنسان لا يواجهه أصلا، لا يقابله وجها لوجه، ينتهي الأمر من دون هذا التعارف. أما حياة الإنسان في توتر وتوجس من خطر داهم يدرك وجوده (سواء أكان يرى أم لا يرى بالعين المجردة) فتعني الخوف بالضرورة، حتى لو لم يؤد هذا الخطر الوشيك إلى الموت في نهاية المطاف.

ولذلك لا يعتمد التسبب بالخوف في أفلام الرعب على المفاجأة، بل على إحداث التوقع لدى المشاهد بالإيحاءات والموسيقى وغيرها أن شيئا فظيعا سوف يحدث. هذا معنى التوتر إبان مشاهدة فيلم رعب.

إن ما تعيشه البشرية حاليا ليس مسألة فيروس صغير او فيروس كبير، بل توقع الفرد أن يحصل له شيء سيئ، لأن الخطر نفسه يحدق به مثلما يحدق بأي شخص آخر، فهو يختار ضحاياه عشوائيا. وهو توقع يشترك فيه مع كثيرين جدا. هذا الخوف المبرَّر هو الفيروس النفسي الحالي.

يمكن للبعض تخفيفه بالتفكير العقلاني بالاحتمالات وأخذ كافة الاحتياطات، والبعض الآخر يتخلص منه بالانشغال بأمور ذات معنى بالنسبة له، وثمة صنف ثالث يتسلى بالخوف والتوتر. ولكن في النهاية المشكلة قائمة ويجب أن نعيش معها ومع الخوف منها بأكبر قدر ممكن من العقلانية والأخلاقية والتعاطف والألفة والتفهم المتبادل إلى أن تفرج.

التعليقات