إلى عزمي بشارة../ د.إلياس عطا الله

إلى عزمي بشارة../ د.إلياس عطا الله

قبل أن يُحظَرَ الكلام


وقبل أن يُسكِتَ شهرزادَ الليلُ


نعتذر لمتاعب أقحمناك فيها، أو لمتاعب هي قدرك.


تبلغنا، ولم يمض على وصولك بيتَنا بضع دقائق، والليل قد انتصف، ونحن نلحّ بأن تبقى: " بدي أشوف الولاد". وتسافر والكلّ نيام، ليصل جسدك المنهك، ولترتمي في فراشك، لتفتح عينيك المتعبتين على تقافُز ملحمتَيْكَ رائعتَي النسج؛ عمر بضحكته الهادئة الآسِرة، ووجد بطلّتها الملائكيّة... وتُحقَن بالعزيمة، لتعود إلى الجليل صباحا، ونعود نحن إلى لجاجتنا... وتصرّ أنت على مشهد التقافز الصباحيّ... ولا نعرف من أين تأتي بكلّ هذا الوقت، ومن أين هذا الجَلَد... ولا نملك إلاّ أن نقول في حضرتك وفي غيبتك: " ألله يحميك".


نعتذر لأنّنا أرغمناك على العيش مع ما يقزّز، والتعايش مع من يقزّز.


نعتذر عن كلّ شتيمة قالها باهت بهتانيّ أصفر وأنت تحمل صليبه.


شكرا لأنّك جعلتنا فكرك وحياتك.


شكرا لأنّك فتّحت أمامنا الدروب على الشمس، وإن كثرت اللطخ في الأجواء.


شكرا لأنك تحمّلت، ولأنك حملت، ولأنك ولدت.


شكرا لأنّك محوت مسافة ما بين الحضن والحضن.


شكرا لأنّك سيّلت دمع الأهل في الجانبين ممزوجا بفرح اللقيا.


شكرا لأنّك قلت، ولأنّك كتبت، ولأنك صنعت خطابا صَنَعَنا.


شكرا لأنك أعدت إلينا كبرياء الرابع من حزيران.


شكرا لأنّك علّمتنا رفض الفتات ولفظ قابليه.


شكرا لأنك قرّرت أو ستقرّر، ومتى كنت ممّن يقبل قرارا من أحد؟


شكرا لأنّك رفعت سمْتَ خطابنا.


شكرا لأنّك تعاملت مع كنه الأشياء لا مع قشورها.


حقّا، لقد استبَحْنا وقتَك... ولكن ليس من حقّنا أن نستبيح حياتك.


حقّك الطبيعيّ أن تتنفّس،


وحقّك الطبيعي أن يكون لك مداك وامتدادك العربيّ والإنسانيّ،


أمّا وقد ضاق بك الحيّز، أو ضقت به،


فخذ قرارك!


فوقفتنا هنا معك/ معنا هي وقفة مع قرارك كائنا ما كان.


نحبّك حيث أنت وكما أنت وحيث كنت وحيث تكون.


لستَ إلها يا أخي ولست نبيّا، ولا نريدك أن تكون.


أنت بشر سويّ حاملٌ لرسالة عروبيّة لبراليّة مستنيرة،


والمدى واسع أمام فكرك وقلمك وصوتك.


معاذَ الله أن نكون في نيّة الموازنة والمقارنة؛


فمحمدٌ، عليه أفضل الصلاة، ما رُمِيَ ولا خُوِّنَ وهو يحمي الوحي والرسالة بالتنقّل والهجرة، مطارَدًا من ذوي القربى وسفهاء العصر ممّن تبّت أيديهم وتَرِبَتْ.


والمسيح، عليه أفضل الصلاة، ما كان- لولا دعوةٌ إلهيّة- ليسلّم نفسه للصلب...


ولأنّك لست المسيح الصارخ: إلهي! لماذا شبقتني؟


ولأنّك لست محمّدا، في غيبة بيت العنكبوت، وعشّ الحمامة، وعليٍّ، والصّدّيق، ونجاشيّ الحبشة... وفي حضرة دار الندوة...


قرّرْ ما شئتَ!


فشتّان بين أن أراك بطلا، وأن أريدك بطلا...


فبين أولئك الذين يريدونك بطلا، شخوص ما رأت فيك بطلا وتريدك الآن بطلا في زنازين الأمن الذي منه تقتات... بطلا مهانا مجلودا، وإكليل الشوك، والحربة، والمسامير، والثوب الأرجوانيّ في الانتظار، فُصّلت جميعا وفق قياسك.


مخوَّنٌ أنت عندهم عُدتَ أم لم تعُد، مخوّنٌ أنت إن نطقتَ أم لم تنطق...


ما عاد هنالك فرق بين " أنا ملك اليهود"، و" أنا ضدّ يهوديّة الدولة"، فكلتاهما تقودان إلى الجلجثة.


لا نريدك ولو أسدا في شِباكٍ مُحكمةِ العَقْدِ والعُقَد، لا لشيء سوى لأنّ المنقذ الفأر لن يقرض الشباك، وسيبقى هاجعا في فراشه على صفحات كليلة ودمنة... وتوم الذي سيهجر الدلع عائدا إلى ثوماس مرتدّا إلى توما العربيّة بحلّتها الآراميّة، نازعا قدسيّته، مرجئا تبشيره، لن يهدأ له بال، إلا بمدّ إصبعه إلى القيد والحبل الملتفّ على العنق، ليتيقّن من أنّك لا تستطيع إفلاتا.



قرّر ما شئت... وحاذرْ! يقرئك أبو الطيّب سلامه العربيّ غير المنتهي:


وسوى الرومِ خلفَ ظهرِكَ رومٌ


 


                                            فعلى أيِّ جانبيكَ تميلُ



 


إلياس عطاالله


ملاحظة لغويّة وأخلاقيّة: النون والنا الجمعيّتان، تعنيان أنايَ فحسب، وتشمل كلّ من رأى/ رأت في أنايَ أناه/ ا، فالرجاء عدم التذاكي.


التعليقات