قضية بشارة ..هوية../ غسان شامي

قضية بشارة ..هوية../ غسان شامي
قد يجد البعض في استقالة عزمي بشارة من الكنيست واختياره البقاء خارج الأرض المحتلة حتى تنجلي الصورة، مسألة سياسية، يتراوح السجال حولها بين من يفضل له السجن في إسرائيل على (الغربة) في بلاد عربية بعضها يقارب تل أبيب بحميمية عاشق، وبعضها يتمنى وصالاً عن بعد يكون عبّارة إلى واشنطن، وبين من يجد فيها خطوة من نوع آخر لمتابعة ما بدأه.

لكن قضية بشارة أعقد من ذلك بكثير.. إنها ببساطة نموذج العلاقة بين الهوية الوطنية الجامعة للأقلية العربية في الأرض المحتلة وبين الأسرلة.. بين حقوق المواطنة التي يجب أن تكون دستورا وسياسة وحقوقاً لكل مواطني الدولة، وبين دولة الطائفة الواحدة القمعية المتدمقرطة.‏

من الواضح أن ملف بشارة بدأ بالتكون والتكدّس والتراكم منذ أن طعجَ التابو الإسرائيلي ورشّح )المواطن عزمي) حسب تعبير فيلم سيمون بيتون، نفسه لرئاسة الوزراء في بلاد يهوه عام 1996، مخترقاً بذلك قدس أقداس هيكل سليمان المفترض، معيداً لـ (سكان البلاد الأصليين) حقاً شرعياً تناساه بعضهم بعد أن تم ترييف الأقلية العربية داخل الخط الأخضر منذ عام 1948، ومحاولة جعلها دون هوية وطنية أو قومية، تغرّد في الفلك الإسرائيلي العام وتتناتش أصواتها أحزب الأشكيناز والسفارديم .‏

لكن بشارة الطالع من تجربة طلابية وحزبية وعائلية انتمائية حاول، عبر حزب علماني (التجمع الوطني الديمقراطي ) في بلاد الطائفة الواحدة، المضي قدماً وبزخم إظهار الهوية العربية، وخوض حرب سياسية ثقافية في وجه الأمن الإسرائيلي وصولاً إلى أكبر كتلة عربية في الكنيست وحضور عربي وأوروبي لافت.‏

تساءلتُ مرة في حوار مع بشارة لماذا اختار العروبة طريقاً، مطعّماً إياها بديمقراطية غائبة أوطان العرب، وكأنه يأتي إلى الحج فيما الناس عائدة منه، وكان جوابه أنه توخي هوية جامعة لا طائفية، تلمّ الناس جميعاً دون تفرقة وتسد ثقب محاولات أسرلة الفلسطينيين، ولأنه في هذا الزمن الذئبي مسموح لك أن تكون طائفياً وأقلّوياّ وانفصالياً ومتمذهباً وأن تعلن وتتبجح بأمراضك، ولكن غير مسموح لك أن تكون قومياً.‏

مواقف بشارة المغايرة وتحديداً من الهوية والممانعة والمقاومة هي أسباب سماكة الملف الأمني الذي راكمته دوائر إسرائيل المختصة وأحباؤها، وأعتقد أن الكثيرين تابعوا طيلة السنوات المنصرمة تدحرج هذا الملف ومحاولات نزع الحصانة عن بشارة كنائب، وصولاً إلى قانون (كنيستي) باسمه لمنع تحركه، هو أو أي فلسطيني ثمانيوأربعيني نحو محيطه القومي.. وليس أي شيء آخر.‏

قضية بشارة هنا رسالة إسرائيلية إلى فلسطينيي الداخل بأننا لن نسمح لكم بهوية، وللذين يتابعون، راقبوا تصريحات اليمين الإسرائيلي وبعض يساره. يضاف إلى ذلك أن موقف فلسطينيي الـ 48 خلال حرب تموز، رغم سقوط قتلى منهم، أثار جنون عقارب تل أبيب فكان لا بد من هذه الرسالة...‏

في جميع الأحوال سيتابع بشارة طريقه، وبانتظار لائحة الاتهام المؤجلة أمنياً، حلّ العربي من الموّحدين الوطنيين من التجمع الوطني سعيد نفاع مكانه. وحتى لا يبقى الرجل يصرخ في برية العرب، وتصبح هويته التي قاتل من أجلها أولاد الأفاعي عبئاً إضافياً، فيمضي في ترحال عروبي طويل.. لا بد من تضامن فعلي .. هل تسمعون أيها العرب؟..‏

"الثورة"

التعليقات