أخي عزمي بشارة.../ بقلم: جوليانو مير خميس

كتب الفنان جوليانو مير - خميس هذه الرسالة للدكتور عزمي بشارة في العام ٢٠٠٧ ونشرها في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في أعقاب حملة التحريض غير المسبوقة ضد بشارة التي رافقت اتهامه بالتخابر مع المقاومة اللبنانية خلال حرب تموز ٢٠٠٦، والتي إضطر على إثرها إلى الخروج لمنفاه القسري.

أخي عزمي بشارة.../ بقلم: جوليانو مير خميس

كتب الفنان الفلسطيني جوليانو مير - خميس هذه الرسالة للدكتور عزمي بشارة في العام ٢٠٠٧ ونشرها في عدة مواقع بالعبرية والعربية في أعقاب حملة التحريض غير المسبوقة ضد بشارة في الاعلام العبري التي رافقت اتهامه بالتخابر مع المقاومة اللبنانية خلال حرب تموز ٢٠٠٦، والتي إضطر على إثرها إلى الخروج لمنفاه القسري.  

من المعروف أن جوليانو كان شجاعاً في مواقفه السياسية وأعماله الفنية المسرحية، وكان إلتزامه الأخلاقي والانساني شغل شغله في سنواته الأخيرة من خلال "مسرح الحرية" الذي أسسته والدته، ارنا، في مخيم جنين، التي استشهد فيها في العام ٢٠١١ لأسباب غير معروفة وعلى أياد مجهولة ولا يزال القاتل طليقًا.


اخي عزمي،

لقد استطعت من خلال إدراكك وفهمك الثاقب للأمور أن ترى الآتي – الشاباك (جهاز الأمن الداخلي الاسرائيلي) وبالتعاون مع جهاز القضاء الاسرائيلي قرروا الخروج بمعركة ضد "العدو الاستراتيجي" بمفهومهم، الا وهم فلسطينيو الداخل، "مواطنو دولة إسرائيل" والقضاء على قادتهم.

هم يريدون اعادتنا لأيام الحكم العسكري - للتخويف والترهيب، للتوسل من أجل الحصول على تصاريح عبور، الى اقبية الشاباك المظلمة، لعصر كان فيه المتعاونون معهم يحصلون على جزء من حقوقهم.

في حدود الخط الاخضر، لا تستخدم إسرائيل الطرق ذاتها التي تستخدمها في الاراضي المحتلة. فاسرائيل لا تستخدم الاعدام بلا محاكمة، الاعتقالات الجماعية، سياسة التجويع وهدم البُنى التحتية في حدودها. ففي تخوم "الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط " تُهلّل اسرائيل باستخدامها وسائل قضائية وقانونية.

ولكن "القانون" هو الشاباك بعينه. فالشرطة، والمستشار القضائي للحكومة، والجهاز القضائي، ما هم الا موظفون لدى الشاباك يأتمرون بأشارته.

لقد صدر الحكم بشأنك قبل ان تُنشر لائحات الاتهام ضدك، وما من طريق مفتوحة أمامك لتثبت بها "براءتك" أمام مجرمي الحرب.

هم ونحن نتحدث لغتين مختلفتين – فلسان حال لغتهم يقول أن من يعارض الحرب ويصبو لحياة مشتركة والعيش بسلام، يُعرف ويُنادى عليه "بالمجرم" ويُلاحق حتى الرمق الاخير.
وأنت لن تستطيع ان تدير معركة سياسية من داخل قفص الاتهام ولن يسمحوا لك ان تدّعي انك تحارب لأجل الشعبين - ففي قاعة المحكمة بدولة الشاباك، سيلتف حبل المشنقة على رقبتك.

ان الفشل الصارخ للجيش الاسرائيلي امام المقاومة اللبنانية قد اخرجهم عن اطوارهم. وامام هذه المؤسسة القاسية والظالمة يجب التصرف بحكمة وفطنة. فمقاتل الحرية الذي تُوج على يد وحدة عسكرية عليه الانسحاب او التراجع والانتظار لساعة الحسم المناسبة افضل بكثير من ان يرد بالنار والرصاص. وانا لا اعني هنا النار الحية وانما "نار" الفكرة والكلمة المكتوبة.

عزمي يا اخي هم خ - ا- ئ - ف - و- ن. القيادة خائفة والجنود يرتعبون. فانا اصادفهم بأوقات كثيرة في مخيم جنين للاجئين، هناك حيث يطلقون رصاصهم على الاطفال الذين تجرأوا على التلصلص من شبابيك بيوتهم او ظهروا في احدى زوايا الشارع بالمخيم.

مما جرى يتبين انك تُشكل "الخطر الاستراتيجي" على "دولة اليهود". ويتبين ايضا ان رؤيتك الثاقبة "دولة كل مواطنيها" تهدد الاساس لقيام دولة اسرائيل. فهي دولة تقوم على القوة، الاستعباد، والسيطرة على شعب آخر.

إن أفكار المساواة والدولة ثنائية- القومية التي ينادي بها حزب التجمع تُُجرد دولة اسرائيل من مُركباتها الايدولوجية الاساسية التي بواسطتها تبررالاخيرة وجودها، هذه المُركبات هي: القوة، السيطرة، الفصل العنصري، الحواجز والجدران.

اخي عزمي انت لم تهرب !
لقد سّخرت بفطنتك الظروف وأخذت زمام المبادرة في الرد على قواعد اللعبة التي أرادوا فرضها فأربكتهم، وتداركت نواياهم فنجحت بالتملص من رصاص صف الرماة والذي وضعته امامك "سلطة القانون". وكالمحارب المتمرس تخلصتَ من رصاص الشاباك وذهبت ولا يهم ان كان ذلك في الجليل او بقطر، دبي او القاهرة.

سيُلحُ عليك الكثيرون ان ترجع الى الوطن. وهناك ايضا مَن سيفرح حين يراك تتعفن في اقبية الشاباك. وسيكون هناك المزيد ممن يريد ان يُضحي بك، ولكن بطولتك ستطغى على خوفهم وقلة حيلتهم.

وسيُطلّ محترفون حزبيون صغار كما ينبت الفطر بعد المطر ويدّعون ان القادة لا يتركون جنودهم في الميدان ويهربون. سيقولون انك جبان ويقولوا... ويقولوا... لكن حذار ان تغويك اقوال المهللين ل "بطولة التضحية". حَذار ان تصغي السمع لاعدائك السياسيين في البيت، الذين سيُهللون لحبل المشنقة حين يلتف على رقبتك في "ساحة المدينة ".

أكمل نضالك في المنفى مثل الكثير من العظماء، فما المنفى ان لم يكن تضحية؟ ولا تدع الشك يساورقلبك - فسيأتي اليوم الذي ستعود به الى هنا ويحملك الرفاق على اكتافهم.

كم هلّلنا دائما لمقاتلي الحرية الذين نجحوا للهروب من اقبية تعذيب الشاباك. وكم فرحنا يوم نجحوا بتحرير رفاقهم من خلف القضبان.

لك نصفق إذ نجحت في المراوغة أمام المؤسسة الحاكمة وان تكشف النقاب عن وجهها الحقيقي.
انت لم تهرب من السجن والمعتقل، انت نجوتَ من الاعدام شنقاً وبدون محاكمة، وهذا ما يدعى باللهجة الاسرائيلية: "التصفية الموضعية"،

فلتبارَك على ذلك.

بأخلاص

جوليانو مير خميس

 

التعليقات