* ونحن أيضا قررنا../ ايناس عودة- حاج

* ونحن أيضا قررنا../ ايناس عودة- حاج
قدم لنا الاعلام الإسرائيلي والمؤسسة الإسرائيلية في الفترة الاخيرة وجبة مركّزة أخرى من العنصرية والتحريض ضد المواطنين العرب على خلفية ما بات يعرف إسرائيلياً بإسم "قضية بشارة".

لم يبق وزير ولا مسؤول ولا سياسي مجهول ولا صحفي إلا وأطل علينا مدلياً بدلوه الابداعي فيما يخص الاقلية العربية؛ بعضهم موبخاً زاجراً عما يُحظر على العربي التدخل فيه، وبعضهم موجهاً ناصحاً حول كيفية ترتيب العربي لسلم أولوياته. والاثنان وجهان لنفس النوع من الوصاية الاستعلائية التي طالما ميزت هذه الدولة في تعاملها مع العرب والتي رفضها عزمي بشارة ورفضناها معه.

بعد أن جاء الكشف التام عن التهم والذي أجّلته الشرطة والشاباك في دراما اعلامية مقصودة، بداية بالتسريبات المنهجية عن القضية، مرورا بالسماح بالنشر الجزئي وصولا مؤخرا الى النشر الكامل، بهدف التحكم بنوعية وكمية المعلومات الواردة من ناحية، واطلاق العنان لجوقات التحريض من ناحية اخرى؛ فقد جاءت ”التهم" الملفقة والأدلة واهية في محاولة بائسة ومفضوحة لاختزال مفكر عربي قومي وطني الى مجرد مخبر لدى جهة او جهات تعتبرها اسرائيل معادية.

حتى محاولة الإجابة على السؤال حول سبب انتظارهم الى ما بعد انتهاء الحرب ما دامت لديهم معلومات عن تقديم معلومات ومشورة لحزب الله اثناء الحرب، جاءت سخيفة واهية. فقد قال ممثل الشاباك انهم كانوا ينتظرون تراكم الأدلة ليتمكنوا من الإدانة، في محاولة بدت أشبه بطبيب يؤجل التدخل لعلاج مريض الى بعد استفحال المرض ووفاة المريض!!

لا جديد اذن في التهم المزعومة. ولكن، ما هي تهمة عزمي بشارة الحقيقية؟ تهمته الحقيقية أنه استعمل خطاباً ديمقراطياً بامتياز ليفضح قصورات وتناقضات وعنصرية ديمقراطيتهم الصهيونية من خلال طرح دولة المواطنين..
تهمته أنه أوجد صيغة ترفض مقايضة الحقوق بالهوية القومية، بل تطالب بالحقوق كاملة بشموخ وكبرياء أهل البلد الاصليين..
تهمته أنه أصر على ان امتداد تاريخنا وجذورنا أبعد من الحدود الاسرائيلية إلى لبنان وسوريا والعالم العربي كله..
تهمته أنه وقف مع الضحية ضد الجاني ومع الواقع تحت الاحتلال ضد المحتل وهي مواقف ديمقراطية أخلاقية، قبل ان تكون مواقف وطنية قومية..
تهمته أنه أكد ان مواطنتنا في هذه الدولة حل وسط قبلنا به في دولة قامت على أنقاض شعبنا ولم نأت اليها او نسعى مطالبين بها، فلتكن إذن كاملة متساوية لا شكلية فارغة..
تهمته أنه أسس ثقافة وخطاباً سياسيين فرضا نفسيهما وأصبحا في مركز الساحة السياسية..
باختصار، تهمته انه تطاول على نظام الوصاية المفروض على العرب في دولة إسرائيل "الديمقراطية". هذه هي التهم الحقيقية التي من المفروض ان تكون في مركز الخطاب الديمقراطي لأية دولة ديمقراطية طبيعية. ولكن في اسرائيل، تقلب الموازين وتشوه الحقائق وتحاك الملفات الأمنية للنيل من كل من يقض مضاجع المؤسسة الحاكمة.

والسؤال، ما المطلوب في هذه المرحلة؟ لا شك ان الهدف الآني والمباشر هو استهداف عزمي بشارة والتجمع الوطني الديمقراطي على المستوى الشخصي والحزبي. الا ان المؤسسة الاسرائيلية تسعى من خلال ذلك الى هدف استراتيجي ابعد واشمل يتمثل في ضرب الموقف الوطني للاقلية العربية برمتها، وإعادة تشكيل شخصية "العربي الاسرائيلي" المشوهة التي تصدت لها الحركة الوطنية بحزم؛ كل ذلك عبر حملات منهجية من التحريض والتخويف والترهيب.

والمطلوب هو تفويت الفرصة عليهم وإفشال مخططاتهم. المطلوب هو قيادة موحدة تبث للناس رسالة واضحة دون تلعثم. رسالة مفادها انه لن يسقط احد منا في معادلة السلطة فيرقص على دماء الآخر لاننا كلنا مستهدفون. رسالة مفادها اننا نعرف كيف نتعالى على خلافاتنا الداخلية واختلافاتنا المشروعة في مواجهة مخططاتكم. ورسالة مفادها انه لا بديل عن النضال الوطني لتحقيق الحقوق كاملةً.

لا مكان الآن للخطاب المزدوج او للتصريح أو التلميح الى ان "التضامن" مع الدكتور عزمي بشارة مشروط بعودته الفورية الى البلاد. لا يجوز جر الرأي العام الى التركيز على هذه النقطة لأن نداءات العودة ، مع إختلاف دوافعها وهي ليست سواء، تنسجم ، عن قصد او عن دون قصد – وشتان بين الاثنتين، مع جوقات التحريض التي تحاول ضرب شخص الدكتور عزمي بشارة بهدف ضرب ما يمثل.

ليس السجن الطريقة الوحيدة للنضال وليس بالضرورة أفضل الطرق. ليست البطولة أن تسلم رأسك لقاتليك. هنالك طرق أخرى للنضال. نحن الآن نواجه معركة مصيرية بكل معنى الكلمة، سيكون لنتائجها تداعيات استراتيجية على وجودنا في هذه البلاد. معركة فرضت علينا، لم نخترها لا بشكلها ولا بتوقيتها، فلماذا لا نحاول التحكم بقواعدها بما من شأنه ان يخدم نضالنا؟ علينا ان ندير معركتنا بذكاء وتروٍ، لأن الفشل فيها من شانه ان يعيدنا سنوات وربما عقودا الى الوراء، وعلى الجميع ان يتحمل مسؤوليته التاريخية. لقد أكد عزمي بشارة مراراً وتكراراً على ان العودة أمر محسوم، ولكن التوقيت يجب ان يتم إختياره بعناية، بشكل يخدم نضالنا ولا يمكنهم من تحقيق مخططاتهم.

يقولون، على لسان يعقوب بيري الرئيس الأسبق للشاباك، أنهم قد قرروا ما الذي ينوون فعله، ونحن نجيب: ونحن أيضاً قررنا! قررنا أن نقف موحدين في مواجهة حملاتكم.... قررنا حماية إنجازات الحركة الوطنية.... قررنا الحفاظ على هويتنا وانتمائنا القوميين....قررنا أن نبقى عرباً فلسطينيين كما كنا دوماً.... قررنا ان نفشل مخططاتكم!

التعليقات