في السجن منفى وفي المنفى سجن../ أمير مخول

في السجن منفى وفي المنفى سجن../ أمير مخول
في حين لا زالت المعركة امامنا في التصدي لعدوان الدولة على الجماهير العربية، والتي هي جزء من عدوان اسرائيل على الشعب الفلسطيني، بدأ بالامكان تلمس مؤشرات لخطاب تراجعي وسلوكيات يجدر الالتفات اليها لانها لن تكون في صالح مقاومة جماهير شعبنا لارهاب الدولة، وكذلك لانه بالامكان تدارك اسقاطاتها وتحجيمها.

كما اننا – وهو الاهم – ضمن مرحلة بالامكان لو اردنا ان نحوّل مستوى التحدي وخطورته الى فرصة للتصعيد النضالي ولتطوير آفاق عمل واليات عمل لم نعتد عليها، أو لم تكن مواتية ضمن السقف السياسي المهيمن ضمن تنظيمنا الجماهيري والسياسي العام الذي اعتادت عليه غالبية القوى السياسية.

النقاش حول مصير عزمي بشارة ومسألة عودته او البقاء في منفاه القسري, هو شرعي لكنه غير صحيح، ويصبح مضرّا كلما تحوّل الى النقاش الأساس.

في مثل هذا النقاش الذي كان من المفترض ان يندرج ضمن أدوات ادارة المعركة في مواجهة عدوان المخابرات – الشاباك، تختلط فيه النوايا الصادقة وهي الغالبية الساحقة من الاصوات بنوايا ما يسمى "الاصدقاء اللدودين" من جهة، أو تلك الاوساط التي تتعامل كما لو كانت أمام تقاسم إرث او غنيمة سياسية او امام فرصة لبناء ذاتها اكثر من الدفاع عن التجمع ورئيسه. ولا أدرج في هذا تلك الأصوات التي تشرعن قمع الدولة وتخدمه فهي خارج الاعتبارات الوطنية.

السجن هو قطعنا الجسدي عن الوطن ببوابة وجدران وسلاسل اسرائيلية، والمنفى هو قطعنا الجسدي عن وطننا باسلاك اسرائيل الشائكة وجدرانها وأجهزتها. ففي كليهما سجن وفي كليهما منفى وفي كليهما مقاومة أو تراجع. وفي كليهما لا مجال لتلك الاصوات التي تفاضل بين وطني ووطني وبين مناضل ومناضل. إن ردنا المتوخى هو انه كما وقفنا جميعا مع الشيخ رائد صلاح وزملائه وهم شامخون في سجنهم ومع أسعد كناعنة الشامخ في سجنه ومع أحمد سعدات ومروان البرغوثي الشامخين في أسرهما ومجمل الحركة الاسيرة والمنفية واللاجئة الشامخة ايضا، هكذا كلنا مطالبون ان نقف مع عزمي بشارة الشامخ في منفاه المؤقت، مهما طال اضطرارا.

وفي المعادلة الفلسطينية الاسرائيلية فان أحقية الفلسطيني على وطنه لا تنحصر في الفلسطينيين المتواجدين في وطنهم. والقانون الاسرائيلي و"العدل" الاسرائيلي هما لخدمة الدولة العبرية وطابعها الكولونيالي العنصري القمعي. وجوهر انجازات جماهير شعبنا قد تمت رغم القانون وليس بفضله.

صحيح أن اسرائيل تسعى الى تجريم وترهيب عملنا السياسي ودورنا النضالي، وقطعنا عن بعدنا الفلسطيني والعربي، وان نسلم لمعادلتها القائلة كما لو ان خيارنا الوحيد الممكن هو ضمن سقفها سواء طوعا او قمعا، لكن هذا ومع كل الاحترام لكل الشخصيات القيادية ليس مفروغا منه التنظير كما لو ان كل القيادات السياسية مهددة بذات المقدار وهو ليس دقيقا، ليس كل النواب مهددين بذات التهم او المقدار. وهذا لا يقلل من جدارة من هو غير مهدد ولا من وطنيته، ولا يعطي امتيازات لمن هو مهدد وملاحق، فهذا بحد ذاته ليس المعيار، بل الالتزام الوطني والتضامن الداخلي ومنع استفراد الدولة وجهازها القمعي بأي منا والدفاع عن الوطن وحق شعبنا فيه هي المعايير. فالمعركة الآن عنوانها عزمي بشارة والمستهدف هو عزمي بشارة من ناحية، لكن ايضا مجمل عملنا الوطني المنظم الذي يشكل جماعيا الرادع امام مخططات الدولة المعادية لوجودنا اساسا، آخذين بالاعتبار – نحن وهم - ان وجودنا يصبح مهددا فيما لو ضعف تنظيمنا الوطني الجماعي.

في الحالة الشخصية والسياسية والقيادية فان وضعية عزمي بشارة شخصيا وعائليا وجماهيريا هي الأصعب والأقسى الذي يواجهها اضطرارا وليس رغبة في تحديد خيار ضمن خيارات. فإمكانيات الخيار القائمة هي أقرب الى الصفر، وعليه وكما ذكرنا سابقا فان واجبنا الأدبي والسياسي ابقاء المعركة في محور المواجهة مع الدولة. والعودة يجب ان تكون نتاج النضال وجزء منه وان نحميها جماهيريا. ولو رجع في هذه المرحلة والمعطيات القائمة مهما طالت، فان منفاه سيكون في سجنهم من ناحية، وستمنح مثل هذه الوضعية الشرعية وللقضاء الاسرائيلي ليبيض صفحته ويبدو أخلاقيا في حين نكون نحن الفلسطينيين أدواته. فالقضاء الاسرائيلي سوف يحاكم المتهم ويقمعه ليحوله إلى المجرم أمنيا في نظرهم ويحوّل دولة إسرائيل الى الضحية.
في نظرة جماعية، اعتدنا التجزيئية في وعينا وتنظيمنا. في المقابل هناك نماذج لا حصر لها في العالم للعمل الوطني او التحرري أو السياسي العام من الداخل والخارج، أي من الوطن والمنفى، ولا ريب في ذلك في حالتنا ما دام الهدف هو الوطن وحق اصحابه – اي الشعب الفلسطيني – فيه.

فهناك تجربة الفصائل الفلسطينية التي حمل كل منها تصورا للمشروع التحرري الوطني، أي شكل كل منها حزبا او تيارا، وهناك حركات التحرر والاحزاب والحركات السرية او الممنوعة قمعا من قبل النظام الحاكم وارهاب الدولة، فبامكاننا جماهيريا الاستفادة من هذه النماذج، ومع الوقت تزداد حاجتنا أكثر وأكثر للعمل باكثر من عنوان ورأس وعدم حصر دورنا في قواعد اللعبة الاسرائيلية التي لا يمكن ان نكون على غير هامشها.

لكن موضوع العمل والتنظيم من الداخل والخارج هو ليس رد فعل على حالة عينية بل حاجة وهو استراتيجية عمل. فبإمكان من يريد أن يرى أن ما يميزنا هو المواطنة الاسرائيلية وما يميز اللاجئين هو اللجوء والوضعيات المقتطعة منه وما يميز الضفة والقطاع هو مواطنة السلطة الفلسطينية عديمة السيادة تحت الاحتلال الاسرائيلي، في حين بإمكاننا النظر بتمعن لنرى ان ما يميزنا هو فلسطينيتنا وكوننا رغم واقعنا الفلسطيني المجزأ نشكل قضية فلسطينية واحدة ولسنا قضايا وكوننا جميعا اينما كنا في الوطن والشتات ضحايا اسرائيل – واسرائيل هي ذاتها التي أجرمت جريمتها الكبرى بقيامها ونكبة شعبنا عام 1948 وما تبع ذلك من جرائم وعدوان وقمع واستعمار وعنصرية متواصلين يوما يوما وساعة ساعة.

من هذا المنطلق نحن بحاجة الى مثل هذا التنظيم الذي يعمل برؤية موحدة في الوطن – كل الوطن – وفي الشتات، وفي كل موقع تكون له قيادة. في الماضي كانت منظمة التحرير الفلسطينية سقفا لمثل هذا التنظيم – الفصائل – والان ومع الانهيار شبه التام لحركة التحرر الوطني الفلسطيني المتمثلة تاريخيا بـ منظمة التحرير واحلال السلطة الفلسطينية عديمة السيادة وعديمة المشروع محلها، تصبح الحاجة لاستحداث آليات موازية مسألة في غاية الأهمية، واليوم توفر لنا دولة اسرائيل بتناقض اهداف قمعها واصطدامها مع نضال جماهير شعبنا، فرصة لاستحداث هذه الآلية والقيادة المتكاملة من عدة مواقع في آن واحد. فالفرصة مهيأة أن نطور نموذج الحزب بقيادة محلية وقيادة تعمل من الخارج، وسقف التطلعات هذا أعلى بكثير من السقف الذي يتيحه الكنيست أو أي تعبير عن تذويت الواقع التجزيئي القسري.
في حالة الدفاع عن جماهيرنا عندما كانت قيادات الحركة الاسلامية في السجن، فقد برز دور نوعي للجنة الشعبية للدفاع عن الحريات التي رافقت النضال الجماهيري، ورسالتها الأولى هي أننا جميعا مستهدفون وان الدفاع عن اي تيار وطني هو دفاع عن الذات وعن كياننا الجماعي والنضال الجماهيري هو خيارنا الأول.

ما ميز اللجنة الشعبية أنها وإن انبثقت عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية إلا انها شكلت اطارا أوسع من مركبات لجنة المتابعة. كما شكلت اطارا سهلا للعمل والتحرك السريع والفعال يجمع كل الانشطة الحزبية والسياسية والأهلية والشخصيات الاعتبارية المؤطرة وغير المؤطرة المعنية بأخذ دور فعال في قيادة العمل الوطني الملتزم. كما ان سقفها وخطابها كانا أوسع مما توفره لجنة المتابعة. وقد شكلت اللجنة ايضا نموذجا للتكافل والتضامن الداخليين بين جماهير شعبنا وتقاسم الهم الجماعي ومنع الاستفراد بتيار مستهدف ومنع استنزاف طاقاته وطاقات جماهيرنا.

سيكون من الخطأ في حالتنا اليوم مركزة العمل الشعبي، بل إن أحد شروط النجاح هو توفير امكانيات اطلاق المبادرات واشكال التنظيم التي توفر امكانيات تحقيق هدف مركزي اساسي الا وهو التيقّن من قدرتنا ذاتيا نحن جماهير الشعب الفلسطيني. وفي المقابل تلقين الدولة واجهزة قمعها درسا أساسيا وهو أن إرادتنا أقوى من عدوانهم ومن قمعهم ومن عنصريتهم، وتنظيمنا ينبغي ان يكون على مستوى إرادتنا وان يستقطب كل الطاقات والقوى والتيارات والمنظمات والانشطة الوطنية، وفي تجربة اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات الكثير من الدروس وهي اطار جدير ان يأخذ دوره وسوف يأخذ دوره.

التعليقات