"ملف بشارة: لا أصدّق الشاباك"..

ألحقيقة أنني أريد منذ مدة الكتابة عن قضية بشارة، وأن أقول إنني لا أصدّق كل هذا، وإنني لا أصدق الشاباك، وأن خطّا أحمر قد تمّ تجاوزه هنا في العلاقة مع منتخبي الجمهور العربي.

أريد أن أقول كل هذا، لكنني خائف. من أين لي أن أعرف؟ شاهدت مواد سريّة؟ ورأيت ما تبيّن في التنصّت؟ أعرف تماما ما وجدوه هناك؟ يقولون إنه تلقّى مالا من أجل أن يزوّد حزب الله بمعلومات أمنية في زمن الحرب. إذا كان هذا صحيحا، فإنه خطير جدا. من الممكن أن أكتب هنا شيئا ما في صالح عزمي بشارة، بينما يتبين في النهاية أن الرجل خان بشكل لا يقبل التأويل؟

قررت أن أتغلب على الخوف وأن أكتب. لقد أتحنا لوقت طويل لما يسمّى "تبريرات أمنية خفيّة" أن تخيفنا. لقد صمت النقاش الجماهيري مرّات أكثر من اللازم بسبب ملف دلائل لم يره أحد، فيما لوّحت به جهات أمنية أمام أعيننا مؤكّدة أن فيه إثباتات قاطعة على مخالفة خطيرة.

كان عزمي بشارة عضو كنيست. منتخب جمهور شرعي. إذا كانت هنالك دلائل، فلتعرض حالا. لا يمكن التعامل مع عضو كنيست وكأنه فسّاد صغير. إجمالا، حان الوقت لأن نتغلّب على الخوف وأن نقول ما يبدو واضحا بما فيه الكفاية منذ اللحظة الأولى: أنا لا أصدّق أن بشارة زوّد العدو بمواد إستخبارية.

أولا، من أجل إعطاء مواد إستخبارية، يجب أن يكون في حوزته مواد كهذه في اليد. هل يصدّق أحد أن بشارة عرف شيئا لم تنشره الصحف؟ هل يشك أحد أن جهة أمنية زوّدته في إحدى المرّات بمعلومات حساسة؟ أو أن له سبيلا إلى مثل هذه المواد دون أن يزوّدوه بها؟ علما أن الممثلين السياسيين العرب، حتى اليوم، يستبعدون من أي مكان يحتوي على معلومات حساسة. كان مفتاح الدخول إلى لجنة الخارجية والأمن، على مدى سنوات، يتم تحديده بحسب المعادلة التالية: عدد أعضاء الكنيست في القائمة العربية – زائد واحد...

أكثر من ذلك: يقولون لنا إن الشاباك تنصّت على بشارة. لو أنه تم تزويد معلومات إستخبارية، بشكل واضح لهذا المصطلح، فمن الواضح أنه كان سيعتقل حالا. ومن الواضح أنهم لم يكونوا ليتيحوا له خروجا من البلاد. التفسير أنهم دعوه يخرج لأنه عضو كنيست هو تفسير مثير للسخرية: فقد تنصتوا عليه برغم أنه عضو كنيست – وأتاحوا له الخروج من البلاد لأنه عضو كنيست؟ أين المنطق؟ الأرجح أنهم لم يجدوا في التنصت دليلا قاطعا على أن بشارة زوّد مواد إستخبارية للعدوّ.

وإذا كان بشارة لم يعط معلومات، فماذا يمكنه أن يعطي؟ أتكهّن أنه تحدّث في السياسة، أعطى تقييمات، تحليلات، مواقف. كيف يجب التعامل مع هذه الأحاديث في زمن حرب؟ هنا ندخل في مسألة حساسة جدا: ما هو الحد المشروع للإتصال فيما بين منتخب جمهور عربي وبين جهة عربية معادية؟ ماذا كان في مكالمة بشارة مع حزب الله؟

لا أملك معلومات دقيقة عمّا دار هناك. وأنا لست متحمّسا من محادثات مع العدوّ في في وقت هطلت فيه الصواريخ هنا. من المناسب أن يظهر حتى عضو كنيست عربي تضامنا معيّنا مع الدولة التي يقطن فيها. لكن على الطعم المرّ لا يحاكم أحد. في المقابل، فإن التفسير وكأن مكالمات كهذه هي خيانة، إنما هي تفسيرات خطيرة جدا. أن يُسمع أعضاء الكنيست العرب صوتا صادقا هو أمر مهم جدا لمنتخبيهم. ربما ليس لطيفا أن نسمع – لكن هذا ضروري. ضمن مهامهم، هم يمثلون الجمهور الذي انتخبهم ليس فقط أمام مؤسسات الدولة، إنما أمام العالم أيضا، وخاصة العالم العربي. هذه وظيفتهم. لأجل هذا انتخبوا. هكذا يجري في الديمقراطية.

كان عزمي بشارة الناطق الأكثر طلاقة والأكثر إثارة للتحدي بين كل العرب الإسرائيليين في السنوات الأخيرة. كمّ فيه ودفعه على الهروب من البلاد هما تجاوز للخط الأحمر، إنه عمل غبي أيضا: يوجد هنا محاولة لجعل النقاش السياسي والفكري الصعب مع بشارة ضحلا، وتحويله إلى مواجهة أمنية على نمط الحكم العسكري الذي كان. وبدل مواجهته من على منصة الكنيست، أعادت الجهات الأمنية النقاش إلى غرفة التحقيق. وهكذا عدنا إلى المهمة التقليدية للعربي الإسرائيلي: ليس طرفا للحوار، بل مجرد عدو. ليس شريكا، بل خائن. ليس إنسانا لنقنعه، بل عربي يجب سجنه.

التعليقات