* ليست معركة د.بشارة وحده../ د.أمنون راز*

* ليست معركة د.بشارة وحده../ د.أمنون راز*
تكشف الهستيريا الإعلامية الفزع الكبير من د.عزمي بشارة، وتكشف أيضاً التحدي الكبير الذي يواصل وضعه أمام المجتمع الإسرائيلي، من خلال كشف تناقضاته وحدوده. ويثير بشارة الغضب عليه لأنه صادق، وبالذات في الحالات التي تعرض فيها للهجوم. وتؤكد الحاجة إلى تشويه أقواله مرة أخرى وأخرى مدى موضوعية أقواله والتحدي الذي يطرحه.

وقد تفاقم الخوف في المدة الأخيرة، بعد أن تبين أن الحديث ليس فقط عن مواقف تخص مؤيدي التجمع الوطني الديمقراطي فقط، وإنما الجماهير العربية بأكملها. وأدى نشر "الوثائق"، مؤخراً، بالشاباك إلى تعريف الجماهير العربية كلها كـ"خطر استراتيجي"، وفي هذا السياق فلا عجب أن قرر الشاباك محاولة عزل التجمع الوطني الديمقراطي، من خلال الاعتقاد بأن الحرب على بشارة سيؤدي إلى إلغاء هذا الغليان الكبير دفعة واحدة.

ولكن حتى لو نجحوا في إبعاد بشارة من الحلبة السياسية، فإنهم لن ينجحوا في إبعاد روحه وأفكاره، التي تحتل مكاناً مركزياً في وعي الفلسطينيين في إسرائيل. وحتى معارضو بشارة لا يستطيعون إنكار مساهمته الحاسمة في هذه العملية المهمة لخلق أرضية تساعد الأقلية الفلسطينية في إسرائيل على مواجهة الحرب التي أعلنتها الدولة مؤخراً بشكل علني. إلا أن الاعتقاد بأن إبعاد بشارة من الحياة السياسية سوف يقضي على هذه الأفكار هو من قبيل الأوهام، وحتى لو نجحت سلطة التخويف بإسكاتها في مرحلة مبكرة.

ويحمّل المجتمع الإسرائيلي الذي يعيش في أزمة عميقة، بدون مستقبل وبدون أمل وبدون حلم، المسؤولية لبشارة والتجمع. لا توجد هنا محاولة للنقاش مع التجمع، وإنما محاولة متواصلة من أجل سحب شرعيته. وفي هذه اللحظة الخطيرة يبزغ أمل بأن تقود الأزمة الحادة الحالية المجتمع الإسرائيلي إلى طريق أخرى لمواجهة التحدي الذي يطرحه مؤخراً ممثلو الجماهير العربية.

إن اندفاع اليمين ليس مفاجئاً بالطبع، فهم يعتقدون أنه لا مكان للعرب في الكنيست، وفي البلاد عامة. إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن التحريض ضد بشارة لم يبادر إليه اليمين المتطرف، وإنما الدوائر التي تطرح نفسها على أنها أكثر ليبرالية. فهم الذين دأبوا لسنوات على عرض بشارة كقومي متطرف. وهذا التحريض بدأ أساساً عندما تبين أن بشارة ورفاقه، وخلافاً للتوقعات، لا يؤيدون بشكل أعمى السياسة التي يمليها من يعرف كـ"يسار" (حزبا العمل وميرتس). وفي الأساس منذ انتخابات العام 1999 وأيام حكومة براك. وطالما عرض بشارة أفكاره كمثقف، فمن الممكن قبولها والتأثر بها أيضاً. وفي سنوات التسعينيات تم الاعتراف بأنه أحد كبار المثقفين البارزين في إسرائيل. إلا أن نقل هذه الأفكار إلى المجال السياسي أكدت ما هو المطلوب من تحقيق المبادئ الديمقراطية، وهذا ما رفضه الجمهور اليهودي. ولم يغفر "اليسار الإسرائيلي" لبشارة على إظهاره القومية والكبرياء التي تنتصب في أساس موقفه. ويكون بذلك قد ساهم بدوره بكبريائه، وهذه الصفة ممنوعة على العرب.

ويفقد ممثلو "معسكر السلام" أعصابهم في كل مرة يرفض فيها التجمع (وآخرون) قبول إملاءاتهم السياسية. وأصبح هذا الموقف، على سبيل المثال، سياسة مؤسسية معلنة حتى في صحيفة "هآرتس"، التي نشرت أحياناً بعض المواد التي كتبها بشارة. وعرضت مراراً الحدود بين الجبهة الديمقراطية والتجمع، في أكثر من مقال على لسان هيئة التحرير، كحدود بين القانوني وغير القانوني. حيث عرضت الجبهة الديمقراطية كمعبرة عن موقف مدني وتعايش مقابل التجمع القومي الانفصالي. ومن هذه الناحية فإن موقف "هآرتس" كان متماثلاً مع موقف الشاباك، حتى لو كان هناك بعد الخلافات بينهما بالنسبة للنتائج؛ ففي حين يوصي الشاباك بالإخراج خارج القانون، فإن "هآرتس" تفضل التروي كدليل على تعامل ديمقراطي خاص لدولة إسرائيل.

إن الخط الفاصل بين أولئك المعرفين كـ"قوميين" وأولئك المعرفين كأصحاب موقف "مدني" يعني ببساطة أن الشرط لمشاركة العرب في المجتمع الإسرائيلي هو التنازل عن هويتهم وتماثلهم القومي، وجعلهم بدون هوية. في حين أن هناك إجماعاً على تعريف الدولة يبعدهم عن مجال المشاركة المحددة لليهود فقط، حتى لو كان من غير المسموح لهم أن يعرفوا أنفسهم كعرب وكفلسطينيين.

وليس هذا بالطبع هو الحد الحقيقي، ولا أعتقد أن موقف الجبهة الديمقراطية هو سيء إلى هذا الحد وفقما هو مريح لليبراليين الإسرائيليين أن يعرضوا الجبهة، رغم أنه من المؤسف أن ينجر أعضاؤها أحياناً، لأسباب سياسية، إلى الموافقة على هذا التمييز المجرد. وفي المقابل، فإن التجمع ليس حزباً انفصالياً وبالتأكيد ليس متطرفاً، وإنما هو حزب يطرح تحدياً آخر للإندماج؛ نضال من أجل المساواة لا يعتمد على نفي الهوية القومية، وإنما على الحفاظ عليها وتطويرها، وشعاره في الانتخابات كان "هوية قومية ومواطنة كاملة".

وعلاوة على ذلك، فإن التاريخ الحالي قد تطور بعد أن تبين ليهود كثيرين بشكل مفاجئ أن هذا الحد مشروخ، وأن مواقف التجمع الأساسية قد تبناها الجميع، وهي مقبولة حتى على عناصر الجبهة الديمقراطية. وهناك بالطبع فوارق ونقاشات جوهرية من العناصر المختلفة في وسط الفلسطينيين في البلاد، ولكن هناك إجماعاً واسعاً، يقف ضده اليوم الشاباك بدعم (أو بصمت) من الدوائر التي تعرف نفسها ليبرالية. وفي هذا السياق يجري التعامل مع التجمع كأنه أخطر من ذلك، فهو "يفسد" العرب ويزرع في أوساط الشباب الصغار بذور الديمقراطية. وبناء على طريقة تفكير الشاباك الصبيانية (التي تتعامل مع العرب كصبيانيين) ففي حال جرى إبعاد "الولد السيئ"، فسوف يكون درساً للباقين، لن ينشدوا نشيد "هتكفا"، وإنما يتماثلون مع مشروع "العودة إلى صهيون".. هؤلاء العرب الشرعيون، بموجب هذا التصور، هم أولئك الذين يتقبلون الوضع القائم مع تعديلات بسيطة، ويوافقون على سياسة "اليسار الإسرائيلي".
يضع بشارة منذ أكثر من عقدين عدداً من التحديات أمام المجتمع الإسرائيلي- اليهودي. وكان له دور مركزي في الموقف المبدئي للمطالبة بجعل إسرائيل دولة جميع مواطنيها. وكان هناك بالطبع من سبقه إلى ذلك، ولكن كان له الدور الحاسم في تحويل هذا المبدأ إلى مدماك مهم في جدول الأعمال العام وكأساس للنقاش انضم إليه مشاركون كثيرون. وهي أكثر ما يكون خطة واضحة، وهذه المطالبة هي موقف نقدي يؤكد على الأسس غير الديمقراطية والعنصرية في الواقع القائم. وهذا الموقف يعبر عن الطموح إلى دمقرطة البلاد وإلغاء المؤسسات والأجهزة التي تبقي على التمييز ونهب المواطنين العرب. وأكدت المطالبة بالدمقرطة على أبعاد تعريف الدولة الحالية.

وإذا كان بإمكان الكثيرين العيش مع شعار "دولة المواطنين"، المطلب المكمل الذي يطرحه التجمع، فإن المطالبة بالاعتراف بالمواطنين الفلسطينيين كأقلية قومية، قد أثارت الحرب عليها من عدة اتجاهات. ومطالبة التجمع بالمساواة المؤسسة على المحافظة على الوعي القومي، والاعتراف بأن التنظيم القومي لوحده سوف سيمكن من النضال ضد نماذج الاندماج التي تقوم على نفي الهوية القومية، كل ذلك أثار حتى المحسوبين على اليسار. ويأتي ذلك بالرغم، وربما بالذات لكون هذا المطلب يتضمن اعترافاً واضحاً بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير، أي اعترافاً بالوجود الجمعي الإسرائيلي- اليهودي. ومجرد هذا الاعتراف، الذي حاولوا مراراً وتكراراً نفيه، يشير إلى تغيير في قواعد اللعبة، ويضع التحدي الكبير: ليس اليهود هم من يمنح الحقوق لأبناء الأقلية العربية في "حالة من الحنين إلى التنور"، وإنما الفلسطينيون الذين يعترفون بحقوق اليهود في إطار الديمقراطية والمساواة والعدل على المستويين المدني والقومي.
تصاعدت الحرب على التجمع بشكل عام وعلى بشارة بشكل خاص على خلفية المواقف والنشاطات السياسية له ولرفاقه منذ نهاية التسعينيات، وخاصة منذ العام 2000. ولم يكن التجمع الحزب الوحيد الذي واجه التحريض المتواصل، فقد واجه أعضاء كنيست عرب آخرون التحقيقات والتحريض الفظ للمذيعين والمراسلين. إلا أن التركيز كان دائماً على بشارة، لأنه لم يكن بالإمكان إنكار التحدي المبدئي الذي طرحه.

ولم تثر مواقفه لوحدها الغضب عليه، وإنما حقيقة أنها قيلت في سياق عربي، من خلال رفض عرض العالم العربي كعدو، كتعبير واضح عن الموقف بأن مواطنته كعربي ليست مشروطة بنفي هويته كعربي ينشط في العالم العربي. وهذا الأساس، الذي يجد الإسرائيليون المعتدلون غير العنصريين صعوبة في تقبله، هو أيضاً التحدي الكبير. فأقوال بشارة التي قالها في العالم العربي هي نفسها التي قالها باللغة العبرية، إلا أنه خلافاً لخطاباته باللغة العربية، فإن أقواله في إسرائيل تم تجاهلها. وبشارة لا يتحدث مثلما يريده اليهود أن يتحدث، فهو يتحدث كعربي ويرفض الادعاء بأن المواطنة الإسرائيلية تنفي حقه في التحدث كعربي. كان نجاحه في الماضي يعود إلى كونه تحدث بشكل مواز إلى الطرفين، إلا أنه امتنع عن التوجه إلى الجمهور الإسرائيلي منذ أن أصبحت أي مقابلة صحفية معه تبدو كأنها مقابلة مع رجل شاباك، وبدلاً من أن يعبر أن موقفه كان يطلب منه أن يثبت صدقيته.

وتفاقمت الكراهية لبشارة لكونه صادقاً بالذات. فقد عبر تباعاً عن مواقف ضد "مسيرة السلام" بصيغتها الحالية، وقوض المبادئ الأساسية التي تعرف "معسكر السلام". وثبت أن المواقف التي يطرحها صائبة وبراغماتية. ورغم أن المجتمع الإسرائيلي استبعده منذ العام 2000، إلا أنه ظل محط اهتمامه كما كان دوماً. وجعلته عملية التحريض مركباً للإسرائيلية، وخاصة من قبل عناصر "اليسار" الذين يدعون أنه "تباعد كثيراً" و"تجاوز الحدود"، على اعتبار أنهم هم الحد المسموح به.

كان بشارة على حق عندما كان عضو الكنيست الوحيد، من غير اليمين، ممن لم يؤيدوا في الكنيست خطة براك قبل قمة كامب ديفيد في العام 2000، حيث حذر في خطابه في الكنيست من أبعاد سياسة اللاءات المتعجرفة لبراك. وذلك خلافاً لباقي أعضاء الكنيست العرب، الذين انضموا إلى الإجماع المؤيد. واليوم لا يوجد أي حاجة لتوضيح ما هي أبعاد سياسته المغامرة والمتعجرفة لإيهود براك، ولحقيقة أنه لم تكن هناك معارضة من اليسار. وهكذا تبين لـ"اليسار الإسرائيلي" أن التجمع ليس صوتاً يمكن عده بشكل تلقائي وبدون أية علاقة مع سياسته. وتبين مرة ثانية عندما قاد التجمع مقاطعة الانتخابات بين براك وشارون في العام 2001.

كان بشارة على حق عندما ألقى كلمته في ذكرى وفاة الرئيس الأسد في سورية في العام 2001، حيث أكد أن المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال لن تنجح بدون موقف سياسي عربي شامل. وحتى اليوم يطلب من المحللين الإسرائيليين تحريف أقواله هناك عندما يبثون الخطاب ويقطعونه في منتصفه. ويؤكدون على أقواله عن "المقاومة"، وهو فعلاً لم ينف حق الفلسطينيين في المقاومة في المناطق المحتلة، من خلال تجاهل تام للسياق: الادعاء بأن مقاومة الاحتلال لا أمل لها بدون مبادرة سياسية شاملة. ومن لم يكن "مستعبداً" لتحريض إيهود يعاري وتسفي يحزقئيلي وأمثالهما يعترف اليوم بالأهمية التاريخية لتلك الأقوال التي تم تطبيقها لاحقاً في مبادرة السلام العربية.

وإزاء ذلك بادر الإعلام الإسرائيلي إلى تغييب أقواله ضد العمليات الانتحارية: التقرير القصير لعميرة هس عن تصريحاته التي قالها في مؤتمر في رام الله ضد العمليات الانتحارية تمت إزالته من الإنترنت ولم يبق له أي ذكر، ولم يحظ بالنشر في النسخ المطبوعة، وفجأة لم تعد أقوال بشارة مهمة، ربما خشية أن تتصدع الصورة المتوحشة التي رسمت له، وربما لأنه في حال نشر تصريحاته سيضطرون إلى فحص أية نماذج مشروعة لمقاومة الاحتلال.

وكان بشارة على حق عندما عارض الانسحاب من لبنان عام 2000 بدون الاتفاق مع سورية، وعندما أيد الموقف السوري في ظل انتقادات من جهات مختلفة. وفي الواقع فقد أشار التجمع إلى نوع من الرضا من الإنسحاب كسابقة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن التجمع عبر عن موقف مركب في السياق. وكان كثيرون في إسرائيل يحملون الرأي نفسه، إلا أن ما كان يقلقهم هو حقيقة أن بشارة كان يقوم بذلك من خلال المصالح العربية.

وكانت معارضة التجمع للحرب الأخيرة على لبنان بالطبع مشروعة بشكل مطلق، ولم يكن التجمع لوحده في هذه المعارضة. فقد كان ذلك موقف غالبية الجمهور العربي وكل القوى السياسية العربية. إلا أن ما ميز بشارة في هذا السياق هو حقيقة أنه رفض إدانة حزب الله، وأشار إلى السياق الشامل للأزمة: الخروقات والعمليات الهجومية المتواصلة لإسرائيل، وموقع الحرب في إطار الخطة الأمريكية – الإسرائيلية. ولم يتردد بشارة في رؤية حزب الله كتنظيم مقاومة، وليس متوحشاً، بالرغم من تحفظاته المعروفة من بعض آرائه.

وكان بشارة على حق بشكل واضح عندما قرر في بداية الحرب بأن حزب الله لن يهزم، الأمر الذي زاد من غضب المعلقين، الذين سال لعابهم في تلك الأيام من الحماس في ظل الهجوم الجوي الذي سيبيد ويدمر ويقوض ويهدم. ولا يمكن غفران ذلك: فحقيقة أن الحرب التي خرجت إليها إسرائيل بهدف التطهير الذاتي، والحرب التي عرضت كأكثر الحروب شرعية، والتي كان يفترض أن تنسي الفظائع اليومية للاحتلال وأحادية الجانب، هذه الحرب انتهت بخيبة أمل من الناحية الإسرائيلية.

وبدأت مختلف لجان التحقيق بالبحث عن ظروف الفشل في الحرب، إلا أنها امتنعت عن التطرق إلى مفهوم "الحرب العادلة" ضد عدو متوحش، الحرب التي كان هدفها إطلاق سراح أسرى إسرائيليين. ولا يسأل أحد في إسرائيل نفسه حتى الآن إذا كان هناك أية شرعية في المجزرة التي نفذت ضد المدنيين اللبنانيين في تلك الفترة. وبدل أن تقوم العناصر الإسرائيلية بفحص نفسها، بدأت تبحث عن متهمين. فالحرب قوضت بشكل مطلق الأمن الإسرائيلي، وأكدت محدودية التفوق العسكري، ورافقها أزمة شاملة لمجتمع بدون اتجاه وبدون أمن وبدون رؤية. وكلما تبين حجم الفشل في تلك الحرب، كلما توسع التحريض.

من الممكن، بحسب ما نشر، القول بأن تهم الشاباك مرتبطة بمواقف بشارة خلال الحرب على لبنان. فإسرائيل المهزومة تبحث بكل طريقة عن سبب الهزيمة، وبدلاً من مواجهة السبب الحقيقي- سياساتها المتواصلة- فقد لجأت إلى بشارة الذي تماثل مع "العدو". وبحسب ما نشر في وسائل الإعلام فمن الواضح أنهم يتهمونه باتهامات خطيرة جداً. فـ"القضاء" العلني قد أدانه بتأييد العدو والإرهاب، ولم يبق سوى إيجاد الأدلة التي تناسب ذلك.

تناولت التحقيقات السابقة مع بشارة نشاطاته المكشوفة والعلنية. وحتى إذا كان التحقيقات الأخيرة، مثلما أشير إليها، تستند إلى مواد سرية (الموجودة بوفرة لدى الشاباك..)، فمن الواضح أنها تتركز في مواقفه السياسية الصريحة.

لقد تم الإعلان في إسرائيل اليوم عن أن الشاباك هو الجهة المخولة بشأن الديمقراطية. فإعلانه عن المواطنين العرب كـ"تهديد استراتيجي" لم يحظ بأي رد. وحتى متحدثو "اليسار" مثل يولي تمير وران كوهين يتماثلون مع خط الشاباك. والحملة ضد بشارة ليست موجهة له وحده، وليست موجهة ضد التجمع لوحده. فهي تهدف إلى وضع الحدود للجمهور العربي كله. ومن يدعي في هذه الحالة بأن "بشارة تجاوز الحدود" فهو يحدد الحدود بنفسه، والتي تتقلص تباعاً، هذا إذا لم تختف تماماً. وحتى أولئك الذين ينتقدون مواقف بشارة هذه أو غيرها، عليهم أن يدركوا ماهية الخطر الماثل أمامنا. فهذه التحقيقات تجري في ظل الاعتراف بتقليص الفوارق، بهدف إحباط أية محاولة كتلك التي طرحت الوثائق التي نشرت مؤخراً. وهذه بالطبع عملية هستيرية حتى بمصطلحات الشاباك نفسه، إلا أنها بالتأكيد سوف تؤدي إلى خراب كبير ونظام قمع وإرهاب، فهذا هو الهدف.

وفي هذا السياق فإن الخيار الماثل أمامنا، كيهود إسرائيليين، هو بين الموافقة على سلطة الشاباك أو فتح حوار شامل حول التحدي السياسي الواسع الذي يضعه بشارة وفلسطينيون كثيرون كان لهم دور في كتابة الوثائق. ومن الممكن بالتأكيد فهم لماذا أثارت الوثائق معارضة إسرائيلية واسعة، إلا أنه يوجد مجال لمناقشة أبعادها بشكل شامل، بدلاً من حملة الملاحقة الحالية.

يجب على كل مؤمن بالديمقراطية أن يقف في وجه حملة التحريض، ومن يؤمن بمبادئ المساواة القومية والمدنية يجب أن يدرك أن هذه المعركة لا تتعلق ببشارة وحده، بل كلنا.

التعليقات