* كلمة د.ممدوح العكر في اللقاء التضامني مع د.بشارة في رام الله

-

* كلمة د.ممدوح العكر في اللقاء التضامني مع د.بشارة في رام الله
[[ نلتقي الآن ليس فقط للتضامن مع د. عزمي بشارة (مع أن الإنسان لا يتضامن مع نفسه، فعزمي بشارة هو نحن، كل واحد فينا مستهدف) كما هو عزمي مستهدف الآن.
كما قلت، نلتقي الآن ليس فقط للتضامن مع د.عزمي بشارة بل أكثر من ذلك لمحاولة تفحص سر قوة د.عزمي، ولماذا هو مستهدف من قبل المؤسسة الإسرائيلية، ولماذا تخشاه كل هذه الخشية. ثم نحاول بعد ذلك استكشاف إمكانيات ووسائل وآليات العمل لمواجهة هذا الأسلوب الإسرائيلي الجديد القديم.

وهذه الوقفة، وقفتنا الآن مع د.عزمي بشارة تصبح ذات مغزىً أكبر عشية ذكرى النكبة التي حلّت بنا كشعب وكقضية من ناحية، ومع واقع ما وصل اليه حالنا سواء على صعيد انسداد الأفق أمام مشروعنا الوطني لإنهاء الإحتلال وإنجاز حق تقرير المصير، والإستقلال، والعودة، أم على صعيد ما نشهده من تفكك في نسيجنا وقيمنا مما يهدّد وحدتنا وتماسكنا، وأدى وما زال يؤدي الى الإضطراب الداخلي وكل هذا الإنفلات الذي يكاد يودي بكل شيء.
إذاً، فلنحاول تفحّص سرّ قوة عزمي بشارة.
لا أستطيع بدءا إلا أن أقول أن د.عزمي إنما يذكّرني بنموذج آخر للمثقف الثوري في نهايات الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي ألا وهو الدكتور فرانز فانون صاحب كتاب " معذبو الأرض" الذي كان بمثابة إنجيل وحركات التحرر الوطني في العالم الثالث من تلك الحقبة.
ما هي إذاً عناصر القوة لدى د.عزمي بشارة ولماذا تخشاه المؤسسة الإسرائيلية؟
في اعتقادي إن من أهم مصادر قوة د.عزمي بشارة هو التواصل مع الفكر الإنساني ومع أحدث تجلياته. هذا التواصل يُكسب د.عزمي، يُكسبنا، بُعداً إنسانياً، خاصة مقابل ما تلجأ اليه المؤسسة الإسرائيلية باستمرار من أساليب المحاصرة والعزل عن المحيط العربي والمحيط العالمي.

وهذا التواصل الإنساني يُكسب عزمي، ويُكسبنا، القدرة المستمرة على رفد نضالنا تجاه المشروع الصهيوني بأفكار الحداثة ويزوّدنا، بالقدرة على إبداع الأفكار والأساليب لمواجهة المشروع الصهيوني على أرضنا.

كما أن هذا التواصل الإنساني يُبقينا جزءا من تَوْق كل المناضلين في العالم من أجل الحرية، والعدالةّ، وضد التمييز بكل أشكاله، وضد الظلم والإستبداد، ومع المقاومة وضد الإحتلال.. أي احتلال.

أما عنصر القوة الثاني فهو المعرفة العميقة والعلمية بالمؤسسة الإسرائيلية وبالفكر الصهيوني بمختلف مراحله وتجلياته. وقد مكـّنت هذه المعرفة د. عزمي من كشف وفضح زيف الكثير من ادعاءاتها وتشويهاتها، وساعدت على التصدي لهذه الأفكار بنفس سلاحها وآلياتها، وبقوانينها ومن داخلها والأمثلة على ذلك كثيرة:

1. كشف زيف الديمقراطية الإسرائيلية بطرح شعار أو فكرة "دولة لكل مواطنيها" مقابل "دولة اليهود" وإبراز التناقض الحاد ما بلين يهودية الدولة وديمقراطيتها.
2. فلسطينيو 48 ليسوا أقلية بل هم السكان الأصليون وضرورة التعامل معهم على أنهم كذلك.... السكان الأصليون بكل ما لهذا من تداعيات من اعتراف بالظلم الذي وقع على هؤلاء السكان الأصليين بسبب الهجرة اليهودية. يعيد للأذهان بذلك ما جرى من حالات النماذج الأخرى للإستيطان في العالم من أمريكا، وكندا، واستراليا، ونيوزلندا، وجنوب أفريقيا.

3. التمييز العنصري الكامن في قانون العودة الإسرائيلي والذي يمنح حقّ المواطنة لكل يهودي من أي مكان في العالم، مقابل حرمان حق العودة للفلسطيني الذي أجبر على ترك وطنه.

4. كشف المعايير المزدوجة من إعطاء إسرائيل لنفسها حقّ التماهي مع كل يهود العالم، ولإنكار على الفلسطينيين حقهم في التماهي مع التهم العربية، بل وحتى حرمان فلسطينيي 48 من التماهي مع فلسطينيي الضفة وغزة.

ومصدر قوة ثالث هو عدم تجاهل أو إنكار "الآخر"، ومخاطبة "الآخر" ومقارعة أفكاره بالعقل والمنطق العلمي. وبالإضافة إلى قوة العقل والمنطق، هناك عنصر العنفوان والكبرياء من هذه المخاطبة "للآخر". وهذا الكبرياء لا يتأتّى من فراغ، بل هو نابع من قوة الموقف والحجة الفكرية، ومن الإيمان العميق بعدالة القضية، ومن الإحساس بالتمتع بالتوفق الأخلاقي the moral edge خذوا مثلاً هذه المخاطبة من الدكتور عزمي بشارة عندما يقول: "إن المهاجر إلى بلد ما يقبل بسلطة ذلك البلد، ويقبل بقواعد اللعبة في ذلك البلد التي يهاجر اليها، نحن لسنا مهاجرين.. أنتم المهاجرون الى بلدنا، ونحن السكان الأصليون".

ومصدر رابع لقوة د. عزمي بشارة هو انتقاله الى ساحة العمل السياسي المنظم (وأشدّد "المنظّم") وتشكيل حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ومن ثمّ الولوج الى داخل البيت الإسرائيلي... الى داخل الحلبة السياسية الإسرائيلية.. وفي الكنيست.

أما المصدر الخامس فيتمثل في تأثير أفكار وطروحات د.عزمي بشارة المذكورة على الحركة الوطنية الفلسطينية عموماً، بل وعلى الرأي العام العربي ايضاً، والأصداء الواسعة التي تلقاها هذه الأفكار والطروحات لدى جموع الناس. فليس صدفة أننا نشهد حضوراً حاشداً تضيق به القاعات كلما تحدث د.عزمي بشارة من أي مكان في فلسطين وفي الوطن العربي.

إذاً، لكل هذا وغيره تخشى المؤسسة الإسرائيلي عزمي بشارة كل هذه الخشية، والتي عبّر عنها رئيس الشاباك (جهاز المخابرات الإسرائيلي) في لقائه مؤخراً مع رئيس وزرائه أولمرت بقوله: "إن الأقلية العربية في إسرائيل تشكل خطراً استراتيجياً على إسرائيل".

قبل تسرّب أفكار عزمي بشارة وطروحاته حول الدولة لكل مواطنيها كما ذكرت، وعن أن الأقلية العربية الفلسطينية داخل اسرائيل إنما هي تمثل السكان الأصليين وأهل البلاد، وعن حق هؤلاء السكان الأصليين في الحصول على اعتراف بالظلم الذي وقع عليهم وعلى شعبهم. ومن ثمّ حقهم في الحصول على اعتذار عن كل ما لحق بهم، تماماً كما اعتذرت الشعوب المهاجرة في كندا وأمريكا واستراليا ونيوزلندا وجنوب افريقيا للسكان الأصليين في تلك البلاد...

قبل تسرّب أفكار عزمي بشارة هذه لم يكن رئيس الشاباك مضطراً للمسارعة الى تحذير رئيس وزرائه والمؤسسة الإسرائيلية عموماً من الخطر الإستراتيجي "للأقلية العربية" داخل اسرائيل.

ولأن المؤسسة الإسرائيلية لا تملك القدرة على التصدي لهذه الأفكار والطروحات بأفكار وطروحات مبنية على العقل والمنظور، ولأن أفكارً من نوع أفكار د.عزمي بشارة تفوّض أساس الفكرة الصهيونية، رأينا المؤسسة الإسرائيلية تهرب من المواجهة الفكرية والسايسية وتلجأ الى "الضرب تحت الحزام"، وذلك من خلال وسيلتين: وسيلة اللجوء الى تلفيق التهم الأمنية كتهمة "التخابر" مع "العدو" أثناء الحرب. كما فعلت مثلاً من تلفيق التهم الأمنية لمروان البرغوثي لزجّه في السجن الى ما شاء الله، وفي حالة د.عزمي فالعقوبة إما السجن المؤبد أو حتى الإعدام بتهمة الخيانة العظمى!! أو اللجوء الى أسلوب آخر وهو Character Assasination أي اغتيال الشخص فكرياً أو سياسياً من خلال تشويه السمعة. وفي حالة د.عزمي تليف تهمة الحصول على أموال مقابل تقديم معلومات لعملاء أو مخبرين، أو تهمة غسيل الأموال!! وقد سبق لإسرائيل أن استخدمت مثل هذا الأسلوب ايضاً مع إدوارد سعيد.

لكن السؤال الأهم الآن والتحدي الأكبر الذي يواجهنا ويواجه د. عزمي بشارة هو: كيف سيعمل د.عزمي، كيف سنعمل جميعاً ومعاً على عدم ترك المجال للمؤسسة الإسرائيلية للهروب من مواجهة التحدي الذي تطرحه أفكار وطروحات د. عزمي في الملعب الفكري.. الى الملعب الأمني الذي تتقنه]]...

التعليقات