* مشروع شهيد آخر...!!/ محمد الحايك

* مشروع شهيد آخر...!!/ محمد الحايك
وسط تداعيات الوضع العربي العام، و ما به من احتلال واغتصاب وقواعد ومؤامرات، تطال الأمن القومي العربي والوجود العربي ذاته، ومع ارتفاع وتيرة الاستجداء بتفعيل مبادرة السلام العربية دون وجود البديل، يطل علينا رجل قادم من معارك الفتح وملاحم التاريخ، بطل من أكناف"بيت المقدس " و"ناصرة" السيد المسيح عليه السلام، قائد من فلسطين عربي الوجه واليد واللسان، يهتك بسيفه اليماني عتمة الليل العربي، يمزّقُ بوقفة العزِّ هذه صكوك الاستسلام واتفاقات الإذعان والتطبيع المذل مع الأعداء، يحمل بيمينه فجر الحرية وبيساره شارة النصر على طريق المستقبل الواعد... إنه المناضل القومي العربي الدكتور عزمي بشارة ابن النكبة التي نعيش مرارات ذكراها التاسعة والخمسين....

لقد أُصيبتْ فلسطين بما لم يُصب به وطن من أوطان الدنيا عبر التاريخ، اقتلع شعب من أرضه، و طرد من دياره، ليصبح لاجئاً في أوطان الآخرين، و يحل محله شتات آخر من شعوب ٍ متعددة بدعوى العودة إلى أرض الميعاد لشعب الله المختار.. إلا أن فئة من شعب فلسطين لم يُتح لها مغادرة أرضها لظروفٍ مختلفة منها: التمسك بالأرض حتى الموت، أو أن الأحوال الاجتماعية والمادية كانت أقوى منها فقبلت العيش مغلوبة على أمرها في الكيان الصهيوني الجديد الذي أعطاها جنسيته "الإسرائيلية" طمعاً في احتوائها، وقد عرفت هذه الفئة فيما بعد بــ عرب الــــــ48.. وفي فترة لاحقة من فترات الصراع العربي الصهيوني لحق عرب الـــــــ48 ظلم كبير من أبناء جلدتهم في الدول العربية، حيث اتهموا بأنهم عملاء وجواسيس للدولة العبرية، لكن واقع الحال أثبت فيما بعد بأنهم حافظوا على هويتهم العربية وانتمائهم العربي وولائهم لفلسطين، فقد شكلوا رديفاً للمقاومة الفلسطينية، كلّ ٌ بطريقته، بالثورة والبندقية في الأراضي المحتلة عام 1967،والاسناد المعنوي والمادي داخل الخط الأخضر، أي أن عرب الـ48 أصبحوا عمقاً استراتيجياً لإخوانهم الفلسطينيين المقاومين للاحتلال...... وفي موضوع العمالة فإن رئيساً لأكبر دولة عربية قد قدم لإسرائيل ما لا يستطيع جيش من العملاء أن يقدمه، فالاعتراف بحق الاغتصاب وتبادل التمثيل الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي والتطبيع في شؤون أخرى يفوق في تقديري ما قدّمه (بن غوريون) الرئيس المؤسس للكيان الصهيوني...

وعوداً على بدء... نقول: ولد عزمي بشارة في الناصرة بفلسطين عام (1956)- أي العام الذي شهد التصدي للعدوان الثلاثي على السويس و انطلاقة المد القومي العربي بقيادة جمال عبد الناصر- ودرس في مدرسة الجليل، وفي جامعة حيفا درس علم النفس، ثم درس في الجامعة العبرية في القدس، ودرس الفلسفة في ألمانيا الشرقية، وبعدها عمل محاضراً في جامعة بير زيت بين عامي (86-1996).

و أسس عزمي بشارة ذو التوجهات اليسارية حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" 1996 الذي قاد أكبر وأشمل عملية تثقيف سياسي وفكري و ديمقراطي في أوساط عرب الـــ48، ونقل هؤلاء من خانة الخائفين على الوجود والقائلين بالإخاء العربي اليهودي إلى موقع المطالبين بالحقوق باعتبارهم عرباً وفلسطينيين، يجب أن يتواصلوا مع أبناء شعبهم الفلسطيني وإخوانهم في الدول العربية المجاورة وهذا ما ترفضه (إسرائيل) وتعتبره مهدداً لأمنها ومستقبلها. ويقوم مشروع حزب"التجمع الوطني الديمقراطي" على: فصل الدين عن الدولة، إعطاء الأقلية الفلسطينية حقوقها الثقافية، الدولة لكل مواطنيها يتعايش فيها العرب و اليهود ديمقراطياً، إلغاء قانون العودة الخاص باليهود، التعاون مع الدولة الفلسطينية المنشودة على أراضي االـــ67.....

ولأن (إسرائيل ) تدعي أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط فقد سمحت لمواطنيها العرب الاشتراك في انتخابات (الكنيست)، ومن هنا فقد دخل عزمي بشارة إلى (الكنيست) من باب الديمقراطية سنة (1996)، ورفع شعار دولة لكل مواطنيها في مواجهة العنصرية الصهيونية والديكتاتورية اليهودية التي تتستر بشعارات الحرية والديمقراطية، وليثبت للعالم كله بأن النظام العنصري في فلسطين المحتلة هو توأم نظام (الأبرتهايد) في جنوب أفريقيا فكراً وممارسة.... وعليه فقد كرّس عزمي بشارة نضاله في إعادة بعث الهوية العربية للفلسطينيين في الخط الأخضر وإبراز موروثهم الثقافي والحضاري إلى حيز الوجود، بعدما رمى ورفاقه خلف ظهورهم الخوف من سطوة الحاكم العسكري الإسرائيلي، ولما كان إيمانه بالعروبة الحضارية المستوعبة لمسلميها ومسيحييها بلا حدود، فقد حمل على عاتقه تحدي التواصل مع القضايا العربية في كل مكان من الوطن العربي، فقام بزيارة سوريا و لبنان عدة مرات وزار مصر وبعضاً من دول المغرب العربي واليمن وغيرها، مناصراً المقاومة العربية في كل حواراته وندواته ومؤتمراته،.... ويعتبر عزمي بشارة مناضلاً عربياً شاملاً بكل ما تحمله هذه الصفة من المعاني!!.. فهو القومي العربي والناصري واليساري المدافع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحقوق العربية والروائي المبدع بروايتيه (حب في منطقة الظل، والحاجز) وعضو المؤتمر القومي العربي..

واليوم.... فقد لفق له جهاز (الشاباك) الإسرائيلي تهماً سياسية يراد منها اغتياله معنوياً ومادياً أو على الأقل وضعه في السجن من مثل: إنه مواطن إسرائيلي يخون بلاده بتعامله مع دول ومنظمات جهادية في حالة حرب مع (إسرائيل)، وقدّم معلومات عن (إسرائيل ) إلى حزب الله ساهمت في انتصار الحزب بحرب تموز /2006...

إن الكيان الصهيوني يريد تغطية هزيمته في الحرب على لبنان بناء على تحقيقات لجنة"فينوغراد" باتهام عزمي بشارة بتقديم معلومات عن (إسرائيل) وكأن حزب الله لم يجد هذه المعلومات الاستخباراتية إلا عند مفكر و مثقف لم يمارس العنف في حياته لكن جريمته الوحيدة أنه قال :((إن حزب الله ليس إرهابياً)!!

وهكذا فقد رد عزمي بشارة على الفزاعة التي ألقتها إسرائيل في وجهه باستقالة مدوية من الكنيست تخلصاً من الحصانة التي أصبحت عبئاً عليه فيقول:((دوري في المرحلة المقبلة هو فضح المخطط الإسرائيلي الهادف لإخافة فلسطيني الــ48 وفرض الولاء عليهم للاحتلال، ودوري أيضاً إيجاد ولاء قومي عربي وهوية فلسطينية). وبهذه المواقف الشجاعة فقد تحول عزمي بشارة إلى مشروع شهيد مثل حسن نصر الله وخالد مشعل يصدق فيه قول المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم......... وتـأتي على قدر الكرام المكارم

عزمي بشارة..... أيها المناضل الجسور، يا ابن أُمّي.... حماك الله...!!

محمد علي الحايك
دمشق

التعليقات