اسرائيل لا تتورع عن شيء.. ولا تستطيع كل شيء../ أمير مخول

اسرائيل لا تتورع عن شيء.. ولا تستطيع كل شيء../ أمير مخول
قد يكون التعويض الاسرائيلي عن "صورة الانتصار" التي اكثر عزمي بشارة الحديث عنها في وصفه الذهنية العنجهية الاسرائيلية المهزومة في حرب لبنان، هو صورة متخيلة صمموها لاحقا في أجهزة القمع والمخابرات الاسرائيلية لعزمي بشارة مكبلا بقيودهم (الحديدية هذه المرة) ومقتادا الى سجنهم الصغير ضمن سجنهم الكبير، الذي ارادونا جميعا ان نبقى فيه مقطوعين عن كل شيء، الا عنهم في "دولة اليهود" و"الدولة اليهودية". منقطعين عن وطننا، عن شعبنا الفلسطيني وعن مدانا وامتدادنا العربي والعالمي، وان نبقى افرادا على هامش قواعد لعبتهم التي بلوروها كي يحاصرونا وينهبوا وطننا وهويتنا ويحكمونا والتي ارادوا بعد نكبة العام 1948 ان يعيدوا انتاجنا من خلال ما برمجوه لنا كـ"عرب اسرائيل" على مسرح الاسرلة والتسليم بشرعية مشروعهم الاستعماري العنصري.

لقد تحولت مواطنة الفلسطيني في اسرائيل ومستحقاتها الى أشبه بأسر له مستحقاته التي تصبح اكثر واكثر عبئا انسانيا واخلاقيا يكاد لا يحتمل. وما يبقيها تحتمل هو فقط كونها داخل حدود الوطن رغم فصلها القسري عنه.

الهجمة المسعورة على رئيس ومؤسس التجمع الوطني الدمقراطي هي مؤشر لما هو آت او عمليا قد بدأ. وقد أشار تقرير المخابرات الاسرائيلية (الشاباك) مؤخرا الى ان العرب في اسرائيل هم "خطر استراتيجي". وما يميز هذا التقرير والذي اطلقه رئيس الجهاز يوفال ديسكين، ليس جوهره القمعي وليس مجرد انه يشكل تهديدا استراتيجيا من دولة الى أهل البلاد الاصليين، بل ما يميزه انه ليس تقريرا سريا بل مجاهرا، وفي المجاهرة رسالة بأن الحملة ستكون عنيفة وان الدولة تبني تبرير جريمتها القادمة مسبقا، لتكون "محمية" ولتنتحل شخصية الضحية التي يعتدي عليها ضحاياها بمجرد نضالهم من اجل حقوقهم المشروعة.

واذا أرادت رسالة الشاباك القول ان وجودنا وحقنا في وطننا هما المستهدفان فان مستوى التحدي وعلامة السؤال الجدير رفعها هو ليس على طابع الدولة فحسب، بل على سؤال الشرعية، وهذا المحور ليس خاضعا لقواعد اللعبة الاسرائيلية بل انه جزء من الصراع الاسرائيلي الفلسطيني والصراع الاسرائيلي العربي.
وعليه سيكون من الخطأ استعجال الامور والمزاودة حول قضية وشكل عودة عزمي بشارة الى الوطن، فذلك أيضا جزء من ادارة الكفاح الوطني ولنتركه لعزمي كي يحدد قراره الشرعي مهما كان، فهو أكثر من يدفع ثمنه، والمسؤولية الوطنية الان هي توفير اوسع حماية وطنية لاي قرار يتخذه بهذا الشأن، واستخدام ذلك في ضمان حماية الحركة السياسية الوطنية المنظمة وحماية المؤسسات الوطنية وتعزيز هيبة وقاعدة الحركة الوطنية على ارض الواقع الجماهيري.

والمراهنة الاولى في هذه المعركة يجب أن تكون على جماهير شعبنا وتوحيد صوتها في مواجهة الحملة السلطوية القمعية. وتاريخنا كجماهير وكشعب هو تاريخ كفاحي توفر التجارب المتراكمة انجازا وسندا ننطلق منه ولا نبدأ من نقطة الصفر. والتجربة الاخيرة التي خضناها كانت حماية الحرمة الاسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، والتي من اهم دروسها ان الصمود الوطني والبعد الجماهيري هما الاهم في عوامل كسر المخطط الاسرائيلي. وان اقصر الطرق الى مواجهة مخططات الشاباك والمؤسسة القمعية الحاكمة هي مواجهتها ونحن منظمين وموحدين صوتنا تجاهها. وان حماية أي تيار او فصيل او حزب سياسي وطني ومنع الاستفراد به من قبل الدولة واستنزافه، هو حماية لكياننا الجماعي، وبالذات في واقع نحن مستهدفون كجماعة.

كما اثبتت اللجنة الشعبية للدفاع عن الحريات والتي انبثقت في حينه عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية للدفاع عن قيادة الحركة الإسلامية، إنها غطاء وطني لكل الطيف السياسي المعني بالدفاع عن الصف الوطني وحرية عمله وحمايته. ولما كانت اسرائيل تتعامل مع موقفنا السياسي خاصة الموقف تجاه قضايا شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية كسلوك امني، ففي هذا مطاردة وملاحقة سياسية امنية لممارسة حقوقنا الدمقراطية بحرية. ومن هنا جاء الشعار الذي توّج معارك الدفاع عن الحريات: "حاكمونا جماعيا" كرد شعبي على محاولات جهاز القمع الاسرائيلي التمييز فيما بيننا على أساس "المعتدلين" و"المتطرفين"، والاعتدال والتطرف يحددان وفق معيار الموقف من اسرائيل وجوهرها العنصري الكولونيالي.

ان كون جهاز مخابرات دولة - اية دولة - يحدد ان مجموعة قومية او اثنية او سكانية كخطر استراتيجي، فمعنى ذلك في حالتنا اننا جمهور في خطر، كما اننا جزء من شعب في خطر. لكن اسرائيل هي اسرائيل لا تتورع عن شيء الا بقدر ما نتصدى لقمعها الذي يشكل مركبا اساسيا من جوهرها. لكنها ستحاول هذه المرة ايضا ان تظهر للعالم بانها ضحية ضحاياها هذا ما يجري في الضفة والقطاع وهذا ما يجري داخل الخط الأخضر، وسوف تحاول اسرائيل ان تدعي امام العالم ان عنصريتها وقمعها هما نتاج سلوك الجماهير العربية ضحايا العنصرية والقمع البنيويين.

وعليه فان دورنا ايضا في وضع اسرائيل وممارساتها على ميزان الساحة الدولية والشرعية الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وبهذا المفهوم نحن جمهور في خطر، ولن تكون المحكمة العليا الاسرائيلية ملاذنا الى العدالة بل المحاكم الدولية والحلبة الدولية.
علينا ان نتحرك بسرعة ونضمن جاهزية تحرك جماعي تكاملي متعدد الابعاد والجوانب في آن، والوضع الداخلي هو الاهم حاليا، ومن هنا اهمية التحركات التي قامت بها قيادة التجمع الوطني الدمقراطي للتنسيق وتحريك الساحة السياسية المنظمة، في المقابل فان منظمات العمل الاهلي والمجتمع المدني الفلسطيني في الداخل تتحرك ايضا بتكامل وتنسيق في هذا الشأن، لكن يجب الا يغيب عن بالنا للحظة ان المرحلة المعاشة تتعدى حدود الشخص او القائد او الحزب اي حزب، بل تستهدفنا جميعا، واستهداف عزمي بشارة هو استهداف لنا كجماهير وشعب.

كما يبدو فاننا امام مرحلة مفصلية تستهدف كل انجازاتنا وادواتنا الكفاحية ومؤسساتنا ومشاريعنا الوطنية، تتجند فيها اسرائيل الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية والمنظمات الصهيونية العالمية بما فيها الوكالة اليهودية واللوبي اليهودي الامريكي ومصادر التمويل اليهودية الصهيونية، التي تسعى بالقمع والمال الى احداث انقلاب في تنظيم الجماهير العربية، بالقضاء قمعيا، كما يحلو لهم، على القيادات الوطنية وبناء قيادات بديلة مرتبطة بهم مصلحيا وخاضعة لأدوات لعبتهم تعيش على فتات الدولة اليهودية والوكالة اليهودية.

وان كانت اسرائيل لا تتورع عن شيء من حيث نوايا أجهزتها وسوف تحاول ذلك من خلال استخدام أساليب الحرب النفسية والتي بدأتها ضمن الاعلام الاسرائيلي الرسمي، وسوف تحاول دق الاسافين بيننا واستنهاض اعوانها العرب الهامشيين عدديا وتأثيرا، إلا أن الدولة واذرعها تشكل مكبر صوت لها كي تبدو ذات قيمة ووزن اعلامي أو سياسي لضرب المزاج الوطني، وسوف يحاول الشاباك ان يتظاهر كما لو كان قادرا على كل شيء. الا انه، ورغم ذلك الجواب ليس عندهم بل عندنا، وهو منوط بمدى استعدادنا وجاهزيتنا لحماية انفسنا وكياننا وحماية انجازاتنا الوطنية. وباعتقادي، وان أردنا، فإننا نملك كل مقومات الجواب.

التعليقات