الفلسطيني الجديد../ وليد أيوب

يدرك كلّ من إقامته خارج مستشفى الأمراض العقلية أن الحملة المسعورة المستعرة على القوى الوطنية وعلى د. عزمي بشارة تحديدا، إنما تهدف إلى كبح أفكار المفكر الكبير من التعشيش في أذهان الناس.

الفلسطيني الجديد../ وليد أيوب
يدرك كلّ من إقامته خارج مستشفى الأمراض العقلية أن الحملة المسعورة المستعرة على القوى الوطنية وعلى د. عزمي بشارة تحديدا، إنما تهدف إلى كبح أفكار المفكر الكبير من التعشيش في أذهان الناس بعد أن تمكنت من عبور عتبات القلوب والبيوت.. حيث أنهم يعلمون أنه إذا ما قيّض لهذه الأفكار أن يتبنّاها عرب هذه البلاد، وقد فعلوا، فإن فلسطينيا جديدا ذا عزّة وعنفوان قد ولد واشتدّ ساعده حتى إنّه بات يرى إلى "السيّد" متساويا بل ينظر إليه شذرا في حالات تطاوس هذا السيد ومحاولته السباحة على فتر ماء.

هذا هو خطر عزمي بشارة على "أمن" الدولة، فلا هو يحمل رشاشا ولا يتزنّر بحزام المنتحرين.. فكره هو الخطر، وانتصاب قامته هو الناقوس، وأجندته تفتيح أعين أبناء شعبه على حالهم بأنهم أبناء هذا الوطن الأصليون الذين قبلوا بالقادم الجديد والغريب وأفسحوا له مجالا ليقيم على أرضهم بيوتا ومصانع ومتنزّهات.. وتفتيح أعينهم، كذلك، على أنهم أصحاب حق يجب أن يطالبوا به، في السكن والعمل والثقافة والخدمات والأرض، وفي تعامل المؤسسات الحكومية.. وأنهم أنداد لا يقلّون بملمتر عن اليهودي.. هذه الأجندة كانت النذير لحكومات إسرائيل، ومنذ أكثر من عقد، لأن تضع عزمي بشارة والتجمّع الوطني الديمقراطي هدفا تصوّب إليه مدافعها وتشنّ عليه حملاتها التي تستعر في كلّ متاحة.

قد نذكّر هنا، بأنّ عزمي ليس فردا عاديّا يمكن للشاباك أن يستفرد به.. إنه لسان حال الأبيّين من الأقليّة الفلسطينية الباقية في الوطن، وهم الأكثريّة الساحقة الذين يشكّلون خمسة أسداسها فيما السدس السادس يتراوح ما بين حاسد حاقد أكلته الغيرة من سطوع نجم بشارة وعجزه عن مجاراته أو مبارزته أو حتى التشبّه به، وبين براغماتي وعميل وجبان يهاب المواجهة أو التصريح بما يجول في خاطره أو يؤمن به..

عليه، فإن المؤسسة، إذ تختار مهاجمة بشارة، فإنها تختار مواجهة سواد شعبنا المستنفرة أطرافه وقلبه للذود عن ابنه البار الذي يخيطون له الفادح من الملفات والتلفيقات والإفتراءات لغرض إزاحته عن طريقهم إلى أسرلة العرب، وخاصة الشباب، لتذويبهم في هويّة جديدة إسرائيليّة الفحوى والمظهر، وسياديّة الجوهر على غرار الراكب والمركوب.

قضيّة بشارة هي معركة المؤسسة في دفاعها عمّا حقّقته من الإستيلاء على الأرض والتحكّم بأرزاق الناس، والهيمنة على مصائرهم، وإبقائهم حطابين وسقاة ماء وخدما في مصانع وبيوت وبيارات ودفيئات السيد اليهودي.. فبشارة هو الذي "تطاول" فتحدّى هذا السيّد، فكرا وعلما ولبرالية وثقافة، وقدرة على المحاورة والإقناع، حتى لكأنه، السيّد، أسقط في يده إذ أدرك أن جينات هذا الأسمر تختلف، وأنها قد قدّت من مبادئ وقيم عليا تعتمد الكرامة الشخصيّة والوطنية، وتؤسّس على المنطق والمعقول الذي لا يقبل أن يموت الذئب أو يفنى الغنم.. فهو يطرح دولة كل مواطنيها ليحفظ للعربي كرامته وليصون اليهودي من الإنزلاق إلى صفوف الظالم المتغطرس والوبش العنصري.

قضيّة بشارة أظهرت وجوههم الحقيقية والزيف في وجه ديمقراطيتهم.. لكنّهم سيعتمدون المعادلة ذاتها ونفس الستار – تخويف الناس، واليهود بالذات، من "البعبع" الأمني، وإشاعة جوّ أن بشارة والتجمع إنما يشكّلان خطرا على وجود إسرائيل.. ولقد شارك في هذا التهويل مدّعو اللبرالية ممّن يلبسون ثوب "اليسار"، الذي حمل هو أيضا طبول الحرب على عزمي بشارة وعلى التجمّع.. فهل يدرك هؤلاء أن معركتهم هي مع جلّ العرب؟.. وهل يدركون أنهم إنما يواجهون فلسطينيا جديدا؟..

التعليقات