عزمي بشارة ودولة اليهود../ ماهر عثمان

عزمي بشارة ودولة اليهود../  ماهر عثمان
الآن، اكثر من اي وقت سابق، ولاسباب تتعلق بالضعف العربي العام الذي صار مزمناً ومقترناً بالتقاعس، صارت اسرائيل تجاهر ضد العرب عموماً، والفلسطينيين خصوصاً، بعنصرية خالية من اي «شوائب» انسانية. وقد تمثلت احدث حلقات هذه العنصرية قبل ايام في اثارة الاستخبارات العامة الاسرائيلية واقطاب الاحزاب الصهيونية، اليمينية منها واليسارية على حد سواء، ما سموه «قضية بشارة» او «القضية الخطيرة» المنسوبة الى رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي الدكتور عزمي بشارة، عضو البرلمان الاسرائيلي (الكنيست)، بعد ان كانت الوزيرة الاسرائيلية السابقة شالوميت الوني قد حذرت من احتمال تلفيق الاستخبارات الاسرائيلية ملفاً ضده.

ولا تتجلى هذه العنصرية في شكل مشاعر كراهية وحسب، وانما تنبع منها وتقوم عليها افعال ومواقف موجهة ضد اولئك الذين تسببت اسرائيل، بينما كانت لا تزال في طور الصيرورة، في تشريدهم من ديارهم في حرب العام 1948 بابدائها تصميمها على منعهم من العودة الى ديارهم و/او التعويض عليهم بموجب قرارات الامم المتحدة خصوصاً القرار الرقم 194.

ولا يقتصر الامر على الذين هجروا من ديارهم قسراً وانما يطاول ايضاً من نجوا من التشريد سواء في حرب 1948 او حرب 1967 التوسعية. ذلك ان «عرب الداخل»، اي فلسطينيي 48 الذين بقوا في ديارهم رغم مخاطر الحرب، والذين فرضت عليهم الجنسية الاسرائيلية لقاء السماح لهم بالبقاء في وطنهم، يعتبرون في نظر كبار المسؤولين الامنيين والسياسيين الاسرائيليين «خطراً استراتيجياً على المدى البعيد على اسرائيل»، على حد قول رئيس جهاز الاستخبارات العامة (شاباك/شين بيت) يوفال ديسكين.

واما الفلسطينيون في الضفة الغربية فانهم يعانون من حصرهم في معازل مفصول بعضها عن بعض بالحواجز العسكرية والجدار الفاصل العنصري وكثيراً ما تهدم بيوتهم ويتعرضون للتطهير العرقي «الاداري» خصوصاً في مدينة القدس ومحيطها الواسع ضمن السياسة الاسرائيلية لتهويد المدينة.

ازاء التمييز العنصري الفاضح من جانب مؤسسات دولة اسرائيل ضد مواطنيها العرب على مدى يقرب من 57 عاماً، في مجالات التعليم وموازنات البلديات وغيرها، واجه عزمي بشارة الوصف الصهيوني لاسرائيل بانها دولة «يهودية ديموقراطية»، وهو وصف ينطوي على تناقض واوضح في ظل الواقع القائم، بالمطالبة بأن تكون اسرائيل، بحكم الواقع القائم ايضاً، «دولة كل مواطنيها». وهذا مطلب فصيح موجز لا يمكن ان يعترض عليه الا نظام فاشي عنصري، مثل نظام الابارتايد في جنوب افريقيا سابقاً او التشريعات التي كانت مطبقة في الولايات المتحدة قبل تحرير العبيد في عهد جورج واشنطن واخيراً قبل تشريعات الحقوق المدنية ابان رئاسة ليندون جونسون. ولا يتعلق الامر هنا بحالات متطابقة في التفاصيل ولكن يكفي التطابق لجهة المنطلق العنصري في التعامل مع الآخرين، اي مع ضحايا الاضطهاد والاحتلال.

هكذا تجذر الفكر العنصري في اسرائيل من القمة الى القاعدة، مع استثناءات قليلة يمثلها اناس مثل الوني والكاتب اوري افنيري وعدد من المحامين والصحافيين.

ولدت فكرة انشاء دولة خاصة باليهود في ذهن مؤسس الايديولوجية الصهيونية ثيودور هيرزل على اساس استبعاد اي فئة عرقية او دينية اخرى من حدود الدولة المنشودة. وقد سمى هيرزل كتابه الذي تضمن مشروعه «دولة اليهود». وقد كتب في مذكراته السرية ان سكان البلاد الاصليين يجب نقلهم الى «اراضي العبور» ولكن بعد استخدامه في قلع الصخور وازالة الاشواك!

ان هذا الفكر الصهيوني الظلامي العنصري المدمر هو الذي يقود الى انكار حقوق الشعب الفلسطيني، بل الى انكار وجود هذا الشعب كما فعلت رئيسة الوزراء الاسرائيلية السابقة غولدا مئير التي قالت في العام 1969: «ليس الامر كما لو اننا جئنا الى هنا وكان هناك اناس يسمون فلسطينيين. ليس هناك شيء اسمه فلسطينيون...انهم لم يوجدوا».

ان انكار الآخر يعني الرغبة في ازالته، وفي هذه الحالة يتحدث الاسرائيليون عن الـ «ترانسفير»، اي التهجير القسري، بينما يعرض العرب عليهم مبادرتهم للسلام، وهم لا يقبلون.

"الحياة"

التعليقات