عزمي بشارة :الدول العربية فشلت في مهمة بناء الأمة

الدكتور عزمي بشارة تطرق الى الهم العربي متسائلا عما إذا كانت هناك استثنائية عربية في قضية الديمقراطية، وهل يشكل العرب حالة استثنائية في التاريخ في مسألة التحول الديمقراطي

عزمي بشارة :الدول العربية فشلت في مهمة بناء الأمة
مقدمة لبيان عربي "و"أن تكون عربيا في أيامنا" كتابان كانا محور الندوة التي أقامتها المؤسسة العربية للديمقراطية للمفكر العربي الدكتور عزمي بشارة والتي جاءت في إطار برنامج ندواتها الفكرية المتعلقة بنشر الوعي بالثقافة الديمقراطية وفتح فضاءات الحوار حول آفاق الانتقال الديمقراطي العربي .

ندوة المؤسسة العربية للديمقراطية التي أدارها الدكتور فارس بريزات تحدثت عن آخر مؤلفات عزمي بشارة في حوار جمع المفكر عزمي بشارة خلال الندوة بالدكتور فيصل دراج والدكتور طاهر كنعان حيث تحدث بشارة باستفاضة عن الحالة الاستثنائية العربية التي تعيق حدوث تحوّل ديمقراطي في العالم العربي واستعرض معيقاته بالجمع بين القومية والديمقراطية. وتبعاً لهذا النهج، حاول الكتاب أن يقدّم حلاً ديمقراطياً للمسألة القومية ومقاربة قومية لمسألة الديمقراطية. وخلص إلى أنّ الموضوع لا يمكن أن يحلّ عربياً من دون مشروع سياسي وطني، وأجندة ديمقراطية وطنية، ودون ديمقراطيين ينتظمون معاً لطرح مشروعهم الديمقراطي وتصوّرهم لمستقبل البلدان العربية مجتمعة وكل على حدة.وفي كتابه الثاني:"أن تكون عربيا في أيامنا "الذي يجمع مجموعة دراسات ومحاضرات قدّمها المفكر من منتصف عام 2007 وحتى بداية عام 2009 توزعت على ثلاثة أقسام (قضايا عربية، المتغيرات الأمريكية في نهاية مرحلة بوش، فلسطين والقضية الفلسطينية) حاول من خلالها الكاتب ربط مسألة النهضة بالهوية العربية والحداثة، وربط مصير القومية العربية بمدى قدرتها على تقبّل ومواجهة مهمات وتحديات المجتمع والعصر الحديث، كما حاول أن يربط بين مهمة تجديد الفكر العربي بمشروع بناء الأمة، وتحديد مطالب وبرامج في هذا الاتجاه لتكون مفهومة للناس ويمكن ربطها بمصالحهم المادية والحقوقية كمواطنين..

الدكتور عزمي بشارة تطرق الى الهم العربي في كتابه المسألة العربية متسائلا عما إذا كانت هناك استثنائية عربية في قضية الديمقراطية، وهل يشكل العرب حالة استثنائية في التاريخ في مسألة التحول الديمقراطي منوها بأنه راجت نظرية حول موضوع الإسلام طيلة التسعينات والثمانينات ان هناك تناقضا بين الإسلام والديمقراطية. وهو الموضوع الذي قال انه سيعالجه في كتاب من 3 مجلدات يعكف عليه حاليا.

ان تعثرات التحول الديمقراطي هي عربية وليست إسلامية وانه لا يوجد تناقض بين الإسلام والديمقراطية وان الإسلام عالم آخر والديمقراطية شيء آخر لكن الحالة العربية ليست عالما آخر وانه تعرض الى الحالة العربية في كتابه الأخير " في المسألة العربية "عبر 7 فصول يعرض فيها لما يميز العرب وأنها ليست صفة واحدة لكنها مجموعة صفات مشتركة تجمع بين الدولة الريعية والثقافة قائلا ان هناك ثقافات شعوب معادية للديمقراطية وأخرى مساندة لها. ومن الطبيعي ان نواجه أثناء التحول الديمقراطي عثرات ثقافية. منوها بأن كل الظروف الأخرى المعيقة للتحول الديمقراطي في العالم العربي موجودة في أماكن أخرى بالعالم ولكن أمكن تذليلها وفي الحالة العربية يضاف إليها المسألة العربية نجدها عائقا أمام التحول الديمقراطي.

والمسألة العربية " لها علاقة بمسألة الهوية وهي في الجوهر ان الأمة العربية لم تحقق حق تقرير المصير وإننا أمام اكبر امة معاصرة بدون دولة وقال إننا لا ننتظر الوحدة العربية لتحقيق الديمقراطية وان الدولة الأمة لم تقم بعد وكل المحاولات الأخرى انهارت الى عشائر ومؤخرا الى مذاهب. والقوميون العرب لم يلحظوا هذا الأمر لأنهم كانوا يحولون القومية الى ايدولوجيا ونسوا ان القومية هوية وليست ايدولوجيا لأنها ان كانت كذلك تتحول الى فاشية ونازية لأنها تصبح عندئذ منظومة ايدولوجية لفهم العالم وهو جوهر الفاشية.

وأكد ان القومية هوية وهي هوية الحداثة التي نفرق من خلالها بين المواطن تفرد عضو في عقد اجتماعي اسمه الرابط القومي أو رابط الدولة منتهيا الى القول انه لا توجد لدينا رؤية واضحة لمفهوم الأمة. وقال إنني لا أتحدث عن الأمة الإسلامية حيث توجد امة يهودية ومسيحية وان هذا لا يميز الإسلام خلافا لما يعتقد فكل الديانات سمت نفسها أمما مما لا يعد تميزا إسلاميا لكنه يتحدث عن مفهوم الأمة السياسية التي تقوم عليها الدولة وليس المذهب والطائفة بل ان القبيلة كانت أحيانا تسمى امة.

وأوضح بشارة ان نتائج إدارة الدول في واقع الحال بشكل استبدادي وتحويل هذه الفكرة الى اطر وحدوية وايدولوجية تبريرية لتبرير القمع والاستبداد وعدم تحقيق الديمقراطية وانتهاك حقوق الإنسان وان هذه الدولة التي وعدت بالوحدة لم تحقق الوحدة واقتصادها رأسمالي عادي فضلا عن أنها لم تنجز وعد التنمية ولم تنجز وعد التحرير فيما يتعلق بفلسطين ولذلك دخلت في أزمة نرى نتائجها في عدة أماكن في الوطن العربي خاصة في الدول الأربع الأساسية التي كان بها هذا الوعد.

وتحدث عن التجزئة الاستعمارية كواقع تعرضت له الدول العربية خاصة في بلاد الشام حيث جلس ضابطان " مستر سايكس - مسيو بيكو " وبالمسطرة قاما بتقسيم بلاد الشام فخرجت سوريا ولبنان والأردن وكان على شعوب تلك الدول ان تقدس هذه الحدود وتتعصب لهذا التقسيم ويسب بعضها بعضا إذا تجاوزت احداها حدود دولته التي وضعها ضابطان وهما جالسان بالسودان ثم نأتي نحن ونحول ذلك الى ايدولوجيا !!

وقال ان هذه الدول ان في بلاد الشام أو في المغرب العربي لم تنجح في إقامة وحدة بديلة ولكنها بنت طوائف، مشيرا الى انه في حالة الدولة القٌطرية العربية فان هذه الدولة الى حد الآن فشلت في الصومال ونتمنى ألا تفشل في اليمن والسودان والعراق وان هذه الدولة لم تنجح في إقامة امة على أساس المواطنة وليست على أساس القوم. وان الدولة العربية التي ورثت الاستعمار كرست النهج ذاته وبدلا من ان تقوم الدولة على أساس رابطة الأمة والشعب كأمة عربية قامت على أنقاضها ولم تنجح في إقامة امة بديلة ولذلك نكتشف جميعنا مذهولين انه حتى الدول الجمهورية والاشتراكية قامت على ذات الأسس داخل الجيش أو الحزب وعندما تزول الدولة مثل القشرة نجد التركيبات العضوية للمجتمع كما هي مع التغيير في وظائفها الى درجة التشويه حيث حولها من روابط وشائجية تعاطفية الى روابط مصلحية بل انه لم يحافظ على العشيرة وفتتها لدرجة أننا بتنا نشهد انتخابات داخل العشيرة للبحث عمن يمثلها فأصبحت هناك أحزاب حتى داخل العشيرة وهنا لابد من تبني حداثة عربية بعيداً عن الغربية ويكون فيها دور للعائلة الممتدة مع ضرورة ترك فكرة أن تكون حداثتنا صورة من حداثة الغرب وانه تخلص من أشياء يسارية كثيرة فلا توجد لديه مشكلة مع الدين ولا مع العشيرة ولكن المشكلة هي انه في غياب الأمة تصدرت هذه الفئات لتحل محل الرباطة الوطنية والقومية وأصبحنا نتحدث عن مذاهب وعشائر بدلا من رابط الوطنية والقومية مؤكدا ان هذا النموذج يتعارض مع الديمقراطية لأنه بكل بساطة لا يمكن من التعددية لان الانتخابات والديمقراطية تتحول من تنافس بين تصورات مختلفة لمصلحة الأمة الى تنافس حول مصالح جماعات داخل الأمة وهو أمر ليس له علاقة بالديمقراطية مشيرا في هذا الصدد الى وجود اسم "دلع" في لبنان للديمقراطية هو "الديمقراطية التوافقية "وهو أمر ليست له علاقة بالديمقراطية وإنما هي تعددية حيث ان التعددية هي تعددية رؤى ومصالح ومواقف متعلقة بمصلحة المجتمع ككل وليست بمصلحة فئة من فئاته وإذا كان هناك تنافس فهو بين عشيرة لكن كل رأي لا يمثل مصلحة الأمة ومتنازل عن الأمة ولكن يبحث عن مصلحة حارته هو وهذا لا يوجد تنافسا ديمقراطيا وإنما يخلق محاصصة وتوافقا بين زعماء لتقاسم البلد لكن التنظير الديمقراطي يفترض وحدة اسمها الأمة ومجموعة تيارات يمكن ان تسمى أحزابا. أو حركات أو فلسفات ولكن تدعي ان لديها تصورات لمجمل مصلحة الأمة تحت سيادة الشعب وليس سيادة الرئيس لأنه إذا كان السيد ليس الشعب فلا مجال لتجنب التوريث إذا أصبح السيد هو الرئيس. حيث تصبح هناك شخصنة في انتقال السلطة.

ان الدولة العربية فشلت في المهمة التي تسبق الديمقراطية التي ليست أول مهمة في الحياة وليس بها نبدأ فهناك أشياء تسير خلالها الديمقراطية وهي عملية بناء الأمة وهي عملية بناء ثقافة ليست موروثة ولكنها تتشكل بإقامة مؤسسات وعبر بناء التاريخ ففي كل دول العالم التي تتباهى علينا بالديمقراطية لم تنجز ما أنجزته بدون سفك دماء ولكنها عملية استغرقت في غالب الدول قرابة نصف قرن أو قرنا على الأقل فتطوّر حق الاقتراع في بريطانيا فقط استغرق أكثر من 180 سنة وتتطور هذا الحق من كونه يقتصر على 6 آلاف فرد وتوسيعه تدريجيا استغرق أكثر من قرن ونصف القرن وبقي خلاله أناس خارج الديمقراطية ليس لهم حق الاقتراع وبالتدريج دخلوا الديمقراطية ومارسوا الحق وكان ذلك بالتدريج وعبر صراع طويل سقط فيه أناس كثيرون وخلافا لما يعتقد العلمانيون فان الكنائس قامت بدور أساسي في توسيع حق الاقتراع وهو ما يؤكد ان الدين لعب دورا في توسيع الديمقراطية وانا لا استبعد ان تلعب الحركات الإسلامية دورا في توسيع الديمقراطية إذ أدركت دورها التاريخي نافيا ان تكون الديمقراطية عملية علمنة فقط باتجاه دور واحد وان معظم الحركات كانت في الأساس دينية ولها تصور ديني لكن دخلت أساطير كتلك التي وقعت في الجزائر حيث جئنا على التجربة بعد عقود من الاستبداد وانتخب الجزائريون حركة إسلامية فلم تتهنّ وقاموا عليها بانقلاب عسكري في اليوم التالي بحجة ان هؤلاء المسلمين لا تنفع معهم الديمقراطية وهو أمر مرعب لم نجده حتى في انجلترا في القرن السابع عشر وهي تجارب تجري علينا خارج أي سياق تاريخي.

ونحن نمتلك موروثا ثقافيا كفيلا بتشكيل هويتنا العربية الضرورية لبناء وحدة عربية والتمسك به مهم في عملية بناء الأمة حيث توجد الثقافة المشتركة بما لها من عمق تاريخي ولغة ورموز مشتركة لنا جميعا على اختلاف طوائفنا فلم يسبق ان فكر احد فينا عما إذا كان صلاح الدين كرديا لكنه كان بطلنا ونحن صغار وكنا نردد ونحن أطفال سنة وشيعة ومسيحيين ان عليا بن أبي طالب لو نزل الانتخابات سيفوز وكنا نتابع محمد علي كلاي في التلفزيون ونتعاطف معه لان اسمه محمد مسيحيين ومسلمين. فلا يوجد احد لديه ثقافة بهذا العمق وبهذا الغنى يتخلى عنها ليخترع ثقافة جديدة وانه إذا كان الأوروبيون الذين خاضوا حربين عالميتين استخدمت فيها الأعراق والقوميات من قبل برجوازيات متصارعة على مصالحها القومية ودخلوا في أفظع حرب دينية عرفها التاريخ في حرب المائة عام التي كانت بين البروتستانت والكاثوليك فضلا عن تشعبها الى عشرات اللغات لكنها نجحت في ان تتخيل نفسها في اتحاد أوروبي والعربي اقرب الى الوحدة حيث لم يخض كل تلك الحروب وان أكثر حلم واقعي هو تخيل فكرة اتحاد عربي بدونه لن يقوم للأمة قائمة.

ان عملية بناء الأمة تتم عبر وقت وان الدولة القٌطرية الحالية لا تحمل هذا المشروع بل بالعكس ترى فيه نقيضا وتهديدا لها وإننا الآن في وضع ما بعد استقرار الدولة القٌطرية العربية بعد مرحلة الانتخابات على وضع متشابه به مميزات من دولة لأخرى بغض النظر عن كون هذه دولة جمهورية أو ملكية. وعلينا ان نبدأ بإزالة التأشيرات بين الدول العربية باعتبارها خطوة صغيرة تشكل نواة للوحدة فالاتحاد الأوروبي لم يبدأ بالديمقراطيات ولا بالمؤسسات الديمقراطية ولكنه بدأ وحدته بتشكيل سياسات إنتاج الفولاذ بإقامة مجمع صناعي ينسق سياسات وحصص إنتاج وتسويق الفولاذ قادته ألمانيا وفرنسا ثم توسع ليشمل مجالات أكثر فأكثر وان الدول العربية مطالبة اليوم بحرية تنقل الكفاءات ورؤوس الأموال العربية وهي لها مصلحة في رفع التأشيرات وان نبدأ بالتكامل الغذائي وعبور الحدود والأنهر وإقامة سكك حديد وتوحيد مناهج التعلم وتوحيد شروط القبول بالجامعات العربية وإقامة محكمة عربية لها سلطة حقيقية للبت في الخلافات العربية العربية مؤكدا ان هذه الإجراءات بحد ذاتها كفيلة بخلق واقع الوحدة العربية بعيدا عن الخطابات الخشبية التبريرية للأنظمة القائمة داعيا الى عدم ترديد مقولة ان هذه أحلام غير واقعية وان أكثر شيء غير واقعي هو الواقع الذي نعيشه.



(صحيفة "الراية" القطرية)

التعليقات