07/03/2019 - 17:34

مصر تنبت مواهب كثيرة فلماذا لا تزهر إلّا خارجها؟

ويتزامن هذا الفخر المتكرّر بنجاحات المصريين خارج بلادهم مع قلة وجود نماذج مثلها داخل مصر؛ لأسباب عديدة أبرزها ضعف الإمكانيات، ويراه البعض محاولةً لرفع الروح المعنوية للمصريين، في ظل أجواء اقتصادية خانقة

مصر تنبت مواهب كثيرة فلماذا لا تزهر إلّا خارجها؟

(أ ب)

احتفت مصر في نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي بفوز بالممثّل الأميركي المصريّ الأصل، رامي مالك، بجائزة "أوسكار" كأفضل ممثّل عن دوره في فيلم "بوهيميان رابسودي"، حيث احتفى الكثيرون بحديث مالك أثناء تسلّمه الجائزة عن أصوله المصريّة وتأكيده على أنّه "ابن مهاجرين من مصر".

ومقابل المحتفين والمفتخرين بـ"الإنتاج المصري الذي تصدّره البلاد للغرب"، احتفاءً ليس الأوّل من نوعه، تجدّد الجدل عبر منصّات التّواصل الاجتماعي حول أسباب نجاح المصريّين خارج بلادهم، في الوقت الذي تكاد تنعدم فيه مثل هذه النجاحات للشباب المصري داخل بلاده.

الافتخار بأوسكار مالك يتكرر، في حالة متجدّدة لاقتناص أي مصري غادر بلده بحثًا عن النجاح، لجوائز أو مناصب مرموقة، ليحقّق نجاحًا وشهرةً عالمية، مثل أبرز الطيور المصرية المهاجرة والناجحة حاليًّا لاعب كرة القدم، محمد صلاح، نجم نادي ليفربول الإنجليزي.

لكن الافتخار المصري اللافت بمالك هو الذي أعاد النقاشات، ما دفع منظمة "هيومين رايتس ووتش" الحقوقية الدولية إلى القول إن القاهرة تحمست لادعاء أي صلة بمالك، رغم أنه أدى دور مغني الروك المثليّ الجنس، فريدي ميركوري، قائد فرقة الروك "كوين"، في الوقت الذي يضطهد فيه المثليّون في مصر.

واعتبرت المنظّمة الدّوليّة أنّ ميركوري لو عاش "في مصر اليوم لاتهمته السلطات في إطار مكافحة الفسق والفجور في مصر، كما فعلت مع 76 شخصًا العام الماضي".

ويتزامن هذا الفخر المتكرّر بنجاحات المصريين خارج بلادهم مع قلة وجود نماذج مثلها داخل مصر؛ لأسباب عديدة أبرزها ضعف الإمكانيات، ويراه البعض محاولةً لرفع الروح المعنوية للمصريين، في ظل أجواء اقتصادية خانقة، وفق ما نقلته وكالة "الأناضول" عن أستاذ علم الاجتماعي السياسي، سعيد صادق.

ويعيش 9.5 مليون مصري بالخارج، بينهم 6.2 مليون في دول عربية، منهم 2.9 في السعودية، بخلاف 1.6 مليون في الولايات المتحدة، وفقًا لبيانات نشرتها وزارة شؤون المصريين بالخارج، في كانون الثاني/ يناير 2019.

وقال الصحفي المصري محمد المالح على حسابه في "تويتر" إن "أحمد زويل، مصطفى السيد، هاني عازر، محمد صلاح، رامي مالك، ناس فعلًا شرّفوا مصر عالميًا، غير العلماء اللي عايشين برا (بالخارج)"، متسائلًا: "ليه الناس دي ما حققوش النجاح دا غير برا مصر؟ ليه مافيش حد عايش جوا ويحقق هذا النجاح؟".

أسباب تلك الظاهرة أرجعها أستاذ علم الاجتماع السياسي بمصر، سعيد صادق، إلى "الإمكانيات المالية الكبيرة في الخارج وغير المتوفرة في الداخل، ونظام الإدارة في الخارج، مقابل بيروقراطية الداخل، بخلاف أزمات العمل"، مضيفًا أن "في الخارج لا تضييع للوقت، ولا حروب وظيفية، ولا محسوبيات".

وأردف أن الحريات أيضًا قد تساعد على النجاح، قائلًا إن "رامي مالك حاز الأوسكار بأداء دور عن مثلي الجنس، لو كان أداه في مصر لم يكن ليخرج الفليم إلى النور، في ظل رفض الرقابة لذلك التوجه".

وأرجع صادق افتخار المصريين بنجاحات أبناء بلدهم في الخارج إلى قلة تلك النماذج في البيئة المحلية، ومحاولة رفع الروح المعنوية والإحساس بالنجاحات رغم الأزمات، مشدّدًا على أن مصر بحاجة إلى مزيد من الجهد ليحقق المواطنون داخل بلدهم ما يحققه أبناء بلادهم في الخارج من نجاحات، بحسب "الأناضول".

وتحت عنوان "نجاح المصري بالخارج"، حاول الباز، في مقال نُشر بصحفية محلية قبل نحو عام، الإجابة عن السؤال المتكرر، قائلًا: "اختل الوضع أثناء العقود الماضية، حيث ازداد عدد من تتلمذ بالمدارس والجامعات، وتقلصت فرص العمل، وفَهِم الناس جميعا أن من يجد عملا هو من له سند، (ما جعل) الشباب يفكر فى العمل خارج الوطن".

وربط بين "إصلاح حال التعليم وازدهار الاقتصاد"، وعودة النجاح في الداخل المصري.

"لماذا ينجحون فى الخارج؟".. هذا السؤال كرره أيضًا الكاتب عباس الطرابيلي، في مقال بصحيفة محلية قبل عام، مضيفًا أنّ "هذا السؤال يحيرني ويحير غيري كثير"؛ وتساءل "هل ذلك سببه الجو العام، الذي يشجع على إجادة العمل بالخارج، بينما داخل مصر نجد المعوقات؟".

وتابع الطرابيلي في مقاله: "أم أن السبب هو أن من يعمل بالخارج يخشى أن يتم الاستغناء عنه إذا لم يعمل كما يجب، بينما لا يوجد هذا الخوف، لأن الجو العام داخل مصر لا يشجع على الإجادة؟"، خاتمًا بالقول: "ابحثوا عن أسباب هروب هؤلاء أولا من مصر.. ثم أسباب نجاحهم".

وقبل وصول مالك إلى الأوسكار، ما انفكّ نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يحتفون بمحمد صلاح، الذي بدأ مسيرته الكروية في نادي "المقاولون العرب"، ثم احترف في بازل السويسري، وتشيلسي الإنجليزي، وفيورنتينا ورما الإيطاليين، وحاليّا ليفربول، في مسيرة حصد خلالها جوائز إنجليزية وإفريقية ودولية عديدة.

وقبل مالك وصلاح، تسلطت الأضواء في مصر على عصام حجي، عالم الفضاء المصري الأمريكي في وكالة "ناسا"، وعام 2013، عاد حجي إلى مصر، لشغل منصب المستشار العلمي للرئيس المؤقت، عدلي منصور (2013: 2014)، قبل أن يستقيل، في 30 حزيران/ يونيو من العام التالي، ويعود إلى الولايات المتحدة.

كما يحتفي الإعلام المحلي من حين لآخر بمصريين حققوا نجاحات خارج بلدهم، منهم عالم الكيمياء الراحل أحمد زويل، الحائز على "نوبل" عام 1999، والذي حظي باحتفاء كبير خلال زياراته للبلاد، حتى وفاته في 2016.

وقبل أشهر، احتفى المصريون بالعالِم عادل محمود، بعد أن نعاه بيل غيتس، مؤسس شركة "مايكروسوفت"، إذ ارتبط اسم محمود في واشنطن بتطوير لقاحات كثيرة أنقذت حياة ملايين المرضى.

ومن بين المحتفى بهم كذلك هانى عازر، وكان مسؤولا عن مشاريع تشييد نفق وسكك حديدية في ألمانيا، واختارته برلين ضمن أشهر 50 شخصية في ألمانيا؛ كما لمع نجم العالِم فاروق الباز، الذي عمل في "ناسا"، والطبيب الشهير، مجدى يعقوب، أحد أبرز جراحي القلب، خلال تواجده بين الولايات المتحدة وبريطانيا ومصر حاليًّا.

في حين تقلّ الحالات التي حقق فيها مصريّون نجاحات عالمية أثناء وجودهم في بلدهم، أبرزهم الأديب نجيب محفوظ، الحائز على جائزة "نوبل"، عام 1988.

التعليقات