05/05/2012 - 15:48

مشروع الحركات الإسلاميّة ونظريّة القوميّة العربيّة../ محمد فوزي*

لم تُفاجأ الحركة القوميّة العربيّة بشَنّ الهجوم عليها في مراحل مصيريّة تواجه الأمّة، فليس هناك واقع خصب كهذا الواقع الحالي لكي يرفع الانتهازيّون أصواتهم ويبدَأوا بالتحريض

مشروع الحركات الإسلاميّة ونظريّة القوميّة العربيّة../ محمد فوزي*
- محمد فوزي -

لم تُفاجأ الحركة القوميّة العربيّة بشَنّ الهجوم عليها في مراحل مصيريّة تواجه الأمّة، فليس هناك واقع خصب كهذا الواقع الحالي لكي يرفع الانتهازيّون أصواتهم ويبدَأوا بالتحريض.
 
لم نُفاجأ في الداخل الفلسطيني بطعن الغير للحركات القوميّة بهدف إعادة مشاهد "إنجازات" و"تسلّق" الانتهازيّين على الرّبيع العربي، وإعادة سيناريو نتائجه في الدّاخل، كلٌّ على طريقته، إلّا أنّ ما فاجأنا (بالداخل الفلسطيني) هو طريقة التحريض الجديدة والمحرّضين الجُدد، وهذه المرّة على الملأ وعلناً، وممّا ضاعف من "الصّدمة" هو صمت وجُبن الأحزاب القوميّة نفسها في الداخل وعدم الردّ لإسكات أصوات بعض المسؤولين في  الحركة الإسلاميّة المُحَرِّضَة.
 
أنا، وإن كُنت ألوم الحركة الإسلاميّة وبعضَ الأصوات المُستقلّة على تبنّيها هذا الخطاب إلّا أنّ عتبي الأكبر هو على حزب "التجمّع الوطنيّ الديمقراطي وحركة "أبناء البلد" لاتّخاذهم موقف المُتفرّج أمام ذلك التحريض العلني.
 
*
 
" إن المُحرِّض شخص يعرف معالم الطّريق، لكنّه لا يستطيع قيادة السّيارة". (كينييت تينان)
 
تبدو للوهلة الأولى اتّهامات التيّار الإسلامي عبر نائبها للقوميّين العرب بأنهم منفصلون عن الوحدة الإسلامية، قد تبدو بأنها "وجيهة" على اعتبار أنه يتحدّث عن دائرة أكبر للوحدة، وتبدو معها فكرة القومية العربية انعزالاً وتفتيتاً لهذه الوحدة .
 
إلا أنّه وبالتعمّق في مُنطلقات هؤلاء الفكرية من جهة وفي طبيعة طرحهم من جهة أخرى، فإننا نصل لنتيجة معاكسة تماماً وسنكتشف انهم هم المفتتون للدائرة الكبرى الاسلامية وللدائرة العربية كذلك، وهم المسؤولون بالدرجة الأولى عن هذا التشرذم.
 
فوفقاً للمشروع الذي تطرحه التيارات الإسلامية، فإن من هو خارج الدين هو لا محال خارج نطاق الأمة. وعند اعتلاء المنابر تحرض بعض هذه الجماعات الدينية/السياسية على القومية العربية لشمولها العربيّ وإهمالها (إن صح التعبير) لابن الهند أو باكستان، وتلتزم العاطفة والقدسيّة بخطابها لإجبار المتلقي على عدم الخوض في مقارنات ستكشف التناقض بين الفكرة والتطبيق.
 
بالمُقابل نادت -وما زالت- الحركات القومية بضرورة بناء جسد واحد قومي إسلامي أو جسدين: قومي وإسلامي، والتكاتف للعلو بالأمّتين: العربية والإسلامية.
 
وإذا نظرنا بعمق لأطوار تكوين الأمة، نجد أن هناك مراحل كانت تتطلب توسّع الأمة العربية إلى أمة إسلامية، وان هذا السياق نظري موجود بحدود وأنه قابل للتطور بشرط استيفاء ظروف ذاتية وموضوعية لم يتم استيفائها آنذاك، وقد يتطلب الظرف الموضوعي ظرفاً ذاتياً أكبر بشرط أن يكون مفهوم الأمة الإسلامية مفهوماً حضارياً لا شيفونياً.
 
إن التطور القومي واتساعه واستيفاء الظروف الذاتية نظرياً سيصل إلى أن تكون هناك "قومية آدمية" بشرط المرور بالدوائر الطبيعية والتدرج المنطقي والعلمي، وما الفكر القومي العربي إلا حلقة من هذه الحلقات، بل ويعد أبرز حلقة مركزية من حلقات التطور القومي نظراً للعوامل الموضوعية النموذجية التي تشكل القومية العربية ونظراً لقوة الدفع الهائلة المُترتبة على تحقيق الوحدة.
 
وإذا تحقق العامل الذاتي وتوفرت الإرادة السياسية لتحقيقه، سيشكل نقطة انطلاق هائلة تمثّل نموذجاً رائعاً لوحدة قومية تستوعب التنوعات وتجعلها جزءاً أصيلاً في هذه القومية الجامعة، وهو أكثر ما يخدم الإسلام ومشروعه الحضاري على عكس عقلية الإقصاء التي يُمارسها المُتحذلقون المحسوبون على الإسلام في الوقت الّذي هم ذاتهم يُناقضون جوهره.
 
إن ممارسات بعض التيارات العالمية والمحلية الإسلامية الفكرية والعملية تحول دون تحقيق الدائرة العربية لوحدتها، لأنها تستبعد مكونات رئيسية من الأمة خارج نطاق القومية، وبالتالي هي تمنع تشكُّل الحلقة الرئيسية في التطور القومي.
 
لذا.. يجب على كل مُتبنّ القومية -وخاصة مُروجيها ومفكريها- عدم التزام مواقف الدفاع عن الفكرة القومية فقط، بل يجب امتلاك زمام المُبادرة وإنقاذ ما يمكن انقاذه من التشرذم والتقسيم الحالي بسبب الخلل في المفاهيم والّذي بدوره يؤدّي إلى خلل في المُمارسة.
 
ففي مقولة للمُفكر الإسلامي د. محمد عمارة في كتابه (التيار القومي الإسلامي): "الوطنية هي العروبة بعينها، والعروبة هي الإسلام في جوهره".
 
قد اتفهم المُحرضين على القومية العربية في تحريضهم من على منابر الجمعة أو في مقالاتهم لو أن مُجتمعنا خالٍ من جميع المشاكل والمعضلات الدنيوية، وقد اتفهمهم لو أننا قمنا بتحرير أنفسنا وقمنا ببناء الدّولة، لكن لا اتفهم معنى أن يتم التحريض ونحن بحاجة لقوة التيار القومي ولقوة التيار الاسلامي في سبيل النهوض بالأقلية العربية والتحرر من ظل النظام الكولونيالي. فإن تجزئة الجسد تُضعفه، والانتهازية تضُرُّه، فحينها لن يعود هناك مجال للكلام عن الهوية.
 
وأخيراً.. أنا لست بصدد التهجم على أحد، ولا بصدد توزيع أوسمة وطنية على أحد، ولست من المحرضين. حالياً اكتفي بهذا. وأضيف رسالة أخيرة: إنّ أعظم جُرم يُرتكب، هو استغلال قدسية المساجد وعاطفة القلوب للتحريض على الآخرين من أبناء جلدتنا باسم الدّين، فهذا نوع من أنواع العنف الذي يناهضه الإسلام في جوهره.

التعليقات