21/11/2013 - 15:48

تحية كشفية لحرس الحدود الإسرائيلية../ محمد أبو العز محاميد

أليس حريًّا بنا أن نخبر أطفالنا أن هذه البندقية هي نفسها البندقيّة التي قتلت الشهيد أحمد إبراهيم صيام "ابن البلد وخرّيج نفس المدرسة"؟، وأن نفس "الجيب" هذا هو المشرف كان على هدم بيوتنا في شمال معاوية وجنوبها قبل شرقها وغربها؟،

تحية كشفية لحرس الحدود الإسرائيلية../ محمد أبو العز محاميد

محمد أبو العز محاميد

استيقظت، يوم أمس، على صوت ضجيج مرتفع صَدر من منطقة دوّار الشهيد أحمد صيام في قرية معاوية، لم يسمح لي فضولي البقاء في فراشي، بل فضّلت النهوض مسرعًا إلى حيث الصّوت علّني أكتشف ما حلّ في قريتي الهادئة، وإذ بِها سيّارات الشرطة الإسرائيلية وعدد كبير من الجّنودِ حاملي السّلاح وزمرة من ضبّاط الشرطة أضف إلى ذلك سيارة جيش إسرائيلية " جيب "، وأخرى ناقلة للخيل والكلاب تملأ ساحة الدوّار، أثار هذا المشهد فضولي فرُحت أسأل عن ما حلّ في القريَة وخصوصًا أن العشرات من سكّان القرية قادهم، هم أيضًا، الفضول إلى حيث ذاك الحشد الغريب من القوّات الإسرائيلية ال "حربية".

لم يكن لتساؤلاتي تلك إجابة مقنعَةً واحدة، ولكن الإجابة أخذت منحى يصُبّ في أنّ هذا التجمهر هو مجرد "فعالية" لا منهجيّة قامَت بها مدرسة مُعاوية الابتدائية الملاصقة للدوار، والتي تعتبر المدرسة الأقدم في معاوية ومنها تخرّج العديد من الأطّباء، المحامين، الشّعراء، الفنّانين و"الشهداء"!

"لا شَكّ، أن مجتمعنا العربي اليوم، يعاني كثيرًا من آفات عديدة كالعنف والمخدّرات والسرقة وحوادث الطّرق، وكم حريّ بنا أن نوّعي جيل الطلائع والبراعم من تلك الآفات من جيل مبكّرة حتّى نغرس فيهم الحرص والحذر وبناء مجتمع قويٍّ متين، لا تحرّكه سوى العقيدة الدينية والمبادئ والأخلاق الحميدة"، هذا ما ورَد بذهني أولًا، وبدأت أعطي الأعذار لنفسي عن فحوى تلك الفعّالية والتي كنتُ سأؤيّدها إن كانت مجموعة محاضرات توعوية من مختصّين حول حوادث العنف والطرق والمخدّرات، لا بل وسأشجّع على أن تشمل مساحة أوفى من مدارسنا العربية، ولكن يبقى السؤال: ما الحاجة للخيل والسلاح والجيب المجَهّز والكلاب؟

" تحيّة كشفيّة لحرس الحدود الإسرائيلي"، صاح أحد المُربّين، فرَدّ عليه الطلاب بالتصفيق والتهليل والتصفير، وبدأت معركة ذهنيّة بيني وبيني، بين أن أصدّق توقّعاتي الأولى أو أن أكذّبها فأصدّق ما أسمع! ثمّ قطع أحد رجال الشرطة عليّ معركتي، وسمح للكلب أن ينطلق من السيّارة المعدّة له جاريًا بين الأطفال وهم يصرخون، وأنا، لا أخفيكم سرًا، أخشى الحيوانات، وخاصّة تلك التي برمُجَت على التعرّف علَي حيثما أكون.

شَرح الضابط أن بإمكان هذا الكلب التعرّف على أي جسم مُراد البحث عنْهُ بسبب حاسّة شمّه القوية، وهذا ينطبق أيضًا على أي شخصٍ يراد البحثُ أيضًا عنه "لخروجه عن القانون"! ثمّ جاء دور الخيل ليسرح ويمرح بين الأطفال، وهم يصرخون خوفًا كلمّا اقترب منهم، فهم لا يعلَمون حقًّا أنّه في كل مرّة دهس الحصان شخصًا كانت بـ"فعلة فارس" وليس محض صدفَةٍ أو "حيونِة" حيوان!

ثمّ بدأ أفراد الجّيش باستعراض عضلاتهم وعجلات جيبهم، كما رافقهم، ذاك المربي، مسهِبًا في الشّرح عن جبروت هذا الجيش الذي لا يقهر والذي وصفه أحد الجنود بحامي الديار وحرس الوطن! وانهالت بعدئذٍ تصفيرات الطلاب فرحين بتشجيع المربي لذلك الجندي الذي أخذ يلتقط الصور مع بعض الأهالي والطلاّب، مخاطبًا الطلاب: "هو عربي مثله مثلكم، شايفين؟ يعني مش عدوّنا"! واغتنم ذاك "العربي" الفرصة مخاطبًا الطلّاب: "شايفين قديش احنا منحبكم؟ مشان هيك دشروكم من المشاكل، ومن اللي بقلك تعالوا على مظاهرة وترفعوا أعلام"!

لَم أكن لأكمل المشاهدة، ولم أعتد على الذلّ والهوان الذي حصل، أي حدود تلك التي يتغنّى ذاك المُربّي بحرّاسها؟ أي دولة تلك التي يدّعي اولئك حمايتها؟ أليس حريًّا بنا أن نخبر أطفالنا أن هذه البندقية هي نفسها البندقيّة التي قتلت الشهيد أحمد إبراهيم صيام "ابن البلد وخرّيج نفس المدرسة"؟، وأن نفس "الجيب" هذا هو المشرف كان على هدم بيوتنا في شمال معاوية وجنوبها قبل شرقها وغربها؟، وقبل وبعد هَتكِ فلسطين أجمع، أم هيَ محاولةٌ لترهيب الأطفال من أن يكونوا جزءًا مهمًّا من قضيّتنا ووطننا؟ ومحاولة إدخال الذعر إليهم لكي لا تسّول لهم أنفسهم المشاركة في أي تظاهرة ضد ظلمهم وتعسّفهم؟ بل على العكس دعوتهم الصريحة الوقحة للانخراط بالجيش "عربي مثله مثلكم"! أيُعقل أن تُقادَ مدرسَةً ابتدائيّة الى المسار الذي يعود عليه بالفائدة فقط؟ وأين دور المعلمّين الباقين؟ ولجنة أولياء الأمور من هذه المهزلة؟ أتحيى ذكرى النّكبة والنّكسة ودير ياسين وكفر قاسم والروحة والقدس والأقصى؟ أم أنّ مَصالحنا لا تسمح بفتح "ملفّات قديمة"؟ وتسمح لَنا فقط بإنتاج جيل أعمى جاهلٍ بكل ما حوله، ربّما سيُجبَرُ مستقبَلًا على ترديد "هتكفا" صباحًا، فقط تخيّل!

(مخطّطات إسرائيل لا تتوقّف عند تهويد القرى والمدن العربية، أو عند ترحيل السّكان العرب، أو أمام المناهج الدِراسيّة "المفبركة"، أو إلى اقتسام القضايا فيما بيننا، حسب الأيديولوجيات التي نتبنّاها! وإنّما إلى أبعد من ذلك بكثير، تصل إلى أزمة "الهويّة" حيث لا يعود الطّفل الفلسطيني إلى مساءلةِ نفسه بـ "لماذا" و "مَنْ أنا"؟ ويغرق في بحرٍ من الحقائق الزّائفة حيث اللاوعي(

يا أرضي يا أرضَ الرّوحة، يا من ارتوَت ترابك بدماء الشّهداء، أعتذر إليكِ
تحيّة كشفيّة لمُعاوية، أعلم أنّكم لن تتغاضوا عن الذُّل!

التعليقات