22/06/2014 - 17:58

مواقف خارج التغطية الإسرائيلية /مصطفى ريناوي

بدأت إسرائيل منذ أسبوع، ومن بداية اختفاء الشباب الثلاثة، حملة سياسية وإعلامية واسعة، للاستفادة من الحدث.

 مواقف خارج التغطية الإسرائيلية /مصطفى ريناوي

بدأت إسرائيل منذ أسبوع، ومنذ اختفاء الشباب الثلاثة، حملة سياسية وإعلامية واسعة، للاستفادة من الحدث.

كانت الفائدة الأولى اجتياح الضفة الغربية، ومن ثم توجيه التهم نحو حماس، بهدف ضرب المصالحة الوطنية والحكومة المنبثقة عنها، إخفاء صمود الأسرى والتعامل الوحشي معهم، وبعدها إزاحة مشهد بناء المستوطنات والتضييق الدولي حوله، وتحويله لمشهد "إسرائيل ضحية الإرهاب" ، ليبدو وكأن هذا المشهد هو مشهد بديهي لأي تقييم كان، أو بالأصح لأي موقف تجاه حادث الخطف أو الاختفاء، وبدأت إسرائيل تستدرج النجاح المخطط من تصريحات الرأي العام الدولي ومن ثم تصريحات القيادة الفلسطينية واليسار "العربي الإسرائيلي" إن صحة التسمية.

إلى أن جاء تصريح "بوجع الراس"، وهو التصريح الأخير للنائبة حنين زعبي. قبل الخوض في الحديث عن التصريح وما حوله، علينا أن نفهم خطورة وضرر تصريح حنين لنجاح الحملة الإسرائيلية الأخيرة، فحنين ليست ناشطة سياسية فحسب، وليست قيادية صاحبة مواقف شجاعة فقط، بل هي كذلك من داخل سياق السياسة الإسرائيلية الرسمية، ممثلة جمهور وصاحبة نشاط رسمي عام، أي أنها تعارك وتناضل في مواجهة الساحة السياسية الإسرائيلية. ولذلك وبالرغم من نجاح إسرائيل بتصدير خطاب المعاناة من الإرهاب، (شبيه بالخطاب الأميركي وخطابات الأنظمة العنصرية المعروفة تاريخيا)، خطاب متعدد الهويات، من يمينها المتطرف، لمركزها، ليسارها الخاص الهوية، وحتى العربي منه، إلى القيادة الأوسلوية في رام الله، وكأن المشهد صار قريب الاكتمال، استطاعت مقابلة إذاعية واحدة أن تكسر التعريف الإسرائيلي نحو تعريف آخر يقول: "هم ليسوا إرهابيين".

 بدا هذا التصريح مزعجًا لحملة إعلامية واسعة أرادت أرضًا خصبة شرعية لممارسات الاحتلال، فبدأت معها بالمقابل حملة شرسة ضد النائب حنين زعبي، من أروقة الكنيست وصولًا  للإعلام و"للاتفاق الشعبي" حول ضرورة محاكمتها، وضرورة إخراس أي صوت يعلو فوق أجندة الرواية الإسرائيلية، وبدا مع محاكمة التصريح واضحًا إنسعار إسرائيل نحو أي نقطة تعيدها لصورة الضحية خاصة بعد مجازرها في غزة-2009 وبعد نجاح متعدد المجالات لحملة المقاطعة العالمية، أدخلتها في أزمة دبلوماسية اعترف بها رئيس الحكومة بييي نتنياهو في حديث مع القناة الثانية الإسرائيلية وفي خطاب رسمي له، وبدا مزعجًا لاحقًا، التشكيك بالرواية الإسرائيلية الخاصة بالحدث، ومعها بدأ النقاش.

 في ظل هذا التصريحات، كان لا بد من فرز حالتين، الأولى انسعار إسرائيلي لا نستطيع توقع مداه، ومدى تضييقه حول عمل حنين زعبي ومواقفها الصدامية لمخططات الاحتلال.

والثانية هي مواقف فلسطينية تأخذ تحديًا للرواية الإسرائيلية أو الأصح استغلالها للقضية. فليست المسألة هنا في عدم تأييد الحادث أو تبريره ، إنما في محاربة استغلال إسرائيل له، ومحاربة أهدافها من خلال فضح تبرير الاجتياح، ومن خلال توضيح الموقف، بأن الحدث كان ردة فعل للاحتلال وبأن إسرائيل وسياساتها هي المشكلة، وأن المشروع الصهيوني هو أساس المشكلة، وأن أي حديث إسرائيلي عن الأخلاق والقيم والمتاجرة بخطاب الإرهاب لا يعول عليه أو كما قالت حنين: " إسرائيل تريدنا أن نصف أنفسنا بالإرهابيين مهما فعلنا، أيضًا الحجارة والانتفاضة والمقاطعة إرهاب بالمفهوم الإسرائيلي، فكان من المتوقع أو من الطبيعي أن نتوقع مواقف سياسية فلسطينية شجاعة شبيهة بتصريحها، أو أن يكون خطابها العام كاسرًا للفرض الإسرائيلي بتحديد الكلام أو الموقف وحتى الرأي الشخصي. أو على الأقل، أي سكوت رسمي لا يُهدي إسرائيل هدايا نحو حدث الضحية.

 لم نرَ أي منها (رسميًا) لأسباب عدة منها وللأسف، استغلال الحملة الشرسة (بيمينها ويسارها) ضد حنين زعبي لمكاسب الاختلاف الحزبي وتركها وحزبها يواجهون التضييقات الإسرائيلية اللاحقة كما حصل مع قيادات سابقة في الحزب، دفعوا وحدهم ثمن مواقف شجاعة. وأسباب هذا التقصير - التواطؤ عدة منها  تربية يسارية إسرائيلية اجتاحت بعضًا منا، ليكون وصفهم لموقف حنين "بالمتطرف" و"المتهور" و"غير المسؤول"، متشبعين بمواقف قيادات هزيلة اعتادت موقف "الفزيع" بين الضحية من أبناء شعبه وبين جلاد ليس عسكريًا فقط بل هو إسرائيلي عام، يحتوي نفس المكسب ونفس ترتيب الأولويات في ظل الصراع، ولا أريد التطرق هنا حول آراء فردية لا تتفق مع ما قالته حنين زعبي، أو آراء هاجمتها، فلكل حديث تشخيص خاص، ولكنني لا أرى أي تشخيص نحو أي حديث سياسي فلسطيني في الداخل ترك كل القضايا ليحاسب حنين زعبي هو الآخر، أو أن يصد كلامها أو أن يوافق بمعنى أن يسكت حول تحريض مارزل وليبرمان وغيرهم بملاحقتها قضائيًا.

 وهنا، في معسكر المشاهدين من المهم التطرق نحو محاولات الإعلام الإسرائيلي بالتأثير في قطاعات منا (جمهور لا يتأثر بالصراعات الحزبية والتلقين السياسي)، المهم أنه خطاب يحاول ملاقاة الترويج حتى وإن كان هناك تأييد من الناس لها حول مواقفها وشجاعتها كما سماها البعض، فبمجرد تجريد القيادي من كثافة الدعم الشعبي نحو مناهضته للاحتلال، تسنح لإسرائيل فرصة تكوين صورة جديدة مشوهة، حول حقيقة صراعنا وحول حقيقة أننا جميعًا ضحية فعلية لوجودها.

فكان لقلة المتابعة، أو الاكتفاء بمتابعة الإعلام الإسرائيلي الذي صورها كأنها فاشية ترى بالقتل والاختطاف حلولًا  تتناسب مع "إرهابها" كما صورها أفيغدور ليبرمان، ملائمًا مع تصوير إسرائيل لنفسها، وتناسبًا مع موقف معارضا للحدث، عدا أنه لا يزال متأثرًا بإسرائيلية الرواية والهدف (ليس قاصدًا)، إلا أنه لا يعلم شيئا عن مجمل حديث حنين ولا قصدها، ولا فضحها للكذبة الإسرائيلية تجاه الرأي العام، ولا حتى سماعها هي بل الإصغاء لإعلام لا يزال يعطينا التقييمات حول عمل قياداتنا الوطنية، وحول تخطيطه (الإعلام السياسي الإسرائيلي) لجدول أعمالهم واهتماماتهم وحتى آرائهم الشخصية، كما حدث لها مع النائب "عليزا لافيه" عندما أفرزت غضبها من سماع لقاءها في الإذاعة الإسرائيلية بالنصيحة لها بأن تهتم بقضايا الداخل، دون الحديث عن قضايا الضفة والقطاع أو أي حديث لا يروق للمؤسسة الإسرائيلية.

ولهذا الموضوع شأن مرتبط، يحدث هذا دائما في نقاشات السياسيين الإسرائيليين مع حنين زعبي وغيرها من القيادات الفلسطينية "الغير أليفة".

يحدث دائمًا أن يحاول السياسي الإسرائيلي زرع الشك في نفوس الجماهير العربية تجاه أي عمل أو مواقف لا تحدده إسرائيل ضمن "الديمقراطي المقبول"، ويحاول دائما إخراس أي صوت وطني يدافع عن كرامة شعبة بحجة باتت سخيفة ومتكررة وهي" اهتموا لقضايا الناس"، مع العلم أن غالبية جدول أعمال الأعضاء العرب هي قضايا يومية للناس، كجزء أساسي من ظروف وماهية عملهم وليس بمعنى انه امتيازا أو صدقه.

 لا تستطيع إسرائيل السماح لممثل الجمهور بالكلام عن أي شيء يخرج من الدائرة الغير مضرة لسياساتها وهويتها الوجودية، ولا تستطيع تمرير الموقف المختلف لحنين، وخاصة بعدم نسيان الانتقام من خلال مشاركتها في اسطول كسر الحصار عن القطاع، وبرصد أنشطتها ومحاضراتها في دول العالم الداعية فيها لإنهاء الاحتلال ومحاسبته. ولا تستطيع السماح لخطاب كهذا بأن يكوّن موقفًا سياسيًا رسميًا عامًا لفلسطينيي الداخل، كما تراهن إسرائيل بأن لا يستطيع القيادي الاستمرار بالدفاع عن شعبه من خلال رصد وصد لسياستها العنصرية في ظل المواقف الهزيلة والمرضي عنها نحوها، ولن يستطيع تيار واحد أن يتحمل دفع الثمن للاختلاف عن التركيبة السياسية في الساحة الإسرائيلية الرسمية، ولن يستطيع ممثل الجمهور الاستمرار بمواقفه الصدامية لها، ومن خروجه المتكرر عن سيناريوهاتها المعدة مسبقا حول الإرهابي وإسرائيل الضحية، في ظل محاولات تشويه دوافع نضاله ونضالنا، وعلى ذلك نحن نراهن إسرائيل.

التعليقات