28/09/2014 - 15:53

سوريا، ثورة شعب وإرادة حياة

بدأت النزاعات على السلطة السورية بعد حل الجمهورية العربية المتحدة (سوريا – مصر)، التي لم تعمر طويلا، فطفى على السطح صراع الانفصاليين والبعثيين الذين انقلبوا عليهم بذريعة الوحدة العربية، إلى أن نالوا مآربهم وتهربوا من الوحدة فيما بعد.

سوريا، ثورة شعب وإرادة حياة

بدأت النزاعات على السلطة السورية بعد حل الجمهورية العربية المتحدة (سوريا – مصر)، التي لم تعمر طويلا، فطفى على السطح صراع الانفصاليين والبعثيين الذين انقلبوا عليهم بذريعة الوحدة العربية، إلى أن نالوا مآربهم وتهربوا من الوحدة فيما بعد.

 أخذ البعثيون يرسخون مفاهيم فكر جديد للشعب عامة وللجيش خاصة، فقسموا سوريا إلى سوري وبعثي، البعثي يملك كل شيء والسوري  لا يملك أي شيء وسرّحوا كل من يعارضهم من الجيش. أدرك الانقلابيون بأن السيطرة على الجيش كفيلة بإمساك زمام كل الأمور وإحكام السيطرة على الدولة، فعملوا على توسيع هذه القاعدة وهدموا كل بؤرة كانت تعارض حكمهم، حكموا سوريا بالدم والحديد وقسوا على المعارضة، أغلقوا مكاتب الصحف والأحزاب بعد تكرسهم في الحكم، أعلنوا حالة الطوارئ فبات للدولة طابع أمني يتربع على عرشه حزب واحد وهو البعثي، ويشير البند الثامن من الدستور إلى أن البعث هو الحزب الحاكم، أي أن سوريا أصبحت رهينه  فئة واحدة من السوريين .

وطفى على السطح صراع آخر، وهو الصراع البعثي – البعثي، كان في حينها لحافظ الأسد منصب رفيع في الدولة عامة وفي أركان الجيش خاصة، ينافسه على السلطة صلاح جديد، ومثّل جديد والأسد قطبان هما آخر من تبقى من اللجنة العسكرية التي هيئت الظروف وثبتت البعث في سدة الحكم .

شكلت احداث أيلول الأسود حدث مفصليا انعكس على الصراع السوري الداخلي (البعثي – البعثي)، فقد حمل جديد والأتاسي (نور الدين الاتاسي – رئيس سوريا) الأسد نتيجة إخفاق اقحام سوريا في الأحداث، فاجتمع الأتاسي بجديد ليتباحثا حول تجريد حافظ الأسد من منصبه، لكن هذه الخطوة كانت متأخرة لأنه كان أكثر دهاء وذكاء، وفرض واقعا آخرا بحصار قاعة المؤتمر وزج كل من عارضه في عتمة السجون، وعلى رأسهم كان منافسه في الحكم صلاح جديد ونور الدين الأتاسي.

هنا بدأ عهد جديد في سوريا، عهد سوريا الأسد، الذي مرر تحت مسميات الثورة التصحيحية حكم سوريا بأجهزة المخابرات، فأعلن عن ولادة طاغية جديد استأثر بالحكم، خالقًا نظام الرجل الواحد بعد اخضاع الانقلابين لسوريا، انتهج الأسد سياسة الترهيب والوعيد، فزج المعارضين في السجون وأهدر دمائهم ومتوعدًا كل من يسير على خطاهم بالمصير نفسه.

 وكانت مجزرة حماة شاهدة على جبروت وطغيان الأسد، حيث راح ضحيتها عشرات آلاف السوريين بحجه القضاء على ما أسموها "حركة الإرهابيين الإسلامية"، وتضاربت الأنباء حول الأعداد وهول الجريمة، لكن هنالك حقيقه واحدة ثابتة، |أن الأسد الأب قام بسحق السوريين بالسلاح الثقيل ليثبت أركان الحكم لعائلة الأسد، فكان لرفعت الأسد الدور الأكبر في تنفيذ الجريمة والذي نفي خارج سوريا فيما بعد، ليسلط الضوء على صراع آخر وهو الصراع الأسدي – الأسدي.

في العام 2000 توفي حافظ الأسد نتيجة مرض السرطان، تربع على العرش بعده ابنه بشار الأسد، وكان طبيب العيون بعيد عن السياسة والأضواء، حيث وصل لكرسي الحكم باستفتاء شعبي وتعهدات قدمها أمام البرلمان للبدء بالعمل الإصلاحي التدريجي وإطلاق الحريات.

في العام 2010 بدأ حراك شعبي لتحقيق الإصلاحات المستحقة للشعب من إطلاق حريات وغيرها، وتجلى هذا الحراك بما تسمى حادثة الجدران، عندما قرر الشعب إزالة غبار سنين الذل الطويل وكتبوا على جدران درعا عبارات تدعو للإصلاح، حتى جاء الرد القمعي العسكري للشعب الأعزل، كانت هذه الشرارة لاندلاع الثورة، فسوريا بشعبها العظيم أبت أن تعيش تحت وطئت هذا النظام الذي رسخ مفاهيمه في عقولهم وأخذ يعمل بشكل ديكتاتوري لا يمت للديمقراطية التي تعهد بها الأسد أمام البرلمان بصلة، فكلمة حرية هزت أركان الدولة.

مع ازدياد حدة القتل وتفاقم الأزمة انتقلت الثورة السلمية إلى "عسكرة الثورة" بعد تأسيس الجيش الحر للدفاع عن المدنيين من وطأة النظام البعثي، فكل جندي انشق عن النظام كان يحمل أسلحته وذخائره وبدأ الجيش ككتائب مبعثرة غير منظمة، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات لا زال تنظيم مبعثر غير منظم لكن بقي هدفه الأسمى هو"تحرير الأرض والفكر من نظام حكم لعقود وأفشى الجهل والفقر بين الناس".

بعد فشل النظام في قمع المظاهرات السلمية وتدمير سوريا وقتل المدنيين، بات نظامًا هشًا لاسيما بعد ضعف المخابرات وأجهزه الدولة الغارقة في القمع من حماية الدولة، أعلن النظام عن مواجهته لجماعات إرهابية مسلحة مثل جبهة النصرة وداعش، وبدأ يلفق كل عمليات القتل والدمار لهذه الجماعات.

 وجود داعش في سوريا أمر مربك يشكل أزمه حقيقية، لا سيما أن داعش تحارب الجيش الحر ونفوذه ولا تقترب نحو النظام، النظام هو من فتح الأبواب أمام داعش وهو من قتل ودمر واغتصب وهو من سيحاسب داعش، وهذا لن يبرئ النظام من الدم السوري.

أما اليوم، فجثث هنا وأشلاء هناك، أطفال يموتون من الجوع والبرد ورجال ليس لهم حول ولا قوه يحملون بيدهم سلاح الصبر، شيوخ تحمل بيدها المصاحف وتسجد لله، نساء لا تملك سوى الدعاء عسى أن تتحسن الأوضاع وتحل الأزمة وتحقق الثورة أهدافها.

 لو نظرنا للقضية السورية نظرة عقلانية وفكر حر، سنجد أن سوريا صراع بقاء ونفوذ غربية وتخطيط إسرائيلي، وجزء من مشروع روسي ومشروع إيراني لتوسيع النفوذ والمحافظة على أماكن نفوذ أخرى في الشرق الأوسط، كل ما حدث ويحدث في ظل غياب دور البعثيين، فهم في سبات عميق منذ عقود عما يجري من مشاريع غربية على أرضهم، فكل اهتمامهم كان قمع المواطن السوري وتجويعه وقتله،  وها هم اليوم يصيحون ويصرخون بأعلى صوت أنها مؤامرة كونية.

 الأمن والأمان مهمة النظام بالدرجة الأولى، والنظام الغير قادر على حماية شعبه عليه التخلي عن الحكم، فسوريا اليوم مأساة بكل معنى الكلمة، ملايين المهجرين وآلاف القتلى والجرحى، باتت سوريا رمادًا وتراب بعد عسكرة الثورة والتحول من ثورة سلمية قمعها النظام، إلى عسكرية، وهنا تجلت السياسات الغربية.

انقسمت أحداث الثورة بين مؤيد ومعارض للنظام، البعثي الأول يتغنى ويتبجح بما تسمى المؤامرة الكونية المحاكة على سوريا للإيقاع بنظام مقاوم، والمعارض الذي قضى سنين ضحية سجون الرأي ومطمع مخابرتي في كل يوم يذل ويهان في الفروع الأمنية، سئم الذل والفقر وشلالات الدماء وصحى من غيبوبته الفكرية وسباته الجسدي وخرج عن صمت أودى به إلى القهر ونادى بالحرية وإسقاط نظام الأمن الطاغي (أدنى المطالب للشعوب)، لم يكن يتوقع صعوبة الرد بالبارود والدبابات والمجنزرات، فسياسة ترسيخ مفاهيم الولاء للقائد قد نجحت والشبيحة جاهزة لحرق الدولة وتحويلها لرماد، فكما هتفوا "الأسد أو نحرق البلد" وها هم حرقوها وتركوها رمادًا وترابًا.

علينا دائما أن نكون في صف الشعوب بعيدا عن الأنظمة الغارقة في مؤامراتها، فكما قال القائد العظيم جمال عبد الناصر "الشعب هو القائد والمعلم"، فنظام مقاوم مثل النظام ألبعثي إذا كان فعلا مقاوم نذكرهم أن الجولان محتل منذ عقود ولم يتم إطلاق رصاصة واحدة لتحريره، فالنظام لم يحرك ساكنا بل اكتفى في كل مرة بالاحتفاظ بحق الرد، أما الشعب الذي طالب بالحرية كان الرد عليه قمعيًا وسريعًا، والنظام هش منذ عقود، فكثيرا ما اخترقت إسرائيل حدوده حتى وصولها فوق قصر الأسد دون أن يحرك ساكنا، فأي مقاومة تقام على جثث السوريين والأطفال لا يعول عليها.

 تذكروا دائما بان سوريا الأسد بنظامه وأركانه زائلة لا محالة، أما الشعب والدولة فخالدين إلى الأبد .

 

التعليقات