07/06/2016 - 21:05

الطربوش والعمة... من حالة مجتمعية إلى رموز دينية

تعتبر العمة والكاكولا (العمة الأزهرية) رمزا اجتماعيا وثقافيا للزي الأزهري ورجال الدين في مصر، وعلى الرغم مما يمثله هذا الزي من وقار وهيبة ومكانة علمية يضفيها على من يرتديه، إلا أنه بدأ في التلاشي، حيث أصبح يفضل الكثير عدم ارتدائه.

الطربوش والعمة... من حالة مجتمعية إلى رموز دينية

تعتبر العمة والكاكولا (العمة الأزهرية) رمزا اجتماعيا وثقافيا للزي الأزهري ورجال الدين في مصر، وعلى الرغم مما يمثله هذا الزي من وقار وهيبة ومكانة علمية يضفيها على من يرتديه، إلا أنه بدأ في التلاشي، حيث أصبح يفضل الكثير عدم ارتدائه، فبمجرد انتهاء الشخص من عمله الذي يستلزم ارتداء العمة، سرعان ما يخلعه ويستبدله بلباس آخر أكثر حداثة ومواكبة للعصر، فقد أصبح مكان الزي الأزهري هو المؤتمرات والندوات واللقاءات العملية فقط، حتى أن أماكن بيع هذا الزي لم تعد منتشرة كما كان سابقا، وأصبح سوقها والطلب عليها محدودا بما يهدد هذا التراث الثقافي الديني.

يتكون الزي الأزهري من طربوش أحمر وعمامة بيضاء وجبة وقفطان (الكاكولا)، وتعود أصل كلمة 'طربوش' إلى الفرس، ومعناه 'سربوش'، أي غطاء الرأس، ثم حُرفت الكلمة لتصبح 'شربوش'، وترجع نشأته إلى بلاد المغرب ثم انتقل بعدها إلى الدولة العثمانية، ويعرف في اللغات الأوروبية بكلمة 'FEZ' ومعناها مدينة فاس، وهي تعد إحدى مدن المغرب الأقصى، حيث ينتشر ارتداؤه لدى شعوب شمال أفريقيا ومصر وتركيا، ولم يكن استخدام الطربوش معروفا في مصر، إلا أن محمد علي عندما اعتلى حكم مصر كان يرتدي العمامة التي كانت لباس الأعيان في ذلك الوقت، بينما كان المماليك يرتدون 'القاووق'، ومع التطور الذي شهدته تلك الفترة في الملبس، وبالأخص ما يوضع على الرأس، تحولت العمامة إلى الطربوش المغربي، وكان يشبه طربوش مشايخ العرب في الحجم والضخامة.

هذا وكانت فكرة ارتداء الطربوش في البداية سياسية دينية وليست اجتماعية، حيث كانت مصر في ذاك الوقت تابعة للخلافة العثمانية، وكان الطربوش يميز الولايات العثمانية، كما كان يرتديه السلاطين في الأستانة (إسطنبول)، وبدأ ينتقل من هناك إلى مصر، والذي كان في البداية الطربوش المغربي الذي عُرف بقصر حجمه، وأخذ عدة مراحل في التطور وكبر حجمه حتى أنه وصل إلى الأذنين، وجاء بعد ذلك الطربوش العزيزي، وترجع تسميته للسلطان عبدالعزيز الذي جعله شعارا للدولة العثمانية، وظل في مراحل التطور من الطول والصغر والكبر في الحجم حتى وصل إلى شكله المتعارف عليه حاليا.

وتنقسم أنواع الطرابيش بحسب صانع طرابيش بمنطقة الغورية في الأزهر، ناصر عبدالباسط، إلى نوعين، الأول يصنع من الصوف المضغوط أو من الجوخ الملبس على قاعدة من القش أو الخوص المحاك على شكل مخروط ناقص، والطريقة الثانية لم تعد مستخدمة حاليا، مشيرا إلى أن الطلب على الطربوش لم يعد كسابق عهده بسبب عدم استخدام الطربوش حاليا، فقديما كان الطربوش زيا رسميا في الدولة، أما الآن فقد اقتصر على رجال الدين والأزهر فقط، بالإضافة إلى أنهم لا يقبلون على شرائه بصفة دائمة بل إنهم يكتفون بتجديده، حيث أن عمر الطربوش يصل إلى سنوات عديدة، وهو ما جعل عملية البيع تعتمد بشكل رئيسي على السياح وعلى البيع للفنادق.

ويضيف عبدالباسط، الطربوش قديما كانت له مكانة كبيرة عند صاحبه فهو يلازمه طوال حياته وحتى مماته، حيث كان يوضع أمام نعش الميت حتى يصل إلى مثواه الأخير، موضحا أن العمامة التي كانت تميز مشايخ أهل السنة والجماعة، كانت مكونة من طربوش مغربي أو شامي ملفوف عليه قماشة تسمى باللاثة البيضاء، وكان شكل الطربوش يختلف من بلد إلى آخر من حيث الطول والعمق.

وأشار إلى أن الطربوش اختفى من مصر مع قرار الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بإلغائه، ولم يعد أحد يرتديه إلا رجال الدين والأزهر، ولا زالت أغلب المعاهد الأزهرية في محافظات مصر ترتدي الطرابيش كزي رسمي لها، لافتا إلى أن منطقة الغورية وحدها كان يوجد بها 5 محال لبيع الطرابيش ولم يتبق منها سوى اثنين فقط، وهو ما يدل على تلاشي هذا الزي التراثي.

اقرأ/ي أيضًا | بخارى... منشأ العلماء

بدوره، يقول، مدير معهد شبرا الخيمة الأزهري، الشيخ هشام خالد، إن 'المعهد يعتبر من أهم وأبرز معالم منطقة شبرا، لأنه بني عام 1973، وبناه الشيخ محمد خالد فتح الله وأخيه الشيخ عبدالله محمد خالد، ومنذ إنشاء المعهد وهم يرعون الطلاب رعاية كاملة، حيث أنه يتم توفير الزي الأزهري لهم، وحث الطلاب على ارتداء العمة والكاكولا، بصفتهما الزي المميز لرجل الدين الأزهري'، موضحا أنه يتم توفير الزي الأزهري للطلاب من خلال ورش خاصة بسبب عدم توافره وصعوبة الحصول عليه، وتقوم إدارة المعهد بهذا العمل من تلقاء نفسها، وليست بتوجيهات المشيخة والأزهر الشريف، لافتا إلى أن هناك الكثير من الطلاب الذين لا يلتزمون بارتداء العمة والكاكولا، والذي يرجع إلى غلاء هذا الزي، لذلك يعمل المعهد على توفيره للطلاب بأسعار مناسبة، حتى يحفظ الزي المميز للأزهريين بوقاره وقيمته المجتمعية والثقافية.

التعليقات