جامعة تل أبيب: مئات الطلاب والمحاضرين العرب واليهود يحيون ذكرى النكبة، واليمين يحرق الراية الفلسطينية

شارك المئات من الطلاب والمحاضرين العرب واليهود في جامعة تل أبيب، ظهر اليوم الاثنين، في مراسم إحياء "ذكرى النكبة الفلسطينية الـ 64"، استذكارا لتهجير مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وهدم مدنهم وقراهم، وتأكيدا على حقوقهم المشروعة والعادلة بالعودة وتقرير المصير.

جامعة تل أبيب: مئات الطلاب والمحاضرين العرب واليهود يحيون ذكرى النكبة، واليمين يحرق الراية الفلسطينية

شارك المئات من الطلاب والمحاضرين العرب واليهود في جامعة تل أبيب، ظهر اليوم الاثنين، في مراسم إحياء "ذكرى النكبة الفلسطينية الـ 64"، استذكارا لتهجير مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني وهدم مدنهم وقراهم، وتأكيدا على حقوقهم المشروعة والعادلة بالعودة وتقرير المصير.

أقيمت المراسم في ساحة "أنطين" المركزية أمام جامعة تل أبيب، المقامة على أنقاض قرية الشيخ مونس، وذلك بعد أن ألغى أمن الجامعة إقامتها داخل الحرم الجامعي لدواعي وصفها "بالأمنية"، وقد تواجد عدد كبير من رجال الشرطة الذين نصبوا الحواجز في المكان، وكان من بين الحاضرين عضوا الكنيست عن الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، محمد بركة وحنا سويد، بالإضافة إلى الفنان محمد بكري، وعدد من الناشطين من مختلف الأحزاب والحركات في الداخل الفلسطيني.

المنظمون: أردنا أن نحيي ذكرى النكبة بمراسم ذات طابع رسمي

ووفقا لمنظمي الحدث، وهم جمعية "زوخروت"، و"ترابط"، و"الجبهة الطلابية"، و"خيمة 48"، فإن الهدف من أن يكون الحدث على هيئة مراسم تأخذ طابعا رسميا، التأكيد على أنه "آن الأون لأن يتحدث الجميع، وبصبغة رسمية، عن النكبة، في كل سنة، وأن نقوم بطرح الوقائع كما هي، وأن نمنح منصة للروايات الشخصية التي تعكس الرواية الفلسطينية، وأن نستذكر كذلك القرى المهجرة واللاجئين، وأن ندعو إسرائيل إلى الاعتراف والاعتذار عما ارتكبته عام 1948 وما ترتكبه إلى الآن"، كما قالت الطالبة والناشطة رلى خلايلة.

وأضافت خلايلة: "إذا كانت المؤسسة الاسرائيلية تنظم مراسم رسمية كل عام إحياء لمناسباتها القومية، مستندة إلى الآيدولوجيا والخطاب الصهيونيين، فنحن أيضا من حقنا أن نستذكر نكبتنا بطقوس رسمية."

اليمين يحرق العلم الفلسطيني.. والشرطة تعتقل سكرتير التجمع الطلابي

وفي المقابل، تظاهر العشرات من حركة "إم ترتسو" الصهيونية، ومن عناصر اليمين المتطرف، كان على رأسهم عضو الكنيست ميخائيل بن آري، وباروخ مارزل، الذي قام بشرب النبيذ "احتفالا" بإقامة دولة إسرائيل.

وقد قام عناصر اليمين برفع الرايات الاسرائيلية، وعملوا على إحراق العلم الفلسطيني، ووجهوا للمشاركين العرب واليهود الشتائم القبيحة، والحركات البذيئة، ودعوة العرب إلى الرحيل، ووصفوا اليهود المناصرين للقضية الفلسطينية بـ "الخونة"، واصفين النكبة بأنها "كذبة".

وقد تظاهر عناصر اليمين رغم عدم حصولهم على إذن من الأمن الجامعي، واستخدموا مكبرات صوت قوية وصافرات للتشويش على سير أحداث المراسم، دون أن يتدخل الأمن الجامعي ويمنعهم من ذلك، وهو نفسه كان قد منع المنظمين لمراسم إحياء ذكرى النكبة من استخدام المكبرات الصوتية اللازمة.

ووفقا لشهود عيان تواجدوا في الموقع، فقد هاجم عناصر اليمين منصة الحدث، وحاولوا تمزيق لافتات رفعت خلفها، إلا أن الطلاب العرب تصدوا لهم، وقام بعض عناصر اليمين بالاعتداء على الطالب رامي حيدر، سكرتير التجمع الطلابي في جامعة تل أبيب، الذي اعتقل على الفور من الشرطة، ويقوم "مركز عدالة" بمتابعة قضيته.

من جهتها أوضحت الناطقة بلسان الشرطة للإعلام العربي، لوبا السمري حول الاعتقالات قائلة: "أقيمت مظاهرة قانونية لعرب ويهود من اليسار، وذلك لإحياء ذكرى النكبة، بالمقابل نظمت مظاهرة لعناصر من اليمين الاسرائيلي، وتواجدت بالمكان قوات من الشرطة التي عملت على الحفاظ على النظام العام، واعتقلت 3 مشبوهين بالإخلال بالنظام العام، منهم طالب عربي، وتم إحالتهم للتحقيق بشرطة تل أبيب"، وهو ما ينفيه طلاب تواجدوا في المكان، والذين يؤكدون أن الاستفزازات والتهجمات بدأت من عناصر اليمين.

رلى خلايلة وساعر ساكلي: نتحمل مسؤولية الاستذكار وعدم النسيان

تولى عرافة المراسم، الناشطان رلى خلايلة وساعر ساكلي، وقد جاء في كلمة الافتتاح التي قدموها: "نجتمع هنا اليوم، يهودا وعربا، لنذكر مأساة الشعب الفلسطيني، النكبة الفلسطينية، القتلى والمهجرين من قراهم، الذين لم يسمح لهم بالعودة وأضحوا لاجئين داخل وطنهم وفي مخيمات اللاجئين."

وقالا أيضا: "في الذكرى الـ 64 للنكبة، نستذكر 530 قرية دمرت، بعض أهلها هجر وبعضهم قتل، وبعضم لجأ تحت تهديد القتل ولم يسمح لهم بالعودة.. 95% من سكان المدن، وأكثر من 750 ألفا من كافة أنحاء البلاد تحولوا إلى لاجئين يملؤون المخيمات، ونحن نرفض أن ننساهم."

وجاء أيضا: "بقيت دور السينما يتمية، المطابع العربية خربت، قاعات المسرح والنوادي أفرغت، الحكواتيون أسكتوا، الحراك السياسي والثقافي دمر، والعربية تحولت إلى غريبة في وطنها".

وحول تداعيات النكبة جاء: "هذه هي الكارثة التي منعنا من الاعتراف بها وإحيائها، والتي لم نتعامل حتى اليوم مع تداعياتها المستمرة، وفد فرض بعدها الحكم العسكري، وصودرت الأراضي، واستمر التمييز، والاضطهاد السياسي، وقام نظام المتساويين واللا متساوين، المواطنين والمواطنين من الدرجة الثانية."

واختتم العريفان كلمتهما بالقول: "نتحمل كبشر واجب الاستذكار وعدم النسيان.. قد تختلف قصصنا، ولكن حيواتنا وحريتنا أمر مقدس."

"لماذا تركت الحصان وحيدًا".. وقصص شخصية عن الهجرة واللجوء

كما قامت رلى خلايلة بتعداد عدد من أسماء القرى والمدن الفلسطينية المهجرة من النقب وحتى الجليل، وإلقاء قصيدة "أبد الصّبّار" للشاعر الفلسطيني محمود درويش، من ديوانه "لماذا تركت الحصان وحيدًا"، والتي تتحدث عن تجربة تهجيره وعائلته من قرية البروة قضاء عكا.

ثم قام بعد ذلك عدد من أبناء المهجرين واللاجئين الفلسطينيين، بالتحدث عن قصصهم الشخصيّة، وكيف تم تهجير عائلاتهم، وكيف منعوا من العودة إلى قراهم، وبني فوق قراهم وبيوتهم مستوطنات اسرائيلية، وهم جبر بصل الذي ينتمي لعائلة هجرت من البروة ويقيم حاليا في الجديدة المكر، ورسول سعدة ينتمي لعائلة هجرت من ميعار ويقيم حاليا في شفاعمرو، ورنا رسلان التي هجرت عائلة والدتها من المجيدل، ورلى خلايلة التي هجرت عائلتها من مجد الكروم، ثم عادت رغم كل محاولات إفشال ذلك، وأخيرا جهاد كيال الذي هجرت عائلته من البروة، وجميعهم من الداخل.

جاد قعدان: أشعر بالفخر من الموقف الموحد للعرب واليهود في الجامعة

بدوره، قال الطالب والناشط الاجتماعي جاد جمال قعدان: "كطالب في جامعة تل أبيب، فإنني أسجل أمورا إيجابية وأخرى سلبية من هذا الحدث.. أما الإيجابي والذي يدفعني إلى التفاؤل، فهو أننا تمكننا أن ننجح مثل هذا الحدث، وأن يشارك به المئات، رغم الأصوات الفاشية في المجتمع والحكومة الإسرائيليين، وأثبتنا أننا أحرار فكرا وموقفا.. إن أكثر ما منحني شعورا بالفخر، هو الموقف الموحد المشترك للعرب واليهود، الذين وقفوا معًا ضد القطيع السائر وراء السياسيات الصهيونية القامعة والتي تمس بأبسط أسس حقوق الإنسان."

وأضاف: "أما الأمر السلبي، فهو استيائي الشديد من موقف الجامعة شبه المتخاذل، عندما طردتنا خارج الجامعة، ووضعوا على المنظمين والمشاركين تقييدات رهيبة لم تقع بالمقابل على اليمين المتطرف."

وسيم حجو: قصتنا قصة واحدة من 800 ألف قصة.. وأتمنى أن نعود إلى قريتنا

أما الطالب وسيم حجو من جامعة تل أبيب، والمهجر أهله من قرية لوبية، فقال: "بصفتي لاجئ من قرية لوبية، أرى أنه من الملح أن تعترف دولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي بالحقائق التي حدثت عام 1948، وأن يتوقفوا عن إنكار ما حدث وتزوير الحقائق.. أن يعترفوا أن شعبا آخر كان هناك، وبالمقابل فعليهم أيضًا أن يخرجوا من فقاعة الخوف التي يعيشون فيها، بأن هذا الحدث أو غيره هو مسح الوجود اليهودي في البلاد، كل ما نريد هو الاعتراف بالنكبة والاعتذار عنها والتسليم بأن للشعب الفلسطيني حق على هذه الأرض وفيها، كونه صاحبها الأصلاني."

وأضاف: "من عيش كريم في قرية لوبية، تحول حياة أجدادي إلى جحيم، لسنوات طويلة عانت عائلة والدي من الفقر والحرمان بعد أن فقدوا قريتهم وكل ما يملكون.. وقصتنا هي قصة واحدة من 800 ألف قصة، نطالب بأن تذكر وأن يعترف الآخر بها، وأن نعود إلى قريتنا."

وقال طالب الفلسفة في جامعة تل أبيب، أوري إنزنبيرغ حول انطباعه عن الحدث: "أعتقد أن الحدث اليوم أوضح الفوارق بين الجانب اليميني المتطرف الذي يستخدم العنف نهجا، ويحاول أن يفرض رأيه بالقوة والعنجهية، مستخدما مقولات العنصرية والكراهية، ويقوم أفراده بإخافة الناس واستعمال كل أشكال التحريض، وبين الجانب الآخر الذي كان هو الغالبية الحاضرة اليوم، الذي جاء لإسماع صوته بطريقة حضارية ومسؤولة."

شروط صارمة فرضها الأمن الجامعي على المنظمين

يذكر أن إدارة جامعة تل أبيب كانت قد أعطت بداية إذنا للمنظمين بإقامة المراسم داخل الحرم الجامعي، وتحديدا في مبنى "نفتالي" (كلية العلوم الاجتماعية)، إلا أن الأمن قرر أن ينقل الحدث إلى ساحة "أنطين" لدواعي أمنية، كما وصفها، واضعا شروطا صارمة على المنظمين، من بينها منع رفع الأعلام والشعارات، ومنع استخدام مكبرات الصوت، ومنع أي هتاف، ومنع توزيع أي مواد، واشترط أن يقوم المنظمون بتوفير الأمن للحدث، بحجة أن الأمن الجامعي لا يمكنه أن يوفر الحماية للمظاهرة على حساب الجامعة، لأن ذلك يتعارض مع "قانون النكبة" الذي يمنع أي مؤسسة تتلقى دعما ماديا من الدولة المشاركة والمساهمة في أي حدث يتعلق بإحياء ذكرى النكبة.

وقد قام المنظمون بالاعتراض على هذه الشروط لدى رئيس الجامعة، إلا أنه أبلغهم بعدم قدرته على التدخل بالإجراءات التي يفرضها الأمن الجامعي.

ويشار أيضا إلى أن وزير التربية والتعليم، جدعون ساعر، وإثر الضجة الإعلامية التي أثارها تنظيم الحدث، قام بالاتصال برئيس جامعة تل أبيب، والطلب منه أن تمنع الجامعة إقامة الحدث، لأن هذا يتعارض مع "قانون النكبة"، وهو ما لم يستجب له رئيس الجامعة حتى لا تهم الجامعة بتقييد حرية التعبير.

التعليقات