مِحنة المنح: المعيقات أمام الطالب العربيّ للحصول على منح دراسيّة

تكشف المعايير والمتطلّبات والتفاصيل أنّ أغلب هذه المنح مغلقة أمام الطلاب العرب حيث يتمّ إقصاؤهم من خلال شروط الخدمة العسكريّة والوطنيّة الإسرائيليّة، ومعيار تفضيل طلاب "مناطق التطوير" و"الأفضليّة القوميّة" و"خطّ المواجهة" وغير ذلك، وحصر المنح بمواضيع الصهيونيّة واليهوديّة

مِحنة المنح: المعيقات أمام الطالب العربيّ للحصول على منح دراسيّة

جمعيّة الثّقافة العربيّة

مشروع التمكين الشبابيّ

الراصد الأكاديميّ

مِحنة المنح: المعيقات المباشرة وغير المباشرة أمام الطالب العربيّ للحصول على منح دراسيّة

إصدار: جمعيّة الثّقافة العربيّة.

إشراف عامّ: د. روضة عطا الله.

إعداد: نداء نصّار، يارا سعدي.

تحرير: إياد برغوثي.

تصميم: إيمان عودة.

يصدر التقرير ضمن مشروع "الراصد" وبرنامج "التمكين الشبابيّ"، بدعم من صندوق المجتمع المفتوح (لوغو)

مقدّمة

يعاني الطلاب العرب في الجامعات والكليّات الإسرائيليّة من شحّ إمكانيّات الحصول على منح دراسيّة، وذلك بالرغم من وفّرة المنح التي تقدّمها المؤسّسات الأكاديميّة والجهات المعنيّة في إسرائيل. هذه المعضلة تتحوّل إلى إشكاليّة هامّة على ضوء الوضع الاقتصاديّ للمجتمع العربيّ الفلسطينيّ داخل إسرائيل، حيث أنّ نصف العائلات تحت خطّ الفقر مقابل ما يقارب ال20% في المجتمع اليهوديّ الإسرائيليّ[1].

يستعرض هذا التقرير، بعض المعيقات التي قد رُصدَت في ما يتعلق بمناليّة المنح الدراسيّة للطلاب العرب في مراحل التعليم الأكاديميّة الثلاث، وذلك من خلال تتبّع المنح الدراسيّة المعلنة في السنة الدراسيّة الجامعيّة  2011/2012، معتمدين على قائمة المنح المقرّة سنويّا من اتّحاد الطلاب الجامعيّين في إسرائيل[2]، إضافةً إلى بعض المنح التي لم تدرج في القائمة، والتي تمّ الاستدلال عليها من خلال بحث أجري في مواقع الجامعات الخمس الأساسيّة؛ (الجامعة العبريّة في القدس، جامعة تل أبيب، جامعة حيفا، جامعة بئر السبع وجامعة بار إيلان).

سجلّ المنح السنويّ كمرجع للمعايير والمعيقات

يرتكز التقرير على سجلّ المنح السنويّ الصادر عن اتحاد الطلاب الجامعيّين في إسرائيل، وهو أكبر مرجع للمنح الصادرة عن الجامعات والصناديق المختلفة. وبالرغم من ذلك، تجدر الإشارة إلى أنّ هناك العديد من التفاصيل والمعلومات الناقصة في ما يخصّ كلّ منحة، ممّا يندرج أيضًا ضمن المعيقات الكامنة في هذا السياق، تحديدًا تلك التي تتطرّق إلى عدم وضوح ودقّة المعايير التي تفرز وفقًا لها استحقاقات المنح المختلفة، وبالتالي، توفّر للأجسام المانحة إمكانيّة اختيار الطلاب بطرق ضبابيّة.

تحدّد صناديق المنح معايير عديدة أهمّها: شريحة الهدف، تخصّصات الدراسة ومجالات البحث، المؤسّسة الأكاديميّة المانحة، الجهة المزوّدة للمنحة المحدّدة، مكان السكن ومسقط رأس الوالدين، الأهداف الاجتماعيّة والسياسيّة المتوخى تحقيقها جرّاء تخصيص المنحة، ومعايير أخرى عديدة.

بهدف تيسير عرض المعيقات، سنقوم بتفصيل أنواع المنح الموضّحة في السجلّ وما تتضمنه من معيقات خاصّة ضمن كلّ محور، ومن ثمّ عرض المعيقات العرضيّة المتخلّلة لكافّة أنواع المنح.

1.     منح اتّحاد الطلبة الجامعيّين في إسرائيل:

يقدّم اتّحاد الطلبة الجامعيّين في إسرائيل نحو 12 منحة تتفرع إلى 6 منح أساسيّة، تمتاز جميعها بالمقابل التطوعيّ الواجب تنفيذه، مقابل استلام مبلغ ماليّ حُدّد ضمن كلّ منحة. 7 من أصل 12 منحة خُصّصت لمشروع يهدف إلى مساندة المواطنين "القدامى" (المسنّين)، وخُصّصت منح أخرى ل: مساندة الشبيبة المتجوّلين في الأماكن المشبوهة والخطيرة ليلًا (بالتعاون مع المجالس المحليّة ووحدات تطوير الشبيبة)، التوعية للحذر على الطرقات، تشجيع التطوّع والعمل المجتمعيّ، كما خُصّصت منحتان أخريان لمناهضة اللاساميّة على الإنترنت ولتطوير التربية للموروث اليهوديّ والانتماء للأرض والشعب اليهوديّ.                                                                              

في الوقت الذي يبدو فيه، للوهلة الأولى، القسم الأكبر من المنح ذا مناليّة للطلبة العرب (باستثناء المنحتين الأخيرتين اللتين تقصيان شريحة الطلاب العرب مسبقًا من حيث جوهر الأهداف الموضحة) يتّضح أنّ ربط استحقاق المنحة مع الخدمات الاجتماعيّة ومشاريع وبنى تحتيّة غير متوفّرة أصلًا في البلدات العربيّة (وحدات تطوير الشبيبة، بيوت المسنّين...)، هو عمليّا إقصاء غير مباشر للطلاب العرب القادمين من بلدات محرومة من هذا الخدمات والمشاريع والبنى التحتيّة.

2.     منح المشاركة الاجتماعيّة التطوّعيّة:

تقدّم جمعيّات وأطر أهليّة منحًا بهدف تشجيع المشاركة الاجتماعيّة للطلاب، تشترط هذه المنح التطوّع والانخراط في المشاريع الاجتماعيّة لتلقّي المنح المرتبطة بأجندتها وأهدافها. يثير هذا النوع من المنح إشكاليّات عديدة تصبّ كلّها في سؤال مناليّة المنح الجامعيّة للطلاب الجامعيّين العرب.

يعرض سجلّ المنح 9 منح أساسيّة ضمن هذا الباب. تتعدّد أهداف الأخيرة لتشمل: تدريس أطفال وشباب من خلفيّات اقتصاديّة اجتماعيّة متدنيّة، دعم أطفال وشباب في خطر، دعم الاستيطان في الجليل والنقب وتطوير الحياة الاجتماعيّة فيهما، تطوير قيادة اجتماعيّة واقتصاديّة مستقبليّة، تقليص الفوارق وتطوير تكافؤ الفرص في منظومة التعليم في إسرائيل، تطوير التكافل الاجتماعيّ والحصانة القوميّة للمجتمع الإسرائيليّ على أسس ديمقراطيّة صهيونيّة، دعم شريحة المثليّين والمثليّات ورفع مكانتهم في المجتمع الإسرائيليّ، وأهدافا فرعيّة أخرى.

باختصار، تشترط أربع من أصل تسع منح، ضمن هذا الباب، الخدمة العسكريّة أو المدنيّة للتقدّم للمنحة، في حين تدرج ثلاثة أطرٍ أخرى أهدافا صهيونيّة الجوهر ضمن مجمل أهدافها، لذلك فهي تسهم في عملية تشويه الهويّة الوطنيّة للطالب/ة العربيّ/ة من خلال تعريضه لجولة أخرى من المضامين الإسرائيليّة الصهيونيّة الموجّهة، مكمّلة "مهمّة" مناهج التعليم المشوِّهة في المدارس العربيّة.

يثير هذا النوع من المنح، في سياق الطلبة العرب الفلسطينيّين في إسرائيل، تساؤلات أساسيّة حول من يحدّد ما هي المنفعة العامّة؟ ما هو سقفها؟ معطياتها وتفصيلاتها؟ وعن أيّ مجتمع تحديدًا يدور الحديث؟ في السواد الأعظم من الحالات، يدور الحديث عن مشاريع ومساهمات لا تتلاءم واحتياجات المجتمع العربيّ، كما لا نجد أيّة مشاريع تتعاطى مع قضايا تتناقض مع الإجماع السياسيّ بالدولة اليهوديّة. في خضمّ هذا كلّه، ومن منظور واسع، يبقى توفير الدعم الماديّ للطالب العربيّ رهينةً لما ترتئيه المؤسّسة المانحة ضمن عناوينها الفضفاضة.

3.     منح الجامعات والمؤسّسات الأكاديميّة المختلفة:

يورد سجلّ المنح نحو 43 منحة ضمن هذا الباب، وهي منح مقدّمة من الجامعات والمؤسّسات الأكاديميّة المختلفة، ويعتبر هذا النوع من المنح مركبًا أساسيّا في منظومة المنح المخصّصة للطالب الجامعيّ، لما يمثّله من دعم مقدّم من المؤسّسة التي يقصدها الطالب لتلقّي تعليمه الأكاديميّ.

ترتكز هذه المنح على معايير تقصي الطلاب العرب وتتضمّن عددًا من الإشكاليّات، أهمّها:

                   i.            عدم وضوح معايير استحقاق المنح.

                 ii.            مَنْح نقاط استحقاق إضافيّة للملتحقين بالخدمة العسكريّة والخدمة الوطنيّة الإسرائيليّة، وخصوصًا للملتحقين بالوحدات القتاليّة في الخدمة العسكريّة.

              iii.            تخصيص منح ونقاط استحقاق إضافيّة للمهاجرين اليهود من خارج البلاد.

              iv.            مَنْح نقاط استحقاق إضافيّة تشكّل معايير إقصائيّة للطلاب العرب، مثل معيار"مناطق التطوير" و"الأفضليّة القوميّة" و"خطّ المواجهة"؛ حيث أن قسمًا بسيطًا جدّا من البلدات العربيّة يقع ضمن هذه البلدات التي تحظى باستثمارات حكوميّة، وذلك بالرغم استحقاقها لذلك من حيث المستوى الاجتماعيّ والاقتصاديّ المتدني للعديد من البلدات العربية، ورداءة بنيّتها التحتيّة وموقعها الجغرافيّ. 

4.     منح حسب تخصّصات التعليم ومجالات البحث

يتضمن سجلّ المنح الصادر عن اتّحاد الطلاب الجامعيين في إسرائيل نحو 23 منحة ضمن هذا الباب، بحيث تتشعّب المنح المذكورة لتشمل تخصّصات تعليميّة مختلفة، ومجالات بحث عينيّة ومحدّدة مقابل استلام منحة ماليّة لمرّة واحدة، أو تفرّغا لفترة محدّدة من الوقت مقابل مرتّب شهريّ ثابت.   

من ضمن كافّة الموضوعات المطروحة من الجامعات، التي  يفترض أنّها موكلة بإطلاق حريّة البحث والحفاظ على المعايير الأكاديمية المتعارف عليها دوليّا، تتخصّص العديد من المنح المتاحة في موضوعات يهوديّة وصهيونيّة مثل الموروث اليهوديّ والحركة الصهيونيّة والاستيطان، بينما لا توجد أية منحة لتشجيع الأبحاث المتعلّقة بتطوير المعرفة في مجالات ذات صلة بالمجتمع العربيّ.

يتفاقم التمييز ضدّ الطلاب العرب من خلال هذا التفضيل في مناليّة المنح لموضوعات بحث معيّنة على ضوء خصخصة التعليم الأكاديميّ في إسرائيل، إذ يحظى الطالب اليهوديّ بدعم استثمار رأس المال اليهوديّ والعالميّ للرفع من شأن البحث الأكاديميّ وتطوير المعرفة على أشكالها، بينما يبقى الطالب العربيّ رهينةَ للمخصّصات الهزيلة التي قد توفّرها الدولة، أو لمساهمات عربية وطنيّة محدودة.

5.     منح المجالس المحليّة والبلديّات لدعم الطلاب الجامعيّين

نظريّا، توفّر العديد من المجالس المحلية والبلديّات منحًا لدعم الطلاب الجامعيّين التابعين لمناطق نفوذها. إلا أنّ هذه المبالغ ضئيلة جدّا، وغير متوفّرة بشكل مستمرّ، وذلك بسبب الأزمة الماديّة التي تعاني منها هذه الأطر لأسبابٍ عدّة أبرزها التمييز العنصريّ ضد المواطنين العرب وعدم التوزيع العادل للموارد.

6.     منح مخصّصة للجنود المسرّحين والمنخرطين في الجهاز العسكريّ

علاوة على نقاط الاستحقاق الإضافيّة التي تهبها العديد من الصناديق لمُسرّحي الخدمة العسكريّة الإسرائيليّة، تخصّص صناديق أخرى كلّ منحها للجنود الإسرائيليّين المُسرّحين، الجنود المنخرطين سابقًا في وحدات قتاليّة خاصّة، الجنود ال"وحيدين" وآخرين ممّن خدموا في منظومة الخدمة الوطنيّة الإسرائيليّة. في هذا الصدد يورد سجلّ المنح الخاصّ باتّحاد الطلاب الجامعيّين في إسرائيل نحو 9 منح خُصّصت لهذا الهدف، وهي بالمجمل منح فُرزت على اسم شخصيّات بارزة، أو صناديق تعنى بدعم هذه الشريحة على وجه التحديد.

نقاط ضوء

تتفرّع المعيقات والأسباب الكامنة من وراء شحّ الموارد والمساعدات الماديّة المباشرة وغير المباشرة المخصّصة للطلاب العرب في مسيرتهم التعليميّة، إلا أنّ جميعها تصبّ ضمن سياسات الإقصاء وتقويض كافّة المقوّمات النهضويّة للمجتمع العربيّ.

هناك مجموعة من الصناديق التي تطوّرت في السنوات الأخيرة لتوفير منحٍ مخصّصة للطلبة الجامعيّين العرب، بمبادرة من القطاع الخاصّ (شركات وبنوك) ومؤسّسات أهليّة، وهي مبادرات تشكّل نقاط ضوء وتحتاج إلى دراسة منفصلة وتقييم.

يذكر أنّ جمعيّة الثّقافة العربيّة، التي تصدر هذا التقرير، تنّفذ منذ ستّة أعوام مشروع المنح الدراسيّة المقدّمة من مؤسّسة الجليل في بريطانيا، والمخصّصة للطلّاب والطالبات الجامعيّين من فلسطينيّي الداخل، من كافّة المناطق والمجالات التعليميّة. وقد قدّمت الجمعيّة ضمنه مئات المنح وتسعى لاستمرار المشروع وتوسّعه، خاصّة على ضوء التمييز المتفاقم ضدّ الطلاب العرب في مناليّة المنح.

كلمة أخيرة

في حين يُظهر سجلّ المنح أن هناك عددًا كبيرًا من المنح المتوفّرة للطلاب العرب، تكشف المعايير والمتطلّبات والتفاصيل أنّ أغلب هذه المنح مغلقة أمامهم، حيث يتمّ إقصاء الطلاب العرب من خلال شروط الخدمة العسكريّة والوطنيّة الإسرائيليّة، ومعيار تفضيل طلاب "مناطق التطوير" و"الأفضليّة القوميّة" و"خطّ المواجهة" وغير ذلك، وحصر المنح بمواضيع الصهيونيّة واليهوديّة.

يتحول هذا التمييز إلى عائق جدّيّ في مجتمع مُفْقَر، ويكشف طرق التمييز غير المباشرة ضدّ العرب، والتي تجعل من الحريّات والحقوق التي تفتخر فيها إسرائيل كحقّ التعليم للجميع بعيدًا جدّا عن الممارسة والواقع.

 

 



[1]  تقرير مركز عدالة "The Inequality Report" http://adalah.org/upfiles/2011/Adalah_The_Inequality_Report_March_2011.pdf

[2]  قائمة المنح المقرة سنويًا من قبل اتّحاد الطلبة الإسرائيليّ http://nuis.tagonet-ltd.com/scholarships_book_index.php

 

التعليقات