8 آذار: هل من داع للاحتفال؟

وفي فلسطين، ليوم المرأة طابع خاص وخصوصية، فنضالها لا يقتصر على المجتمعي أو السياسي المطلبيّ، بل إنها جزء لا يتجزأ من الثورة والنضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وقبل أن تكون أم الشهيد وأخت الشهيد هي مناضلة متساوية الحقوق والواجبات النضالية.

8 آذار: هل من داع للاحتفال؟

يصادف اليوم الأحد، الثامن من آذار (مارس)، يوم المرأة العالمي ضد الظلم والاضطهاد، ويوم للاحتفاء بالإنجازات النسوية على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويوم له رمزيته النسوية النضالية.

ويعود تاريخ يوم المرأة العالمي للعام 1856، إذ خرجت آلاف النساء للاحتجاج على ظروف العمل وساعات العمل الطويلة. وفي الثامن من آذار (مارس) 1909 عادت الآلاف من النساء العاملات في مصانع النسيج في الولايات المتحدة للخروج في مظاهرات حملت هذه المرة بالإضافة إلى المطالب العمّالية مطالب سياسية واجتماعية كالمساواة ووقف تشغيل الأطفال والحق في الانتخاب تحت عنوان 'خبز وورود'.

وفي العام 1910 اقترحت الناشطة النسوية والسياسية الألمانية، كلارا زيتين، الاحتفال بيوم المرأة العالمي خلال مؤتمر الأممية الاشتراكية في الدنمارك، وأقر يوم 19 آذار (مارس) يوماً للاحتفال بالمرأة في كل من ألمانيا وسويسرا والنمسا والدنمارك. وفي المقابل أصبح الاحتفال بالمرأة في روسيا آخر كل يوم أحد من شباط (فبراير). وبعد نجاح الثورة الروسية عام 1917، أصبح الثامن من آذار (مارس) عيداً رسمياً يحتفل فيه الاتحاد السوفييتي. ومن الجدير ذكره أن احتفالات يوم المرأة كانت جزء من مظاهرات السلام لإنهاء الحرب العالمية الأولى.

وفي العام 1977 فقط، أقرت الجمعية العمومية للامم المتحّدة يوم 8 من آذار، كيوم رسمي للاحتفال بالمرأة.

وفي فلسطين، ليوم المرأة طابع خاص وخصوصية، فنضالها لا يقتصر على المجتمعي أو السياسي المطلبيّ، بل إنها جزء لا يتجزأ من الثورة والنضال الفلسطيني ضد الاحتلال والصهيونية، وقبل أن تكون أم الشهيد وأخت الشهيد هي مناضلة متساوية الحقوق والواجبات النضالية. ويرمز فيها هذا اليوم لتجديد العهد النضالي والتأكيد على أن المرأة الفلسطينية والنضال النسوي عموماً يشكّل عاموداً للثورة على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وبالتزامن مع يوم المرأة العالمي، يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي 20 مرأة فلسطينية بظروف قاسية، بالإضافة إلى آلاف النساء يعانون الحواجز والذل والقمع المجتمعي والسياسي بشكل يومي.

سهير أسعد: أرفض السعي لتحسين 'وضع النساء العربيات' دون التواصل مع سياق هذا الوضع

ترى الناشطة السياسية والنسوية سهير أسعد، أنها 'لا تتواصل مع يوم المرأة كيوم احتفالي بالنساء أو احتفائي بإنجازات الحركة النسوية، فأنا لا أتناول النسوية كمسألة تتعلق بحقوق النساء ومكانتهن فحسب، وهذا مهم طبعًا، بل كفلسفة أخلاقية محرّكة للنضال والتحرر من كافة مصادر وأشكال القمع أيًا كانت، وأولها الاستعمار، وكسعي دائم نحو تحقيق العدالة والحرية والمساواة'.

وأضافت أن 'أصل ارتباط النساء بالمشروع النسوي التحرري هو كونهن حاملات لهوية ومشروع ضحية. وفي حال تطرّقنا لتمثيل النساء على سبيل المثال، فنحن لا نقيسه بالمفهوم العددي له، ومفهوم مكانة المرأة كفرد، وهو مهم. بل نسعى له أيضًا استنادًا إلى الفرضية القائلة بأن الضحية تسعى للعدالة، فنفترض أنها ستسعى لها أيضا حين تملك القرار، دون اندماج بالمنظومة القائمة بشكل يعيد تكريس منظومة السيطرة، ويعيد استنساخ واقع القمع والاستقواء الذي تمارسه. لذلك، كناشطة نسوية فلسطينية، أرفض توجيه مطلب تحقيق العدالة والسعي للتحرر وانتزاع الحقوق نحو مجتمعي الواقع تحت الاستعمار وفي حيزه فقط، وأرفض السعي 'لتحسين وضع النساء العربيات' دون التواصل مع سياق هذا الوضع، أي الصهيونية والاحتلال القامع الأساسي لشعبي بنسائه ورجاله على حد سواء والمعني الأول بإبقائه غارقًا في ممارساته الرجعية كجزء من إحكام السيطرة عليه'.

واختتمت حديثها بالقول: 'لأني أؤمن أن النسوية هي مشروع الضحية، أؤمن أيضاً بأن على هذا المشروع أن يتسع لأكثر الضحايا تهميشاً، وعلى هدفه أن يتواصل مع أسباب قمعهن وعلى نضاله ووسائله أن تكون متاحاً لهن أيضاً'

حنين معيكي: المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية ليست امتياز، بل ضرورة

وهذا العام لا يمكن التطرق إلى يوم المرأة دون تناول المشاركة السياسية خصوصا وأننا على بعد أيام من الانتخابات البرلمانية، والتي على ما يبدو ستشهد انجازا نسويا جديدا بإرسال مرشحتين (لأول مرة) في القائمة المشتركة إلى الكنيست، النائبة حنين زعبي والناشطة السياسية والنسوية عايدة توما.

وعن المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية، قالت الناشطة النسوية حنين معيكي، إن 'المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية حتى الآن تظهر كامتياز لها، ولكنها بنظري ليست امتيازا بل ضرورة. وهذه الضرورة نابعة من العلاقة ما بين النظام الاستعماري والذكورية المتأصلة فيه، ومن كون الذكورية والاستعمار سيان تتغذى من الرجعية المجتمعية'.

وأضافت أن 'مكانة المرأة الفلسطينية في النضال متأثرّة من المشروع السياسي التحرّري، فمشروع سياسي تحرّري واسع يرفع بالموازاة من مكانتها ووجودها والعكس صحيح، إذ تعامل أكثر رجعي مع المرأة من شأنه أن يكون دليلاً على مشروع سياسي أقل فاعلية'.

وتطرّقت معيكي ليوم المرأة العالمي وقالت إن 'العالمي يمسح الاختلاف في السياقات والاختلافات والخصوصية، ويسطّح هذه الاختلافات الجوهرية'. وأضافت أن 'الاحتفال بيوم المرأة العالمي وإنجازات المرأة خال من الإنجازات، عن أي إنجازات نتحدّث؟ أصبح الاحتفال بيوم المرأة شكليا واستهلاكيا يعيد إنتاج ذات علاقات القوة التي على النضال النسوي أن يفكّكها، فالمشروع الوطني كله في انحدار ومكانة المرأة لا يمكن فصلها على السياق السياسي والاجتماعي'.

سوار عاصلة: علينا إعادة النظر في كل التغيير الذي حصل في مكانة ودور المرأة

تؤكد الناشطة سوار عاصلة أإن 'المرأة تجسّد وتمثّل الانسان المضطهد والمقموع، والمرأة الفلسطينية بشكل خاص تشكّل مثالاً للمرأة التي تواجه أشكالاً عديدة من الاضطهاد بدءًا من الاحتلال العسكري والسياسي حتى المجتمعي'.

وتابعت: 'في يوم المرأة نقول إن دور المرأة الفلسطينية في تراجع واضح، ولعل هذا يعود لتراجع المشروع الوطني ككل، فمنذ زهرة الأقحوان الجمعية النسوية التي تبنت الكفاح المسلّح، وصولاً للانتفاضة الأولى ودور المرأة الفلسطينية الفلّاحة في يوم الأرض، وإقصاء المرأة الفلسطينية من الساحة النضالية في الانتفاضة الثانية حتى يومنا هذا الذي أصبح فيه وجود المرأة في ساحات النضال نضال بحد ذاته نرى تراجعاً واضحاً'.

وأضافت أن 'ما علينا فعله الآن هو إعادة النظر في كل التغيير الذي حصل في مكانة ودور المرأة، وضرورة إعادتها إلى مكانها في الصفوف الأمامية على الصعيد التوعوي والمشاركة السياسية ولا أنكر وجود بوادر إلّا أنها ما زالت ضعيفة'.

هديل بدارنة: ما يتوجّب علينا فعله بدل الإحتفال هو تعرية هذه الاحتفالية

أمّا المحامية والناشطة النسوية، هديل بدارنة فترى أن 'مأسسة يوم المرأة أرغمتنا أن نتماشى مع المفاهيم الاحتفالية والنظرة الإمبريالية والاستهلاكية الاحتفالية عبر الإعلام'.

وأضافت بدارنة أن 'الحديث عن المرأة يتطرّق لفترات معينة، كمجد النساء في سوق العمل ما بعد الحرب العالمية الثانية، وانخراط المرأة الفلسطينية في النضال خلال الانتفاضة الأولى. هذه الموسمية مربوطة في ذات الفترات التي تتميّز بزعزعة للسلطة التي هي ذكورية بطبيعتها، وبالتالي خروج المرأة وبروز النضال النسوي في الحيز العام'. وتابعت: 'نحن نقيس بحسب الحيّز العام، ونغض النظر عن الخاص غير الموسمي والموجود دائماً'.

وتطرّقت بدارنة إلى يوم المرأة تحديداً وقالت إن 'إحياء يوم المرأة بهذا الشكل المعولم السطحي هو إحياء مفروغ، إذ أن ما يتوجّب علينا فعله بدل الإحتفال هو تعرية هذه الاحتفالية'.

وخلصت إلى أن 'موضعت النضال النسوي في خانة الاجتماعي والشخصي من دون التطرّق للسياسي والاقتصادي من شأنها أن تعيد تكريس الأبوية والذكورية وعلاقات القوة التي على النضال النسوي تفكيكها'. 

التعليقات