المحتوى العربي على الإنترنت .. إشكالية هوية

يعاني المحتوى العربي على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، حالة من الفقر الشديد والضعف؛ مقارنة بمحتويات غربية ودولية أخرى كالمحتوى الموجود باللغة الانجليزية والألمانية واليابانية والفرنسية، في ضوء ترتيب اللغة العربية للمركز السابع على ال

المحتوى العربي على الإنترنت .. إشكالية هوية

يعاني المحتوى العربي على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت"، حالة من الفقر الشديد والضعف؛ مقارنة بمحتويات غربية ودولية أخرى كالمحتوى الموجود باللغة الانجليزية والألمانية واليابانية والفرنسية، في ضوء ترتيب اللغة العربية للمركز السابع على الشبكة الدولية للمعلومات.

لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا"، كشف في دراسة صادرة لها عن وجود ندرة شديدة للمحتوى العربي على شبكة الإنترنت؛ حيث لا يتعدى المحتوى العربي على الشبكة الثلاثة بالمائة من إجمالي المحتوى العالمي؛ مما يشير إلى أن ضعف المحتوى العربي على الإنترنت يمثل تناقضا صارخا مع إسهامات وإنجازات الحضارة العربية عبر التاريخ؛ مما دعا الأمم المتحدة لإطلاق دعوة بضرورة أخذ مبادرة إنشاء بوابة المحتوى العربي الرقمي؛ لتعزيز استخدام التكنولوجيا الرقمية في مجالات الثقافة والأدب والتاريخ والاجتماع.

إذن؛ فهناك اشكالية حقيقية ، تتعلق بأزمة الهوية تنال من اللغة العربية في مجتمعاتنا العربية، واستخدامنا المفرط للغات الأجنبية وإهمالنا للغتنا الأم ، وقد بادرت كل من شركتي "مايكروسوفت"، و"جوجل"، بالمساهمة في تعميق اعتماد العرب على لغة "الفرانكو آراب"، والتي تعني كتابة اللغة العربية بلغات أجنبية من خلال إصدار برامج لتعريب "الفرانكو آراب"؛ حيث أصدرت "جوجل" خدمة تعريب، كما أطلقت شركة "مايكروسوفت" خدمة أسمتها "مارون".

وقد دعا متخصصو نظم المعلومات وعلوم الحاسب بجامعة السادس من أكتوبر، المصرية، المجمع العلمي للقيام بخطوات فعالة لحماية اللغة العربية، وأطلق عدد من الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة "فيس بوك"، و " توتير"، دعوات للحفاظ على اللغة العربية؛ تحت شعار "لغتنا الجميلة.. لا للفرانكو آراب" و"أنقذوا لغتنا الجميلة من أنياب الفرانكوفونية".

وفي دراسته "المحتوى العربي في الفضاء الإلكتروني: تحليل للمؤشرات الراهنة والاستراتيجيات المجتمعية اللازمة"، طالب د. إبراهيم إسماعيل عبده، بضرورة تطوير المحتوى العربي الإلكتروني؛ وبذل مزيد من الجهود لدعم عمليات التوثيق الإلكتروني للتراث العربي بمختلف جوانبه المتضمنة لكل من التراث العلمي، والتراث الإسلامي، والتراث الوثائقي، والتراث الشعبي، والتراث المعماري، والتراث الأدبي.. وغيره، وكذلك استخدام الميزة التنافسية الكامنة في وحدة اللغة في العالم العربي وتنمية القدرات البشرية لتطوير صناعة المحتوى الرقمي العربي.

ودعا كتاب ومثقفون عرب إلى ضرورة المساهمة في تطوير المحتوى العربي الإلكتروني من خلال مبادرة كل مواطن عربي بكتابة مقال باللغة العربية في مجال تخصصه أو اهتماماته. وأكدوا أن المحتوى العربي يعيش تحت خط الفقر؛ فأصبح من الضروري اتخاذ خطوات سريعة وفعالة لمعالجة هذه الأزمة؛ من بينها: تشجيع الترجمة للغة العربية، والكتابة باللغة العربية الفصحى؛ لتيسير فهمها داخل الوطن العربي، واحترام وحفظ حقوق الغير الإلكترونية؛ لذا تخرج شرعية المطالبة بضرورة اهتمام المؤسسات العلمية العربية بمشاريع الرقمنة للمصادر العربية، والذي يعني عملية تحويل المعلومات من مصادرها التقليدية إلى صيغ رقمية؛ في ضوء فقر وضآلة المحتوى العربي على الإنترنت؛ فضلا عن أن التراث العربي كاملًا – بشتي معارفه –  قد يصاب بالعطب في الاكتفاء بتدوينه في كتب ورقية لا تلائم طبيعية العصر الحالي، الذى يتخذ من التكنولوجيا منطلقاً له، وأذكر هنا ما أصاب المجمع العلمي المصري من حريق ودمار ، وقد راح ضحية أعمال العنف والتخريب بوسط القاهرة، رغم أنه كان يعد مرجعا لتاريخ مصر والعالم العربي المختزل  منذ زمن الحملة الفرنسية.

وقد نجد بعض المدونات الإلكترونية الحديثة – والتي اتخذت من التدوين العربي مسألة مهمة لها – تكشف اضمحلال المحتوى الموجود بطريقته الحالية؛ حيث قامت بتحليل أسباب ضعف المحتوى العربي على الإنترنت وسمعته السيئة من خلال انتشار أداة النسخ واللصق في العديد من المواقع والمنتديات العربية؛ مما جعل عددًا من المبدعين يحجمون عن النشر، والمشاركة على شبكة الإنترنت، وقد قامت شركة "جوجل"، العام الماضي بإصدار "جوجل باندا"؛ لإعطاء  أصحاب المحتوى الأصلي حقهم في ظهورهم في أوائل محركات البحث، ومواجهة ظاهرة سرقة المحتويات والمضامين. وعلى جانب آخر، قد نرى أن المحتوى العربي الموجود هو في أساسه واحد، نتيجة النقل المتعمد من المصادر المختلفة، والتي تقوم بالنسخ من بعضها البعض دون أية إضافات تذكر على المحتوى الأصلي الموجود منذ البداية. فهنا قصور في الفكر المعاصر، الذى من المفترض أن يراعى تاريخه وتراثه، دون الاكتفاء بما هو موجود من الأساس.

ونجد محاولات لإثراء المحتوى العربي على الإنترنت، والتنافس على جذب أكبر عدد من الناطقين باللغة العربية؛ فقد قدمت "مايكروسوفت" موقعًا يستهدف منطقة الشرق الأوسط، والمتحدثين باللغة العربية؛ وهو موقع "أفكار"؛ حيث يؤكد حسين سلامة مدير مركز "مايكروسوفت" للأبحاث، بالقاهرة، أن الموقع يقدم تقنيات تستهدف تحسين خبرات المستخدم العربي بالإنترنت؛ بما يسمح للمستخدم العربي بكتابة الحروف العربية باستخدام لوحة مفاتيح لاتينية، بجانب ترجمة الحروف لمرادفاتها باللغة العربية، وتسعى شركة "جوجل" كذلك لإثراء المحتوى العربي من خلال إطلاق موقع "يوتيوب" باللغة العربية في سبع دول مختلفة وخرائط "جوجل" باللغة العربية، في أربع عشرة دولة أخرى.

كما أطلقت شركة "جوجل"، في أواخر عام 2011 برنامجًا للبحث الصوتي باللغة العربية على الهواتف المحمولة؛ وأكدت أن برنامج البحث الصوتي باللغة العربية، خضع لاختبارات على مدى عامين، وأن "جوجل" قبلت التحدي مع اللغة العربية؛ بهدف تطوير المحتوى العربي. وفي ضوء ما تملكه "جوجل" من إمكانيات تكنولوجية هائلة، فإن المحتوى العربي على الإنترنت يشهد تطورا ونموا، مقارنة بالسنوات الماضية؛ حيث يجد مستخدم الإنترنت آلاف الصفحات بمجرد إدخاله كلمة للبحث باللغة العربية، فضلا عن دعم عملية البحث على الإنترنت للبعد المحلي؛ من خلال تحديد اسم الدولة؛ سواء في محرك البحث أو في موقع "يوتيوب".

الاشكالية القائمة لا تتعلق بوقت محدد ومساهمات مقتضبة بقدر الحاجة الماسة لإحياء المحتوى العربي الشامل، حتى يدخل ولغته ضمن القوى الرقمية والإلكترونية الواعدة بشكلها الصحيح؛ لذا فمن الضروري الوقوف على أساليب المعالجة الصحيحة والمثمرة؛ لبناء مجتمع عربي رقمي على الشبكة الدولية للمعلومات للحاق بالعصر الجديد للسماوات المفتوحة.

اقرأ/ي أيضًا| التواصل الاجتماعي يحمي الشباب من المخدرات

 

التعليقات