برامج المقالب: كوميديا العنف الاجتماعي

أكدت دراسة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالتعاون مع منظمة اليونسكو، أن مشاهدة الأطفال لبرامج تليفزيونية لفترات طويلة وغير محددة دون رقابة تؤدي إلى إفراز سلوكيات سلبية وعدوانية وأنانية.

برامج المقالب: كوميديا العنف الاجتماعي

مع قدوم حلول شهر رمضان والذي يعتبر موسما للأعمال الفنية والبرامج الكوميدية تنتشر برامج المقالب بشكل كبير، والتي كانت بدايتها مع برنامج “الكاميرا الخفية” ثم “زكية زكريا” للفنان إبراهيم نصر، إلى أن وصلت إلى برنامج رامز جلال وغيره، وتهدف تلك البرامج إلى شعور الضيف بالذعر والخوف وأنه أقرب إلى الموت، ما ينتج عنه ردود أفعال غير متوقعة، وتزيد من نسب المشاهدة، وعلى الرغم من أن برامج المقالب تعد من البرامج المفترض أنها كوميدية، والتي تختلف فكرتها من عام لآخر، إلا أنها تتعرض للكثير من الانتقادات حول عدم مصداقيتها، وتأثيراتها السلبية نفسيا واجتماعيا على المشاهد والمجتمع.

وقد أكدت دراسة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالتعاون مع منظمة اليونسكو، حول تأثير برامج المقالب على الأطفال، أن مشاهدة الأطفال لبرامج تليفزيونية لفترات طويلة وغير محددة دون رقابة تؤدي إلى إفراز سلوكيات سلبية وعدوانية وأنانية، كذلك عدم التعاون مع الآخرين وعدم الإحساس بمشاعرهم بل والسخرية منهم إلى جانب تقليد الأطفال الأعمى لمثل هذه البرامج، فهو لا يدرك نتيجة قيامه بمثل هذه الأفعال على زملائه وأصدقائه، مؤكدة أن مثل هذه البرامج لها تأثير سلبي على الطفل يكمن في العجز في ضبط النفس، واللجوء إلى العنف بدل التفاوض والمشاورة وعدم الشعور بالأمان والشعور الدائم بالخوف والفزع والرعب، ومثل هذا الشعور يشكل خطرا على حياة الطفل خلال سنواته الأولى.

يقول د. محمد الحديدي أستاذ الطب النفسي بجامعة المنصورة: برامج المقالب لها كثير من الأضرار الصحية والنفسية على الإنسان خاصة تلك البرامج التي تعتمد على خداع الضيوف وإرعابهم والتي انتشرت خلال السنوات الأخيرة في مجتمعاتنا، وذلك عن طريق تعريض الضيوف لقدر كبير من الخوف والرعب ويكاد يقترب من الموت، مشيرا إلى أن مثل هذه البرامج يمكن أن تصيب الضيف باضطراب نفسي شديد يتحول إلى رهاب أو فوبيا مدى الحياة من الوسيلة المرعبة التي يتم استخدامها ضد الضيف، كما أنها قد تصيب الفرد على المدى القريب بارتفاع في ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وزيادة معدل التنفس والانهيار العصبي، لافتا إلى أنه في حالة إصابة الضيف بارتفاع في ضغط الدم أو مشاكل في القلب، فإن هذا سيكون أخطر، حيث سيكون عرضة للإصابة بأزمة قلبية وارتفاع شديد في ضغط الدم مما قد يؤدي إلى نزيف أو جلطة في المخ وقد يصل إلى حد الوفاة، لافتا إلى أن تأثير هذه البرامج لم يتوقف عند حد الضيوف فقط، بل إنه يصل إلى المشاهدين أيضا، فهو يؤدي إلى نشر العنف في المجتمع وإصابة المشاهد بتبلد في المشاعر لأنه يشاهد ممثلا مشهورا ومحبوبا وهو يعذب شخصا آخر أمام أعينه وسط الضحكات، وهو ما يؤدي إلى سلب الإنسانية من النفس ونشر السادية وهي الاستمتاع بتعذيب الآخرين، مؤكدا أن الإعلام دوره الأول يكمن في التربية، فهو يعد نوعا من التعليم، كون أن الغالبية يكتسبون ثقافتهم منه، وعرض مثل هذه البرامج يؤثر على سلوكيات المشاهد خاصة الأطفال والمراهقين منهم، فيصيبهم بالسلبية والجحود والاستهتار بمشاعر الآخرين، وقد يدفعهم إلى تقليد ما يشاهدونه.

أما عن رأي الدين حول برامج المقالب، فيشير الشيخ السيد سليمان، عضو رابطة خريجي الأزهر الشريف، إلى أن مثل هذه البرامج تعد محرمة شرعا، وهذا يرجع إلى عدة أسباب، في مقدمتها أنها تعتبر ترويعا للآمنين وقد ينتج عنها ما لا يحمد عقباه من وفاة أحد الضيوف، كذلك فإن مقدم البرنامج يكذب على ضيوفه ويوهمهم بأن الأمر طبيعي، وهو في الحقيقة يبيت النية بأنه سيضعهم في موقف مرعب ومخيف، وهذا يعتبر مرفوضا شرعا، لأن الشرع يحرم أن يفعل الإنسان أي شيء مخيف لإنسان آخر، فقد نهى الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يشير الإنسان في وجه آخر حتى ولو كان مذاحا، موضحا أن هذه البرامج تؤدي إلى تعريض حياة الضيف للخطر، فمن الممكن أن يفقد حياته في حالة معاناته من مرض معين أو مزمن، وهناك أحكام ثابتة ثبوتا يقينا تحرم الضرر بالفرد أو الجماعة أو الدولة، كما أن منع الضرر يسري أيضا على الحيوانات.

ويؤكد سليمان أن قاعدة منع الضرر هي إحدى القواعد الكبرى التي يرتكز عليها الفقه الإسلامي، وتستند هذه القاعدة إلى قوله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار”، بل إن القرآن الكريم سبق السنة في تقرير هذه القاعدة، فنجد آيات كريمة في مواضع متعددة تنهي عن الضرر منها قول الله تعالى “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، وقوله عز وجل “ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما”، كما يبين المولى جل وعلا أنه في مجال الأعمال الخيرية لا يجوز فيها الإضرار بالغير، ويتبين ذلك من قوله تعالى عن الوصية مع أنها عمل خيري قال (غير مضار)، كل هذه الأمور تبين أن هذا العمل يدخل قطعا في باب المحرمات، وبجانب ذلك أنه عمل شاذ فنيا، فالمفروض أن تكون الفنون مدعاة إلى إدخال السرور في نفوس الناس دون إضرار أو سخرية من اﻵخرين.

وتابع: أضرار برامج المقالب لم تتوقف عند حد الإضرار بصحة الضيوف، بل إنها تدفعهم إلى التهور العصبي والأخلاقي والاندفاع إلى سباب وشتائم القائمين بهذا العمل الذي لا يعد عملا فنيا، وقد نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الأخلاق السيئة البذيئة “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر”، مشيرا إلى أنه في حالة تسامح الضيف مع مقدم البرنامج فيكون الضيف قد تنازل عن حقه الشخصي فقط، أما حق المجتمع والعمل نفسه فهو محرم شرعا.

اقرأ/ي ايضًا| العلاقات الزوجية في شهر رمضان

التعليقات