وباء العامة: الغضب وعواقبه الخطيرة

مع زيادة ضغوط الحياة والصعوبات التي تواجه الإنسان، يطلق المرء العنان لحالة الغضب بغض النظر عن عواقبه الخطيرة

وباء العامة: الغضب وعواقبه الخطيرة

مع زيادة ضغوط الحياة والصعوبات التي تواجه الإنسان، يطلق المرء العنان لحالة الغضب بغض النظر عن عواقبه الخطيرة، حتى أصبح الغضب جزءاً من الحياة اليومية، بل ووباء العامة، الذي ينطلق في أمواج متلاطمة من الألفاظ والأفعال تتسببان في الكثير من المشاكل والأزمات سواء المعنوية أو المادية.

الغضب يمس حياتنا اليومية، لما له من أثر كبير على مشاعر الإنسان وارتباطه بشكل مباشر بالعنف، حتى على الصعيد العاطفي. كل شيء بدءاً من المضايقات في مكان العمل، حتى الخلافات العائلية يمكن أن تفسد وتتحوّل إلى مزيج من الضغط النفسي والغضب والاكتئاب، التي تتحوّل إلى أمواج متلاطمة من الغضب والعنف المدمر والمؤلم.

ما يحدث هو أن الغضب يصبح شبيهاً بالمحفز، الذي يبحث عن أنشطة تثير الانفعال، حيث أن وجود مؤشرات خطر تُنذر بالغضب والاهتياج، تحفز إفراز هرمون “الدوبامين” في مستقبلات الدماغ، مثل ما يحدث في حالات الإدمان المختلفة كإدمان الرياضات العنيفة، والمقامرة، وحتى إدمان المخدرات مثل الكوكايين، حيث يصبح الغضب محفزاً للمزيد من الغضب العنيف كأحد أنواع الإدمان، وهو ما يجعل العواقب تكون خطيرة ومؤثرة، خاصة مع الاستجابة لأيّ محفز بدون أخذ الصورة الكلية بعين الاعتبار.

تمنح لحظة الغضب الإنسان شعوراً جيداً، حيث تبدو كأنها أصح شيء يمكن القيام به، ويخرج ما بداخله من طاقة، وهذا جزء من المشكلة، حيث أنه في هذه اللحظة يسقط الإنسان كافة القيود ويتجاهل القيم الأخلاقية ويضرب بالعقلانية عرض الحائط. وتنطلق هذه الحالة من الجهاز الحوفي في الدماغ، وهو المركز المسؤول عن الانفعالات الغريزية مثل الخوف والشهوة. هذا الجهاز يمتلك روابط مباشرة مع نظام الاستجابة “الدفاع أو الهرب”، ما يشمل التحكّم في تدفّق الأدرينالين، وحواس أخرى تدفع الإنسان للقيام بإحدى أمرين: الاقتتال أو الهرب سريعاً.

قد يكون الغضب آلية للراحة ووسيلة لتجنّب العواطف. ففي الغالب يجد الأشخاص الذين نشأوا في بيئات تعمّها الفوضى بشكل مستمر في تقلّبات المزاج والغضب مجالاً للراحة، ربما تساعدهم على الفرار من الشعور الداخلي بالخواء أو الخوف. كما أن الصراع ذو آثار مدمرة عاطفياً ولكن البعض قد يفضّله إذا ما قُورن بالمشاعر السوداوية مثل الخسارة أو الحزن.

الأنا الهشة هي جزء من الاضطرابات النفسية التي تكون جلية في الشخصيات النرجسية، حيث تكون المشاعر الداخلية العميقة بالضعف أو عدم الأمان السبب الحقيقي وراء اندفاعنا للغضب، حيث يصبح الغضب وسيلة تجعل الإنسان يشعر بالقوة في لحظات وتمكّنه من الانتصار على شعوره بالضعف، كما يمنح الغضب المرء شعوراً لحظياً بالسيّطرة على الأمور التي لا يملك زمامها، إلا أن التعزيزات السلبية اللاحقة تضر بصورة المرء في عيون الآخرين وتستمر دورة الشعور بعدم الأمان، وتصبح الأمور أشبه بدورة سيئة من نوبات الغضب والعقاب والتي تؤذي في النهاية الشخص العصبي.

الغضب مثل أيّ نوع من أنواع الإدمان الأخرى، والخطوة الأولى لمواجهته هي الاعتراف بوجود مشكلة. وهذه الخطوة تُعدّ الأصعب بالنسبة لكثيرين، حيث يدركون المشكلة بعد أن يفقدوا الكثير معنوياً ومادياً، ومن ثم يحتاج الأمر إلى النضوج والجرأة معاً، لأجل أن يتم الاعتراف أن الغضب أصبح مشكلة جدية، بحاجة إلى مواجهتها والسيّطرة عليها.

وعن طرق علاج الغضب، يقول د. طارق أسعد، استشاري الطب النفسي: هناك العديد من الاستراتيجيات للمساعدة في علاج نوبات الغضب، في مقدمتها علاج الظروف المرضية الكامنة خلف الغضب، والتي يكون الغضب مجرد مؤشر عليها مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات ما بعد الصدمة، وتعلّم سلوك بديل مثل: حل المشكلة بطريقة بناءة والتحدّث مع الآخرين عن الأشياء التي تسبّب الهياج والغضب، وممارسة التدريبات الذهنية، إضافة إلى اتباع استراتيجيات إيجابية للتغلّب على الضغط، مثل: المرح، وممارسة الرياضة، واليوغا، والتأمل. هذا بجانب تغيير نمط السلوك الضار.

ويضيف د. أسعد: معالجة الاضطرابات النفسية تساعد بشكل مؤثر في الحدّ والسيّطرة على نوبات الغضب، لافتاً إلى أن العلاج المعرفي السلوكي “Cognitive-behavioral therapy” هو أسلوب من أساليب العلاج النفسي يعالج المشكلات ويساعد على تحقيق   السعادة عن طريق تعديل السلوك والمشاعر والأفكار المختلة، على عكس النظرية التقليدية الفرويدية.

وتابع: نظرية العلاج المعرفي – السلوكي تركّز على الحلول وتشجيع المريض على تحدي المعرفة، وهي أسلوب ناجع في السيّطرة على الغضب.

أما د. محمود غلاب، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، فيشير إلى أن الغضب يزيد حالة اللاوعي لدى الإنسان، ما يدفعه إلى تخطي الكثير من الحواجز الأخلاقية والأدبية، ويصبح مؤهلاً لأن يفعل أيّ شي، لذلك فهو عندما يهدأ ويعود إلى طبيعته في الغالب يشعر بالندم والأسى تجاه ما فعل، لافتاً إلى أن الجهاز الحوفي في الدماغ هو المسؤول عن الوظائف الانفعالية لدى الإنسان.

ويؤكد على أن المشاهد العنيفة التي تبث في الإعلام عن الحروب والقتل وتصدير الانقسامات والكره، ساعدت على إطلاق العنان لحالة الغضب بغض النظر عن عواقبه الخطيرة قانونياً واجتماعياً وصحياً، والتي تؤدي بشكل كبير إلى زيادة معدلات الغضب الحاد المؤهلة للتحوّل إلى عنف وربما جريمة وقتل.

اقرأي أيضًا| قصور الانتباه وفرط الحركة عند الأطفال

 

التعليقات