كله مكتوب: قصة حنان أبو الزُلف من دالية الكرمل

ربما ليس سهلاً أن يأتي الإنسانُ بعد 14 عامًا، ليسطِر قصته الشخصية، والتي أخُذت من رحم الواقع، لتحكي رواية الطفولة المفقودة والعنف ضدّ النِساء وينتقل بنا من مشاهد مضحكة لأخرى مؤلمة.

كله مكتوب: قصة حنان أبو الزُلف من دالية الكرمل

حنان أبو الزُلف

كلّه مكتوب هو عمل مونودراما كتبته حنان أبو الزلف سيتم عرضه باللغتين العبرية والعربية


ربما ليس سهلاً أن يأتي الإنسانُ بعد 14 عامًا، ليسطِر قصته الشخصية، والتي أخُذت من رحم الواقع، لتحكي رواية الطفولة المفقودة والعنف ضدّ النِساء وينتقل بنا من مشاهد مضحكة لأخرى مؤلمة. في العرض حكايات شعبيّة، عن دالية الكرمل والفقدان والخسارة والألم والأمل.

كلّه مكتوب تضعه الكاتبة حنان أبو الزلف أمام القُرّاء والجمهور عامةً بهدف تغيير الواقع في المجتمع للأفضل.

أبو الزلف بدأت كشاعرة، ولاحقًا أصدرت أربعة كتب للأطفال وثلاث مسرحيات وإصدار تحت عنوان 'عش الحمام'، وشقّت طريقها في الكتابة الإبداعية باكرًا، في حينه أطلق عليها نقاد الشِّعر أسماء مختلفة لجرأتها في الشّعر النثري، لكنها توجهت لأدب الأطفال لاحقًا لأنها عملت في مجال الطفولة المبكرة وتطوُّر الطفل لسنوات عديدة. تعمل اليوم كحكواتية وكاتبة مونودراما، وقريبًا ستعرض 'كلّه مكتوب' أمام الجمهور في الولايات المتحدة الأميركية.

أدب الأطفال والمسرح في دالية الكرمل

كلّه مكتوب يتحدث عن 'العنف ضد النّساء وضرورة الخروج من دائرة العنف'، وهي لا تكتفي بذلك بل تتحدث حنان أبو الزلف عن 'الطفولة المسلوبة من كثير من النساء بسبب العادات المغلوطة التي تمارس ضدهن'، على حد تعبيرها.

قالت الكاتبة أبو الزلف لـ'عرب 48'، إنها استوحت الاسم مما كانت تقوله والدتها دائمًا، 'كانت والدتي دائما تصر على أن كل شيء مكتوب، وأنّ لكلٍ قدره الذي سيراه حتما لا محالة'.

وأوضحت في العرض المسرحي كله مكتوب، أنها تقصّ 'حكاية سيدة خرجت من دائرة العنف'، كما تنتقد ما اعتبرته 'قلة الوعي وعدم الاستقلالية المادية والإيمان عند شريحة من النساء أن الرجل ستر، وأن الأطفال الذين يكسرون الظهر، جميعها أسباب كافية لسكوت المرأة أمام العنف ضدها'.

وانتقدت المجتمع الذكوري: 'نحن نعيش في مجتمع ذكوري، لكن على المرأة أن تسير بخطى ثابتة وتنطلق والسماء هي الحدود. هناك ما هو مكتوب، لكن هناك ما نكتبه بأنفسنا'.

وعن حياتها الشخصية قالت لـ'عرب 48'، إنني 'تعرضتُ للعنف، بعد زواج دام 14 عامًا، كنت أعتقد في حينه أنّ ما يحدث معي أمرٌ عادي، فكل الأزواج يمكن أن يتناقشوا وترتفع أصواتهم، ويمكن لأحدهم أن يكبت الآخر، حتى وقفتُ فجأة وقلتُ 'لا' ما يحدث معي ليس عاديًا إنما هو العنف بذاته، صحيح أنني لم أتعرّض لعنف جسدي، لكن الأقسى كان العنف الاقتصادي والكلامي، وغالبية النساء لا يعرفن مصطلح 'العنف الاقتصادي'، ولا يعرفن أنّ هناك عنفا من نوع آخر، وأنّ الرجل إذا ما أراد معاقبة المرأة قد يحرمها من النفقة. وهذا بحد ذاته عنف ضد المرأة، كنتُ احتاج للمال، لكن كنتُ مقيَّدة وخشيتُ أن أطلب. والعنف الاقتصادي برز حين كنتُ أرجوه أن يعطيني حقوقي كامرأة تقيم في نفس البيت، دون 'الجمايل'، فهو حقٌ لي، علمًا أنني كنتُ امرأة عاملة. هكذا خرجتُ من التجربة بثلاثة أطفال ولديْن توأميْن (11 عامًا) وابنة (13 عامًا)، بعد الطلاق اتضح أنّ أطفالي كانوا يعرفون كل شيء، وعاشوا العنف؛ بدليل أنّ أحد أطفالي قال لي لم نعُد نسمع صراخكم، وأنا ما عدتُ قادرة على التحمُل، خاصةً أنّ العنف كان له ثقل كبير في الميزان؛ لكنني في مرحلة معيّنة لم أعد استطيع تحمُل الواقع، كان هناك عُنف وأمور أخرى، مثل التشكيك والتهميش والكبت، أتحدث عن العنف ما يعني عدم الثقة بالآخر، وهو أكبر أنواع العنف، أن تُحاسَبي على تحركاتك وتصرفاتك، والمجال المسموح بالنسبةِ لكِ للتحرُك، هذا أيضًا عُنف، فكل إنسان له الحق بمساحة حرّية معيّنة في حياته، وإذا ما أخذ أحدهم مساحتك، فأنتِ في أزمة حقيقيّة، فكيف يمكنني أن أعطي، وفاقد الشيء لا يعطيه'.

كيف تعامل المجتمع والعائلة مع قرار الطلاق؟

'عائلتي كانت تعرف مشاكلنا، وأهلي كانوا داعمين لي، ودون أن تقرري تنفيذ الخطوة فلن يُشجعك أحد، ففي مجتمعنا 'خراب البيوت' شيء صعب، يفضلون دائمًا الحفاظ على السلام الداخلي في البيت، وعندما تقولين لا، وأريد أن أتخذ قرارًا ولا أريد البقاء هُنا، عندها إما يؤيدونك وإما يعارضونك، ومعي كانت العائلة داعمة. لم أشعر بمضايقات من المجتمع، لأنّ المجتمع أصبح منفتحًا أكثر، وبالرغم من كل السيئات، إلا أنه ينبذ العنف، وعندما تقع حادثة عنف، يقف الجميع مذهولاً، صحيح أنّ العنف لا يزال موجودًا، لكن ليس في كل شرائح المجتمع، هناك رفض لهذه الأمور، الناس تحاول أن تحافظ على مساحة بعدم التدخُل، لأنّ كل شخص يمرُ بمشاكل شخصيّة'.

قرار الطلاق

وأوضحت حنان أبو الزلف أن 'القرار غيرني للأفضل، أصبحتُ امرأة مستقلة، عندما حصلتُ على الطلاق، لم أكن أملك أي شيء، كان عليّ أن أبدأ من الصفر؛ وإذا طلب أبنائي 10 شواكل، لم أكن أستطيع تحقيق رغبتهم، وفي النصف سنة الأولى لم يُدفع لي نفقة، مع ذلك استطعتُ أن أقف على رجليْ، وكان مطلوب مني التحدي، وبالإرادة استطعت النهوض من جديد، وعندها انطلقت'.

تحولتِ إلى نموذج يّحتذى به للنساء؟

'نعم، كانت النساء تستوقفني وتسألني، كيفَ استطعتِ الحصول على الطلاق؟ ولذا أقوم بعرض 'كله مكتوب' حتى أُظهر للنساء أنّ هناك حياة، بعد الطلاق، وحياة حلوة. وما بعد الطلاق على الإنسان أن يعرف ما يريد، ويتخذ القرار الذي يراه مناسبًا، وينطلق، وألا يبقى متقوقعًا في دائرة الزوجية، وبكل صراحة المرأة اليوم لا تحتاج إلى رجُل، فهي تعمل وتحمل شهادة ولديها مهنة وثقافة، ماذا تريد مِن الرجل؟ أن يكون طفلاً مدللاً؟ ليس من حاجة له، صحيح أنني لا أؤيد الطلاق، وأعتز أن يكون الرجل صادقا، وأقول أنّ العلاقات الزوجية إطار معين واستقرار، لكن من ناحية ثانية، أقول إذا لم ينجح إطار الزواج بإسعادي وإشعاري بالأمان، فما الحاجة إليه'.

هل تغيَّرالأطفال بعد الطلاق؟

أجابت حنان أبو الزلف على سؤال 'عرب 48' أن 'الأولاد دائمًا هم الضحية'. وأوضحت أن 'من يقول كلامًا آخر، يكون كاذبًا. في الطلاق الضحية الوحيدة هم الأطفال، لأنّه للأسف الرجل العربي، عندما يطلّق زوجته، يطلّق معها الأطفال وأهل المرأة، وللأسف يجد امرأة أخرى، وينجب مرة أخرى، ويقيم علاقات ويتزوج ويطلّق بينما يصبح الأطفال هم الضحايا، والمحتاجون لآبائهم وأمهاتهم، وإذا أردت الأم أن ترى حياتها فعليها أن تفعل ذلك، وأنا أؤيد كل امرأة تطلِّق ثم تتزوج من جديد، إذا وَجدت شخصًا ملائمًا للزواج'.

وأكدت بعد تجربتها أن 'المجتمع بدأ اليوم بالانفتاح، نحنُ نعيش مجتمعًا يعجُ بالكلام وبعدها يسكت، فلماذا يجب عليّ أن آخذ المجتمع على عاتقي، لا أحد يستطيع إصلاح المجتمع، فكل شخص مسؤول عن نفسه، وسعادتكِ لا أحد يعطيكِ إياها سوى نفسك، وإذا دخلتُ في إطار المجتمع فلن أتقدم أبدًا، لأنّ المجتمع يفرض عليّ الكثير من القيود، لكن هل آخذ كل ما يفرضه المجتمع، ففي عرض 'كله مكتوب' أسأل بلغتي: 'ليش كل شيء بالمخفي مسموح، لكن عندما يخرج للخارج يصبح عيبًا'. وحقيقة نحنُ في مجتمع منطوي على نفسه، فلماذا يجب أن أكون منطوية أيضًا، أنا أريد أن أفرد جناحيّ وأحلِّق. التجربة التي مررتُ بها زادتني قوة وأشعر أن تفكيري عقلانيا وليس نابعًا من مشاعر وأحاسيس، أحبّ أن أعيد حنان التي تُفكّر بقلبها، وكما قال الفنان دريد لحام: المظلوم عندما ينال الصفعة الأولى والثانية يفقد الشعور، وأنا لا أوافق مع هذه الجملة، لكنني أقول أنّ هناك الكثير من الأماكن فقدتُ فيها التفكير العاطفي، وأصبحتُ أفكر بعقلي'.

كيف أثر الواقع على شخصيتكِ وعزز قوتك في الكتابة؟

'الواقع أعطاني جرأة أكثر أن أقف على المسرح، وأنا اليوم أم أحادية العائلة، وما لا يكسرنا يقوينا، إن انكسرت ولملمت الكسور، وخرجتُ من بؤرة عميقة وضعتُ نفسي فيها، ما يتطلب مني عددًا من الأشهر، والتفكير، هل أستطيع أن أقف على المسرح وأحكي قصتي الشخصية ربما فيها خطورة قانونية وعليّ ككاتبة تعيش في أقلية معينة، لكن عندما عرضتُ 'كله مكتوب' قرابة الشهرين، لم أتوقع أن أسمع الردود الجميلة. الأمر يحتاج إلى جرأة ووعي كاف، لإيصال الرسالة لأناس أكثر، لا أؤيد الزواج المبكّر والزواج من الأقارب، وأؤيد التعليم والتوعيّة عن طريق المسرح وإيصال رسالة معينة، كما أنّ تعزيز التعليم يأتي من الأم، فهي التي تعطي وتحث أولادها للتعلم، وبدون التعليم لا يوجد ثقافة'.

التعليقات