الثقافة الجنسية... مسؤولية المجتمع تجاه الأطفال

أثبتت البحوث والدراسات الاجتماعية التي أعدتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو، أن التربية الجنسية تؤدي إلى تأخير ظهور السلوك الجنسي عند الأطفال واتسامه بمزيد من المسؤولية

الثقافة الجنسية... مسؤولية المجتمع تجاه الأطفال

بمجرد أن يشب الطفل يبدأ في توجيه أسئلته لأمه، والتي تتعلق بأمور يجلها، منها النواحي الجنسية، وهو ما يوقع الأمهات تحت ضغط الأسئلة المحرجة عن الجنس. فالحديث عن الجنس يعتبر من المحظورات في مجتمعاتنا الشرقية، لأنه دائما يرتبط بالعيب، حيث تحاول الأم بشتى الطرق الهروب من الإجابة على أسئلة أبنائها أو تجيبهم بإجابات غير واضحة ومبهمة تزيد الغموض لدى الطفل، فيبحث عن إجابات لها في اتجاهات أخرى قد تكون الأصدقاء أو المواقع الإباحية، وهو ما قد يؤدي فيما بعد إلى الإصابة بأمراض نفسية وجنسية خطيرة تواجه المجتمع، ويكون السبب فيها نشأة الطفل الخاطئة دون ثقافة جنسية صحيحة، والتي يسهم فيها الآباء بدون دراية منهم في احداث اضطراب نفسي وجنسي لدى المجتمع.

أثبتت البحوث والدراسات الاجتماعية التي أعدتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، أن التربية الجنسية تؤدي إلى تأخير ظهور السلوك الجنسي عند الأطفال واتسامه بمزيد من المسؤولية، على عكس ما هو متوقع، ومفهوم التربية الجنسية هو ليس مصطلحا حديثا، بل إنه يعود إلى أواخر القرن السابع عشر، حيث ذكر الكاتب الفرنسي جان جاك روسو في كتابه “اعترافات”، أن الأطفال لا يدركون شيئا عن الجنس، وقال مقولته الشهيرة “نحن نولد مرتين، الأولى من أجل النوع والثانية من أجل الجنس″، ومفهوم التربية الجنسية للأطفال يعني إكساب الطفل معلومات معينة عن موضوع الجنس بما يتناسب مع عمره بأسلوب علمي بسيط، مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب القيمي والاجتماعي والأخلاقي حول هذا الموضوع، فالحياة الجنسية لا تتوقف عند حد العلاقة الحميمية فقط بين الرجل والمرأة، بل هي تشمل كل ما يتعلق بالأعضاء التناسلية لدى الجنسين، وما يرتبط بها من مشاكل، وفترات النمو والنضج.

وبحسب د. هبة قطب، استشارية الطب الجنسي، الثقافة الجنسية لا تعني بالضرورة ثقافة الفراش، وإنما ثقافة حفاظ الأطفال على أعضائهم الجنسية حماية لهم من التحرشات وغيرها من الآفات الاجتماعية، خاصة بعد انتشار عمليات الاغتصاب والتحرش داخل المدارس خلال الفترة الأخيرة، مؤكدة أنه يجب على الأم أن تبدأ في توعية أطفالها جنسيا بداية من بلوغهم سن السادسة أشهر، فالثقافة الجنسية أكبر وأشمل من ثقافة الفراش أو العلاقة الجنسية، حيث تكمن في قدرة الطفل في الحفاظ على أعضائه التناسلية واعتبارها مناطق خاصة به وحده، وممنوع اطلاع أي أحد عليها، وممنوع أن يجرّده أحد من ملابسه، ويكون الطفل قادرا على هذا في عمر دخوله الحضانة، أي عند بلوغه سنة ونصف.

وتضيف د.قطب: الثقافة الجنسية يجب أن يعرفها الطفل في عامه الأول، وأن تبدأ الأم في بثها إليه بداية من بلوغه العام الأول، لأن الرضيع يستوعب ما تقوله الأم، وما يدل على ذلك أنه بداية من 6 أشهر عندما يلعب في “المشاية” ويحبو في اتجاه الكهرباء تنهره أمه فيبعد يده عنها وينظر إليها بترقب، ثم يبدأ يضحك ثم يمد يده مرة أخرى، وعلى الأم أن تستغل ذكاء طفلها وتعطيه معلومات في سن الـ6 أشهر، من خلال التحدث معه عندما تبدل له ملابسه فتقول مثلا “حبيبي لا أحد يبدل لك ملابسك غيري أنا وبابا وجدتك”، فمثل هذه الأقوال تزرع في نفسه أن هذه المناطق خاصة به منذ صغره، مطالبة بتدريس الثقافة الجنسية في المدارس، حتى لا يأخذ الشباب معلومات مغلوطة من مصادر ملوثة وتؤثر فيما بعد على علاقتهم الزوجية، خاصة أن الأحاديث العائلية بين الأهل وأطفالهم خالية من تلك الثقافة، حيث يجب أن يتعرف الطفل ثقافة البلوغ في المرحلة الإعدادية، مشيرة إلى أن العديد من الأزواج يفتقدون إلى المعلومات الجنسية البسيطة والبديهية، وهو ما يسبب المشاكل الزوجية بين الشريكين.

وعن كيفية تثقيف الطفل جنسيا، توضح د. عبلة إبراهيم، أستاذة علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، أن الثقافة الجنسية لابد أن تبدأ مع مرحلة الطفولة، وكل مرحلة عمرية ولها الطريقة التي نصل إليها من خلالها حتى يمكنهم فهم ما نقوله لهم، بالإضافة إلى المعلومات التي يمكن أن نتحدث بها معهم تختلف من مرحلة عمرية لأخرى، مشيرة إلى أن كل طفل يختلف عن غيره، ولكن هناك أمور عامة وثوابت يتفق فيها أغلب الأطفال حسب مراحلهم العمرية، فالأطفال قبل إتمامهم العامين ينبغي أن يكونوا قادرين على تسمية جميع أجزاء الجسم بما في ذلك الأعضاء التناسلية، كما يجب أن يعرفوا الفرق بين الذكور والإناث، ويمكن معرفة عادة ما إذا كان الشخص ذكرا أو أنثى، لافتة إلى أن مرحلة الطفولة المبكرة وهي من سن عامين إلى خمس أعوام. يقع على الآباء مسؤولية شرح أساسيات التكاثر لأبنائهم، من خلال وجود علاقة بين رجل وامرأة كأمه وأبيه، وأن هناك جنين ينمو في رحم المرأة، كما يجب على الأطفال فهم أجسامهم ونعلمهم خصوصية أجسامهم، وأن هناك حدود لا يجب لأحد أن يتخطاها في لمس أجسادهم، وإن تخطاها أحد لابد من إخبار الأب أو الأم بذلك.

وتلفت إبراهيم إلى أنه بعد ذلك تأتي مرحلة الطفولة المتوسطة، وهي من 5 إلى 8 سنوات، وينبغي على الأطفال أن يكونوا قد عرفوا الأعراف الاجتماعية الأساسية من الخصوصية والعري، واحترام الآخرين في الخصوصية، كما يجب تعليم الأطفال بأساسيات سن البلوغ في نهاية كل فترة من العمر، حيث أن عددا من الأطفال سيشهدون بعض تطوير البلوغ قبل سن العاشرة. أما في المرحلة التي تمتد من 9 إلى 12 عاما، تبدأ الأم في التحدث مع ابنتها المراهقة عن الجنس وخصوصية أجسامهن وماهية العلاقة الجنسية، وتوكد على أن هناك علاقة إيجابية تنتج من خلال الزواج لتكوين أسرة، وهناك علاقة خاطئة ومحرمة، وأن تتحدث معها عما يرونه في وسائل الإعلام المختلفة، حتى تتضح المفاهيم أمامها وتصبح غير مغلوطة، وبالنسبة للمراهقين من سن 13 إلى 18 عاما، فتوضح أنه في حالة مرور المراحل العمرية السابقة كما رسمناها فستمر مرحلة المراهقة بسلام لدى الجنسين.

اقرأ/ي أيضًا| عدم إدماج المهاجر بأوروبا يدفعه للانتقام (مقابلة)

التعليقات