اضمحلال الأبوية أمام التغيُرات في المجتمع العربي

يشهد مجتمعنا العربي في الداخل تغييرًا كبيرًا، بدءًا من دور الأهل، وعلى رأسهم الأب كموجه ومحرِّك لدفة الحياة في ظل وجود أبناء، عليه تحمُل مسؤوليتهم، من حيثُ التربية وتعزيز المفاهيم والأخلاقيات، ولا ينفصل دور الأب عن دور الأم،

اضمحلال الأبوية أمام التغيُرات في المجتمع العربي

د. زياد خطيب

يشهد مجتمعنا العربي في الداخل تغييرًا كبيرًا، بدءًا من دور الأهل، وعلى رأسهم الأب كموجه ومحرِّك لدفة الحياة في ظل وجود أبناء، عليه تحمُل مسؤوليتهم، من حيثُ التربية وتعزيز المفاهيم والأخلاقيات، ولا ينفصل دور الأب عن دور الأم في تحمُل المسؤولية والعمل سوية مِن أجل تعزيز مكانة كل فردٍ، طفلاً كان أم بالغًا، لكنّنا للأسف الشديد لا نلمس هذه المفاهيم، ولا نرى بيتًا متماسكًا ومعززًا بالأخلاق والمبادئ، بل نرى عائلة مفككة، بالكاد تجتمع لتناول وجبة غداء أو عشاء، ولا نحصُر هذه النواقص في بيتٍ واحد، بل يبدو مجتمعنا تفكك، وغابت قدرة الأب على السيطرة.

عن تأثير الأهل على الأبناء، أجرى موقع 'عرب 48' لقاءً مع اختصاصي علم النفس العلاجي والتربوي، د. زياد خطيب، والذي يعمل مع عدد من المدارس العربية في البلاد.

عن متابعة الأهل للأبناء في مجال التعليم، قال د. خطيب، إنه 'ليس هناك دور للأهل تعليميًا، دورهم تربوي بالأساس، ويبدأ منذ ولادة الطفل، وليس من الصف الأول، ويجري العمل على تربية إنسان لديه شخصيّة ومهارات وجاهزية لحياة اجتماعية، تشمل التعليم، والأمر ينطبق على كافة الطلاب في البلاد والعالم'.

وتابع أن 'نظريات علم النفس أكدت أولا أنّ هناك حاجة لحضور نفسي وجسدي للأب والأم، فدور الأب والأم ووجودهما في المراحل الأولى للأبناء في الحياة غاية في الأهمية. ثانيًا، جميع نظريات علم النفس تتفق على أنّ صقل شخصية الإنسان، تجري بشكلها الجوهري في أول خمس أو ست سنوات، لذلك يجب التوجيه نحو الجهوزية الاجتماعية والتعليمية، وهي سيرورة وليست مرحلة من المراحل، هي بداية وتنتهي من جيل 18 أو 21 عامًا حسب المجتمعات الأخرى. ثالثًا: إنّ وجود الأهل يهيئ الولد نفسيًا للتعلُم، وإحد المشاكل الموجودة في المدارس اليوم، لدى الأهل بالأساس، أنّ الأهل مقتنعون بشكلٍ يكاد يكون أعمى أنّ المدرسة تربي الأولاد، لا! فالمدرسة لا تربي الأولاد، المدرسة دورها إكمال التربية الاجتماعيّة'.

وعن أسباب المشاكل التعليمية في المدارس، عقّب د. خطيب: 'لا أريد الخوض في أسباب المشاكل التعليمية دون إجراء إحصائيات دقيقة جدًا، فمعظم المشاكل التعليمية الموجودة في المجتمع العربي سببها عدم وجود جو تعليمي، أي إتاحة الظروف البيئية في الصف وفي المدرسة، وأحيانًا نعزو أسباب المشاكل التعليمية إلى صعوبة التعليم أو العسر التعليمي، وأعتقد أنّنا إذا جمعنا الأمرين معًا خصوصًا العُسر التعليمي الذي لا يتعدى 4 أو 5%. هناك 5% من أولادنا لديهم عُسر تعليمي ومن الـ 100% الذين لديهم عُسر تعليمي، فقط 5% لديهم عُسر تعلمي أو صعوبات تعليمية وهناك 90% من الحالات سببها عدم وجود مسؤولية من قِبل الأهل، والتي تتدحرج إلى عدم المسؤولية لدى الأولاد، لوجود دوافع نفسية، وغياب الجو دراسي، وتأثير الميديا. وحين يجري تصنيف المشاكل التعليمية لإيجاد سبب يعزو البعض السبب للعُسر التعليمي، لكن في الواقع هذا الادعاء ليس صحيحًا، إنه غياب جو التعليم، لا يوجد تذويت قوانين اجتماعية وأخلاقية، عدم تذويت القوانين المدرسية، ما يجعل العنف والمخدرات وغيرها من المظاهر السلبية تتفشّى'.

وأشار إلى أنّ 'سبب عدم وجود تذويت للقوانين، غير نابع من عدم المعرفة، فبالتأكيد كل طالب يعرف القوانين والممنوعات، وفق ما ينهله من مربي المدرسة، لكنّ الحديث يجري عن تحمُل المسؤولية لدى الطالب وتذويت القانون، وهذا الأمر يتطلب أن يكون الشخص مُستقلاً وصاحب قدرة على حمل المسؤولية، وعدم وجود المسؤولية لدى الأبناء في المجتمع العربي وهي مشكلة جديّة، فنحنُ لا نربي أبنائنا على الاستقلاليّة والمسؤولية، صحيح أنّ لدينا في التربية العربية الكثير من الإيجابيات، لكنّ المحاور التي تنقص أطفالنا اليوم، هي عودة دور الأب والأم في التربيّة وتعزيز المفاهيم الأخلاقيّة، فالحريّة خيار وليس في ذلك أيُ جدال، غير أن الحريّة ترتبط بمعرفة الاختيار، فمثلاً: تسأل طفلاً ماذا تريد أن تتعلم؟ مهندس أم طبيب؟! وكيف للطفل أن يقرِّر عندما لا يعرف التمييز بين مهنة المهندس والطبيب، لذا على الشخص أن يكون لديه الجاهزية للاستقلالية في اتخاذ القرار، مع التفاوض ونقاش الأهل عند الحاجة، لكن القرار النهائي (الخيار)، وهنا على الأب تحمل مسؤولية الخيار، لأنه هو المؤثر الأول على الأبناء'.

وأكد أنه 'إذا كنا نتحدث عن ولد بلغ من العمر 18 عامًا، قد يلجأ الأهل لتوجيه الابن وتحفيزه على التعلُم بالقول: 'تعلّم وخذ ما تريد'، وبالعامية: 'كون شاطر وخذ شو بدك'، وبعيدًا عن الاستقلالية والمسؤولية، قد ينجح مرّة، لكن لا يمكن أن يستمر الوضع كما هو، أو يتحوّل الابن إلى شخص اتكالي وغير مسؤول، ودراسته تأتي 'مُقابل شيء'، وهذا يعني عدم وجود دوافع نفسيّة ذاتية لدى الولد ليتعلّم'.

وأنهى أن 'إحدى المشاكل التعليمية اليوم تتعلّق بالتربية نفسها من جيل صفر، وما ينقصنا، كما شدّدت سابقًا، دور الأب، وسلطوية الأبوية' (لا نتحدث عن ديكتاتورية أبويّة، بل على العكس)، وسبب غياب وزن الأب يعود لتحرُّر المرأة ونيلها حريتها، وإذ بها تأخذ مهمّة التربية والتدريس، ولا تتذمّر (علنيًا) على الأقل، بل إنّ النساء يشعرن بزهوٍ وسعادة أنهن مسؤولات عن تدريس أبنائهن، الأمر الذي يزيد من إمكانيّة تنحّي الأب عن دوره الذي يتحول إلى هامشي. ولا أعرف إذا كان الرجل العربي سعيد بهذا، لكنني أشعر أن هناك لا مبالاة واستسلام، وآمُل بتغيير الأب من أسلوبه في التعامل والتعاون مع أسرته، مع الوالدة والأبناء، لتكتمِل الأهداف التي نسعى لتحقيقها'.

التعليقات