خطر الاضطرابات النفسية يلاحق الهاربين من كورونا للحجر المنزلي

في ظلّ إعلانات الدّول المتجدّدة حول العالم لتشديد القيود على الأفراد والمواطنين بغية السيطرة على تفشّي وباء فيروس كورونا المستجدّ، يبدو أنّ من ينجون من الإصابة بالفيروس، لن يفلتوا من أشباح الأمراض النفسية الّتي يرجّح أن تتركها الأزمة والضغط النفسي الناجم

خطر الاضطرابات النفسية يلاحق الهاربين من كورونا للحجر المنزلي

توضيحية (pixabay)

في ظلّ إعلانات الدّول المتجدّدة حول العالم لتشديد القيود على الأفراد والمواطنين بغية السيطرة على تفشّي وباء فيروس كورونا المستجدّ، يبدو أنّ من ينجون من الإصابة بالفيروس، لن يفلتوا من أشباح الأمراض النفسية الّتي يرجّح أن تتركها الأزمة والضغط النفسي الناجم عن العزل في المنازل.

ويتوقع الطبيب النفسي سيرج إيفيز، الّذي أغلق على غرار زملاء كثيرين له عيادته وبات يقدم استشارات عبر "سكايب". أن يتمّ تسجيل حالات "قلق واكتئاب وأرق واضطرابات إدراكية"، خلال هذه الأزمة وبعدها، وفق ما نقلته وكالة أنباء "فرانس برس".

هذا الوضع غير المسبوق المتأتّي من تفشي فيروس كورونا المستجد الذي انطلق من الصين نهاية 2019، دفع بمنظمة الصحة العالمية مطلع الشهر الحالي إلى نشر سلسلة توصيات للصحة العقلية للسكان، سواء للأشخاص المعزولين أو المسنين أو العاملين في القطاع الطبي، كما شملت نصائح للتصدي للأخبار الكاذبة بسبب تأثيرها السلبي على السكان وتشجيع الحوار في حالات الضغط النفسي.

(pixabay)

ونقلت "فرانس برس" عن الطبيبة النفسية فاطمة بوفيه قولها إنه مع تفشي الفيروس وتدابير الحجر المنزلي "نلاحظ وصول مرضى جدد يعانون أصلا مشكلات نفسية. هذه الفترة تعرضهم لأوضاع عاطفية صعبة يتعين عليهم إدارتها".

وتعدّد الطبيبة النفسية قائمة المشكلات ومكامن القلق المسجلة لدى مرضاها في الاستشارات (عن بعد)، وهي تشمل "الخوف من الموت ومن الإصابة بالعدوى، ومن فقدان الأحبة" إضافة إلى "الخلافات في داخل العائلات أو المجموعات الضعيفة أساسا، والضجر والانغلاق وعدم القدرة على استباق الأمور وتراجع المداخيل وعدم القدرة على التنقل والانعزال والاضطرار إلى الوقوف مع الذات".

ومن بين كل السيناريوهات الكارثية المتداولة، كانت نظرية انتشار وباء يشل الحركة في العالم الأقل ترجيحًا ربما لكثيرين، بعد سنوات من الأزمات المالية والاعتداءات والطوارئ المناخية.

ويفسر ذلك حال الصدمة السائدة، بحسب المحلل النفسي رولان غوري الذي عمل على تبعات اعتداءات العام 2015 في فرنسا، والّذي أوضح في حديثه لـ"فرانس برس" أنّ "حالات الصدمة تحصل عندما يكون الشخص غير مستعد لحدث ما وعندما نواجه أمرا مباغتا على الصعيد النفسي. إذا ما كنتم تعلمون أن خطرا ما سينشب فإنكم تتحضرون له. الصدمة النفسية ليست متكافئة البتة مع الجراح" اللاحقة بالأشخاص.

وقد تُرجم ذلك من خلال إنكار الخطر الذي لازم البعض أخيرا ممن دأبوا على مد اليد للمصافحة، أو الهلع لدى مرضى آخرين تولّد لديهم شعور بأن أمرا ما "ينهار في طريقة عيشنا".

ويشير إيفيز إلى أن رد الفعل هذا طبيعي في حالات الأوبئة، وهي محطات متجذّرة في المخيّلة الجماعية منذ زمن الطاعون الأسود في القرون الوسطى والإنفلونزا الإسبانية في مطلع القرن الماضي.

ويوضح أن "ما يسجل في المقام الأول هي اللّامعيارية (مصطلح أطلقه أولا عالم الاجتماع دوركايم) والقلق من انهيار الروابط الاجتماعية وغياب المعايير والهلع المتصل بعمليات النهب؛ ويضاف إلى ذلك الخوف من انتقال العدوى والذي يعززه الطابع الخفي للفيروس".

كذلك يسود قلق آخر يرتبط بالخوف من الموت جوعا (ما يفسر تهافت المستهلكين على تحزين المنتجات الأساسية) وهو دليل على وجود رد فعل حيوي لا إرادي، وأيضا الشهية الجنسية وهي الشهية على الحياة عندما نخاف من الموت أو من العيش في الوحدة أو فقدان الأحبة".

المستهلكون يتهافتون على المتاجر لتخزين الأغذية (أ ب)

لكن في الحالات غير المسبوقة تنشأ ردود غير مسبوقة: فتدابير الحجر المنزلي الجماعي المعتمدة في بلدان كثيرة حول العالم وفق النموذج الصيني قد تضع الصحّة النفسيّة لدى البعض على المحك، خصوصا لكون الكثير من المنشآت المتخصصة في هذا المجال مغلقة.

ويضيف إيفيز "الأشخاص الموجودون في كنف عائلات يبدون الأكثر قدرة على تحمل الوضع مقارنة مع أولئك المعزولين، ما قد يؤدي إلى أضرار لا ندركها تماما بعد"؛ وتابع قائلا: "لا نعلم ما سينجم عن الوحدة، كما لا نعرف ما سيترتب عن كون الشخص موبوءا". وهذه الحالات تترجم باستهلاك مفرط للتبغ أو المخدرات أو الكحول.

وفي المجموعات والخلايا العائلية، يشكل الحجر المنزلي مصدر مشكلات بينها الكبت والاختلال في العلاقة بين الأفراد ما قد يُترجم بصورة عنفية أحيانا.

وتقول فاطمة بوفيه دو لا ميزونيف إن "المنازعات مع المراهقين تزداد لأنهم لا يدركون تماما (الوضع) ويرغبون في الخروج مع أصدقائهم. كما أن بعض المسنين يرغبون في العيش كما في الماضي لأنهم يقولون إن لا شيء عندهم ليخسروه".

التعليقات