"الحق في الحركة" تكسر حواجز الاحتلال نحو ركضة في فلسطين

قد يروق للفلسطيني ابن الجليل مثلا أن يسير في أحراش الكرمل أو في صحراء النقب أو أن يخيّم على تلال الهضاب والمرتفعات أو أن يمارس ركضة حرّة على شاطئ يافا، أما ابن الضفة الغربيّة المحتلة وقطاع غزّة المحاصر وابن مخيم

مجموعة الحق في الحركة في يافا

هذه الأرضُ/ أقرؤها نبتة نبتة/ مثلما راحتي

**

هكذا عبّر الشّاعر الفلسطيني حنّا أبو حنا عن الذاكرة المتّصلة بطبيعة المكان ومعالمه الجغرافيّة من نبتةٍ لبحرٍ لنهرٍ لترابٍ وأرضٍ، قال عن خريطتها "فتنةٌ في فؤاده".

قد يبدو بديهيًا أن يقرر الإنسان مسار حركته ومقاصده في البر والبحر والجو لأنه من الطبيعة أتى وإليها سيعود، لكن الأمر ليس كذلك عند تجمعات فلسطينيّة محاصرة بفعل الاحتلال المباشر وغير المباشر، فأصبح حق حرية الحركة والتنقل أداةً يُفاوض عليها ومرهونة بتصريح المُحاصِر.

قد يروق للفلسطيني ابن الجليل مثلا أن يسير في أحراش الكرمل أو في صحراء النقب أو أن يخيّم على تلال الهضاب والمرتفعات أو أن يمارس "ركضة" (كما في الدّارج الفلسطيني) حرّة على شاطئ يافا، أما ابن الضفة الغربيّة المحتلة وقطاع غزّة المحاصر وابن مخيم عين الحلوة في لبنان، فهم غير قادرين على اتخاذ قرار ممارسة حقهم في حرية الحركة في مناطق يحظرها عليهم الاحتلال.

مجموعة الحق في الحركة في يافا

ولأن الأرض مركّبٌ أساسي في صراع الهويّة والوجود، لجأت مجموعات فلسطينيّة من أراضي 48 وأخرى في الضفة الغربية وقطاع غزّة لممارسة رياضة الركض والتواصل بين أبناء الشعب الواحد على طرفي الجدران الفاصلة العنصريّة.

وتشكّلت مجموعة "الحق في الحركة" (رايت تو موفمينت) كمنظّمة غير ربحية في بيت لحم، بالتّعاون مع مجموعة دنماركيّة داعمة للفلسطينيين في مقاومة جدار الفصل العنصري عام 2014.

ثمّ انبثقت عنها مجموعات في عدة بلدات ومناطق فلسطينيّة عابرة للحواجز والجدران في حيفا، ويافا، والخليل، ورام الله، وغزّة، والقدس، والناصرة، وأريحا، وبيت لحم.

ويقول قائد فريق العدائين في مدينة يافا، صالح شاهين في حديثه لـ"عرب 48"، إن "الأهداف المركزيّة من تشكيل المجموعات هي إظهار معيقات حرية الحق في حركة الفلسطينيين للعالم، وتعزيز ثقافة القيادة التطوعيّة وإشراك النساء في الدور القيادي للمجموعات، والتعرّف على طبيعة البلاد وكسر الحواجز بين أبناء الشعب الواحد وتوطيد العلاقات بين أبناء الداخل والضفة وغزة".

في جوابه عن سؤال حول ماراثونات فلسطين، قال إن "الركض في بيت لحم، على سبيل المثال، مهمة صعبة للغاية، اخترنا مرة أن نركض مسافة 42 كيلومترا في المدينة فاكتشفنا أن هذه المسافة لا نجدها هناك على هيئة مسارٍ دائري واحدٍ فاضطررنا أن نجد مسارا بطول 10 كيلومترات، ونعيد الكرّة فيه أربع مرات متتاليّة لنحقق مسافة الماراثون المُراد، وكل هذا بسبب جدار الفصل العنصري".

الحق في الحركة في بيت لحم عند جدار الفصل العنصري (فيسبوك)

ولم تكتفِ المنظمة بالرّكض على طرفيّ جدار الفصل، فتأسست مجموعات خارج البلاد وأُطلق عليها اسم "داعمو الحق في الحركة" (رايت تو موفمينت سابورترز) في الدنمارك ونيويورك وإيرلاندا وألمانيا. ويشارك الداعمون في ماراثونات تنظمها المجموعات الفلسطينيّة في يافا وحيفا ورام الله وبيت لحم والقدس.

الحق في الحركة في ويلز

وأضاف شاهين أنّه "قبل تفشي وباء كورونا في العالم، شاركنا على مدار سنوات في ماراثونات دوليّة، عبر منتخبنا المُنبثق عن كل المجموعات على مستوى فلسطين، كنّا في ماراثون كولن الألماني، وشاركنا في مسابقة ركض أميركيّة لمدة أسبوعين تحت اسم (الركض من أجل اللاجئين) ‘ران فور ذا ريفيوجس‘، ونظّمنا ماراثون أمام مبانٍ لشركة ‘جوجل‘ للضغط عليها لتشير إلى فلسطين في خرائطها".

وشارك الفلسطينيون في فعالية للعدّائين في الولايات المتحدة تحمل عنوان "مريم ويوسف" في إشارة لرحلة مريم العذراء وعبورها طريق الآلام الأول إلى مهد الخلاص برفقة يوسف النجار مربي المسيح وحارسه.

مجموعة الحق في الحركة في القدس

وتحاكي هذه الفعاليّة معاناة الفلسطينيين اليوم في سلوك الطرق المتعرجة لتجنب حواجز الاحتلال في الطريق من الناصرة إلى بيت لحم مثلا.

وفي حديث لـ"عرب 48" مع الطالبة الفلسطينية أحلام منصور، أشارت إلى أن مشاركتها في "رايت تو موفمينت" بدأت قبل ثلاث سنوات لتوطد علاقاتها مع الطلاب العدّائين وللترفيه عن النفس والابتعاد عن أجواء الضغوطات التعليميّة وللحفاظ على ثقافة صحة سليمة.

مجموعة الحق في الحركة في رام الله

وأضافت منصور أنه "سرعان ما بدأت أكتشف أن المنظمة تحمل رسالة أبعد من غايتيْ الركض والرياضة وأنني جزء من شيء أكبر مما تخيّلت، وهو الحق في الحركة الذي أمارسه أنا دون أن أنتبه لهذا ‘الامتياز‘، ولكن غيري لا يتمكن من ممارسة هذا الحق المجاني، هناك أشخاص تعوّق حركتهم الحواجز والحدود، ونحن كطلاب ننادي في ممارسة هذا الحق الطبيعي".

وختمت منصور قولها إن "سؤال الاستمراريّة في النشاط فكّرت فيه كثيرًا، وقررت أن أهتم حين أنهي مرحلة دراستي الأكاديميّة أن تحافظ المجموعة التي أنشط فيها في يافا على استمرارية نشاطها ومواصلة العمل بشغف أكثر".

التعليقات