23/03/2016 - 18:37

سيمون شاهين... تقنية الغرب وروح الشرق

وصل شاهين البلاد، الأسبوع الماضي، بعد أن أغنى المكتبة الموسيقية العربية في المحافل الغربيّة، بمزيج من تقنية الغرب وروح الشرق، ضمن جولته التفقدية إلى عدد من المؤسسات، ومنها معهد بيت الموسيقى الرائد في مدينة شفاعمرو.

سيمون شاهين... تقنية الغرب وروح الشرق

الموسيقي العالمي ابن قرية ترشيحا في الجليل الأعلى، سيمون شاهين، يكرّس اهتمامه كل سنة، قادمًا من الولايات المتحدة الأميركيّة إلى مسقط رأسه، ليتواصل مع وطنه ويتابع رسالته، وذلك بعد أن أبدع وأغنى المكتبة العربية للموسيقى، وأدخلها للأروقة الغربية بنجاعة وامتياز لافت، ويطلع شاهين ويواكب الحركة الموسيقية في الداخل الفلسطيني، لا سيّما في ظل الوضعية الخاصة لهم، ويساهم بما يقتنع به ورؤيته في بناء مجتمعه ومشروعه الفني الإنساني، الذي يعتبره حلمًا طالما راوده لإحداث نقلة حضارية ومهنية نوعيّة في عالم التأليف والإنتاج الموسيقيّ  وتطوير الفكر الموسيقي الآلاتي.

وصل شاهين البلاد، الأسبوع الماضي، بعد أن أغنى المكتبة الموسيقية العربية في المحافل الغربيّة، بمزيج من تقنية الغرب وروح الشرق، ضمن جولته التفقدية إلى عدد من المؤسسات، ومنها معهد بيت الموسيقى الرائد في مدينة شفاعمرو.

ومن ضمن جولته التفقدية لميدان التعليم الموسيقي في البلاد، تم تنظيم ورشة عمل مع نخبة من الطلاب العازفين الشباب في معهد بيت الموسيقى، حيث تم اختيار خمسة طلاب من المعهد لتقديم معزوفاتهم أمام الموسيقي شاهين، وهم أنطونيو شقور على الكمان، وباسم سرحان على العود، وعلى آلة تشيللو سهيل كنعان، وعلى الكمان بشارة خوري، وميلاد عبد الفتاح على القانون، وعلّق شاهين بعد تفاعله الإيجابي والإعجابي مع الطلاب بالإيجاب، وقدم الملاحظات على ما قدموه والتوجيهات، واعتبره إنجازًا عظيمًا وتحولًا نوعيًا باتجاه خلق حالة موسيقية رائدة بالداخل.

عرب 48 يحاوره على الهامش

لم يكن من اليسير إجراء حوارٍ مطولٍ معه، لانشغاله في عالمه 'المجنون' معتذرًا، إلا أنه خصّ موقع عرب 48 بما تيسّر من الوقت والانشغالات المتراكمة لاستكمال حلمه، رغم كل ما أبدعه من أحداث نقلة رائدة للموسيقى العربيّة، الذي يعترف بها الخصم قبل الصديق، سألناه حول المشهد والحركة الموسيقية في البلاد وانطباعاته، شدّد أنه من خلال جولاته وزياراته السنوية للبلاد واطلاعه على هذا الحراك النشط، قال إنه لا مجاملة في هذا المجال، وأنا زرت وشاهدت واستمعت إلى فتية عازفين من طلاب بيت الموسيقى في شفاعمرو، وهو مشهد يثلج الصدر ويرسم ملامح واسعة من الأمل، وهناك فرق موسيقية ممتازة في الداخل، تقدم عروضًا وموسيقى نوعية في مختلف الأماكن وكذلك لاحظت تثقيف الأطفال في المعاهد الموسيقية التي أخذت بالانتشار بمعظم المناطق، ومن خلال اهتمامي بزيارة البلاد، أهتم كل سنة أن يكون مشاركة موسيقية واطلاع  بحيث نهتم أن نستوعب بعض الموسيقيين من الشباب  الموهوبين في جامعة بيت الموسيقى في ولاية هيوستن الأمريكية، ونحن نواصل هذا الاهتمام منذ تسعة سنوات، حيث تستوعب الجامعة من سبعة إلى ثمانية طلاب فلسطينيين سنويًا، كمنح دراسية، في مسعى لإثراء الثقافة والحركة الموسيقية في البلاد، التي أعتقد أننا الأحوج لها في إثراء الجبهة الثقافية والإنتاج الموسيقي في ظل وضعية خاصة جدًا.

مؤسسات رائدة

وحول النقلة النوعية في الحركة الموسيقية في العقد الأخير لدى عرب الداخل، وفي ما إذا كان الدور الحاسم في ذلك لقسم الموسيقى الشرقية في جامعة القدس، ومعهد بيت الموسيقى في شفاعمرو، قال شاهين إنه 'جزئيًا قد يكون هذا صحيح، لكن لا يمكن حصر هذه النهضة بمعهد أو اثنين، رغم أهمية دورهما الرائد، لكن كذلك انتشرت مؤخرًا معاهد في عدد من البلدات والمدن العربية، مثل حيفا وترشيحا والمغار والجش  وشفاعمرو  وغيرها، وهذه المعاهد تشكّل النواة لخلق حالة ثقافية موسيقية وأنا متفائِل وسعيد لما أراه وأواكبه سنة بعد سنة، في تربية ونشوء جيل موسيقي نأمل أن يتسع ويتعمق لاستعادة الصورة الحضارية والثقافية التي تليق بمجتمع حضاري، وأعتقد أن هذا الأمل لم يأت من فراغ، بل هناك مؤسسات يتزايد اهتمامها بالمجال، إلى جانب الوعي المجتمعي لضرورة وأهمية المهنية ومنهجة العمل.

رسالة للغرب

سألناه في ما إن كان قد حقّق مراده، ومدى إسهامه للمكتبة الموسيقية العربية في الغرب، قال إن 'الموسيقى ميدان ربما من أوسع الميادين وأكثرها دقة، فكل يوم هناك شيء جديد يحتاج إلى نشاط وعمل دقيق استثنائي دائم، فعندما ذهبت لأميركا لدراسة الموسيقى في العام 1980، وجدت أن المتداول هناك حول الموسيقى العربية وما يعرفونه عنها، هو الموسيقى الإيقاعية والغنائية الراقصة موسيقى 'الكبري'، ومن هناك وضعت نصب عيني في مساهمة لأحاول إغناء الموسيقى العربية، لمنحها البُعْدَ والعمق اللذان تستحقانهما من خلال الموسيقى الآلاتية العربيّة، أي الموسيقى الخالصة أو الموسيقى الناطقة وليس بالغناء، وهذه مهمة تحتاج إلى جهد ومهارات خاصّة، وذلك من أجل تطوير إشكال موسيقية كآلات فردية وجماعية، من أجل تطوير هذا الفكر وهذه الرؤية لا بد من تطوير إنتاج موسيقي خالصة، وهذا يحتاج إلى عمل وجهد خاص ومشقة كبيرة، وبعد أن كان الغرب والأمريكان لا يعرفون من موسيقانا سوى حالته المترديّة من الموسيقى والغناء الراقص، إذ لم يكن هنالك لا غناء ولا موسيقى عربية نوعية على خشبة المسرح، إلا أننا استطعنا أن نحدث، بعد جهد مضنٍ وطويل، نقلة نوعية في استيعاب الموسيقى العربية، بحيث أقمنا عروضًا موسيقية كمًّا ونوعًا في مختلف المحافل، ولم تتبقَ مدينة واحدة في أميركا إلا وأقمنا فيها العروض الموسيقية، التي لاقت إقبالا لافتًا ومثيرًا للغاية.

بين التقنية الغربية وروح الشرق

ويستطرد شاهين مؤكدًا أنه 'بعد تلك الصورة المشوهة لموسيقانا لدى الأميركان، اختلفت الصورة والاهتمام بعمق ما يحمله تراثنا الموسيقي واستطعنا، من خلال عملنا المتواصل والدؤوب، بواسطة المزج العضوي بين موسيقانا العربية التقليدية بروحها، والموسيقى الغربية بتقنيتها، أن نصل لهذا الجمهور' ويكمل شاهين بالقول 'استطعنا إيصال الآلات الشرقية وأنغامها، مثل الناي والعود والقانون والإيقاعات للأذن الأميركيّة، وأعتقد أن هذا إنجاز مهم جدًا للتواصل مع الشعوب والحضارات وإظهار الجوانب المشرقة والمهمة في  الثقافة والحضارة العربية، وأعتقد أن ما أراه في زياراتي السنوية لبلدي، موجود لدى الجيل الموسيقي الناشئ في فلسطين، أهم مما هو موجود في العالم العربي، هذا إذا ما أخذنا الخاصية الاستثنائية لعرب الداخل، أيضًا'.

لكنها موسيقى نخبوية؟

سألناه إن كان البعض يعتبر موسيقاه نخبوية، فهي، رغم الإبداع، قاسية وغير مفهومة على العامة، قال: لا يمكن أن نراوح في نفس المكان، والإبداع يحتاج إلى كسر بعض القوالب التقليديّة، وعلينا أن نتطور ونتقدم لمصاف الحضارات الحيّة وعدم التقوقع بالتقليدي رغم جماليته وروحه، وأضرب لك مثالا وفكرة، عندما كان الموسيقي الشهير باخ يعتبر نخبويًا، حين ألّف ولحن موسيقى إبداعية، على أساس أنه قدم موسيقى نخبوية للبلاط  الملكي أو البابوي، إلا أنها، بعد سنوات طويلة، تحوّلت موسيقاه إلى موسيقى شعبية خالدة ومسموعة لدى كل الناس، وبالتالي، لا أعتقد أن هنالك فكرًا وموسيقى نخبوية،  بل هناك فكر ورؤية فنية أعمل على نقلها للناس ضمن رؤية وفلسفة تحمل أبعادًا آنيّة ومستقبلية.

التعليقات