19/01/2018 - 13:58

بروفيسور خوري - كسابري: الانكشاف للعنصرية أحد أسباب العنف

بروفيسور منى خوري - كسابري لـعرب 48": الأكثر شيوعا بين اليهود هو العنف الكلامي وبين العرب العنف الجسدي* العنف ظاهرة ديناميكية لا تتوقف لوحدها، بل يتطلب معالجة في مختلف المستويات

بروفيسور خوري - كسابري: الانكشاف للعنصرية أحد أسباب العنف

توضيحية (pixabay)

*بين اليهود الأكثر شيوعا هو العنف الكلامي وبين العرب العنف الجسدي
* العنف ظاهرة دينامية لا تتوقف لوحدها، بل يتطلب معالجة في مختلف المستويات


في سياق عملية تطوره على أرض وطنه، يواجه الجزء الباقي من الشعب الفلسطيني في أراضي الـ48 تحديات التطور غير المتكافئ مع المجتمع الآخر، الذي يتمتع بنقطة انطلاق أفضل وموارد اقتصادية عامة وخاصة تجعله يتقدم عليه في مختلف المجالات التعليمية والتشغيلية والاقتصادية، وذلك بفضل سيطرته على الحيز الجغرافي والسياسي والاقتصادي في البلاد.

هذا الواقع الذي حول سكان البلاد الأصليين إلى هامش معزول عن مركز الفعل الاقتصادي والسياسي، بات يهدد بتحويل البلدات العربية إلى غيتوات وتجمعات وأحياء فقر شبيهة بأحياء المهاجرين المنتشرة على أطراف المدن والعواصم الأوروبية وأحياء السود في أميركا، والتي تحولت لأوكار للعنف والجريمة والمخدرات، وهي مجالات أعطت فيها، إسرائيل للعرب "حكما ذاتيا"، كما قال أحد الباحثين، عوضا عن إعطائهم "أوتونوميا" في التعليم والثقافة والأديان وغيرها من المجالات التي تسعى إلى إلحاقها بأجهزة المخابرات.

وفي هذا السياق، تشير معطيات الشرطة إلى أن 50% من جرائم القتل التي تمت في إسرائيل نفذت على أيدي عرب أو اتهم عرب بتنفيذها، ما يعني أن العرب الذين يشكلون 20% من السكان في إسرائيل مسؤولون عن نحو نصف جرائم القتل فـيها. وفي عام 2011 قفزت تلك النسبة إلى 70%، كما يتضح أن نصيب العرب من محاولات القتل بلغ 67%، ناهيك عن انهم شكلوا 38% من المتورطين بمخالفات الاعتداء الخطير ونحو 52% من عمليات السطو.

ولدى التفتيش عن المصدر والأساس الذي نمت عليه هذه المعطيات نجد أن 22% من الشبيبة التي تتراوح أعمارهم بين 15- 18 عاما لا يتعلمون ولا يعملون، علما بأن نسبة الذين لا يتعلمون ولا يعملون في الوسط اليهودي هو أقل من 5%، هؤلاء يشكلون "مجموعة خطرة" لا تمتلك أي نوع من الحصانة في وجه العنف والجريمة والظواهر السلبية الأخرى ويشكلون تربة خصبة قد تنبت منها كل تلك الظواهر السبية.

من هناك، بل ومن مراحل سابقة أيضا، من جيل الطفولة المبكرة، يجب تحصين الأجيال القادمة من هذه الظواهر، وغني عن البيان أن التربية السليمة والأخلاق الحميدة لوحدها لم تعد كافية، إذا لم يتم تعزيزها بالأطر التربوية والتشغيلية الملائمة، التي تقي الشبيبة من أمراض وأخطار الشارع، وهو أمر يتم بتظافر جهود الأهل والمدرسة والمجتمع، كما تقول المحاضرة في مدرسة الخدمة والرفاه الاجتماعي في الجامعة العبرية، والباحثة في مجال العنف بين الشبيبة، بروفيسور منى خوري - كسابري.

ولبحث أسباب انتشار الظاهرة في مجتمعنا العربي أكثر من غيره وأساليب علاجها حاور "عرب 48" بروفيسور كسابري.

"عرب 48": عرفنا أنك أجريت العديد من الأبحاث حول العنف والعنف بين أوساط الشبيبة بشكل خاص، ومنها أبحاث قارنت فيها بين المجتمعين العربي واليهودي، أعتقد أننا تفوقنا في هذا المجال؟

كسابري: بدأنا في هذه الأبحاث قبل عشر سنوات تقريبا، وشملت مختلف مناطق البلد والقطاعات السكانية من عرب ويهود، حيث شملت الاستطلاعات من 16 إلى 27 ألف طالب من جيل 12 إلى 18 عاما، بعدها تركزت في موضوع الجنوح عند الشبيبة العربية.

"عرب 48": ما هي أبرز النتائج في المقارنة بين المجتمعين؟

بروفيسور منى خوري - كسابري

كسابري: بشكل عام يتم استخدام مايسمى بـ"العنف المعتدل" في المجتمعين ومن قبل غالبية الشبيبة، بينما يقتصر العنف الأكثر تطرفا بين فئة قليلة وبين هذه الفئة يزيد العنف الكلامي بين اليهود ويزيد العنف الجسدي بين العرب، لكن بشكل عام الفجوة بين اليهود والعرب ليست كبيرة ولكن الفجوة تتعمق جدا عندما يتحول العنف إلى جنوح.

تلك الفئة القليلة يكون من السهل التعامل معها لو تم اكتشافها بجيل مبكر وهذا ممكن، حتى من جيل مرحلة الروضة تستطيع المربية اكتشاف الطفل الذي لديه ميول لاستعمال العنف وبالتالي التعامل معه بأدوات تربوية، وقد يكون في الصف طفل أو أكثر من هذا النوع، ويمكن ملاحظة تجاوزه للحد الطبيعي ويفترض لفت نظر الأهل ومعالجة المشكلة بالتعاون معهما، وقد يكون الأمر مرتبط بصعوبات في اللغة أو التأقلم أو غيرها من المشاكل القابلة للحل، ولكن التعامي عنها والتنكر لها سيؤدي إلى استفحالها.

"عرب 48": قلت إن الفجوة تزيد عند الحديث عن الجنوح، ما هو حجم هذه الزيادة؟

كسابري: معطيات الشرطة تتحدث عن 50% من الملفات الجنائية التي يتم فتحها في هذا الجيل هي لشبان عرب، علما أن نسبة العرب في هذا الجيل هي 27% وليست 20%، أي أننا نتحدث عن ضعف نسبتهم من السكان، وقد يقول قائل إن معطيات الشرطة غير موثوقة، ولكن النسبة ذاتها تقريبا تظهر في نماذج الاستجوابات الشخصية، المرافقة لعمليات البحث، الأمر الذي يؤكد أننا نعاني من مشكلة جدية.

إلا أن اللافت في النتائج، هي الفجوة الكبيرة القائمة لدى العرب بين الشباب والبنات، إذ أن البنات العربيات هن أقل فئة التي تمارس العنف من بين الفئات الأربع، وهذا ربما يعود إلى طبيعة المجتمع العربي المحافظ، الذي يسوق العنف كنوع من الرجولة.

"عرب 48": ها هي المحافظة الاجتماعية تلعب لصالح المرأة هذه المرة؟

كسابري: المجتمع ما زال "محافظا أكثر تجاه البنات" وهذا يضعهن في موضع التمسك أكثر بالقيم والمفاهيم الأخلاقية التقليدية، ويجعل الفجوة بينهن وبين الشباب أكثر اتساعا من المجتمعات الأخرى، ويجعل العنف بينهن أقل شيوعا.

ومن الجدير التنويه هنا أن الدين كمنظومة قيم اجتماعية يشكل جدار حماية للشباب من العنف، حيث أثبتت الأبحاث أن نسبة ممارسة العنف أقل في هذه الأوساط عندما يكون الأهل والأولاد متدينين، علما بأن الخطورة تكمن في وجود أهل متدينين وأولاد غير متدينين، في مثل تلك الحالات تزداد التوترات العائلية بسبب اختلاف المفاهيم وفقدان المقام المشترك.

"عرب 48": ولكن ما هو دور العامل الاقتصادي الاجتماعي في مجتمع 50% منه تحت خط الفقر؟

كسابري: الوضع الاقتصادي الاجتماعي له تأثير بالطبع كونه يخلق بيئة حاضنة، وتشير معظم الأبحاث إلى أن المشكلة لا تكمن في الوضع الاقتصادي الاجتماعي ذاته، بل في البيئة التي يخلقها هذا الوضع على غرار أحياء الفقر في المدن الكبيرة والتي تتحول إلى أوكار للعنف والمخدرات في بعض الأحيان.

"عرب 48": ولكن هذا غير موجود في مجتمعنا، باستثناء المدن المختلطة، حيث لا تنقسم مناطق السكن وفق مقاييس اجتماعية اقتصادية؟

كسابري: هذه صفة إيجابية، ولكن تلك الفئات معرضة أكثر من غيرها في الانكشاف للعنف لأنها تمتلك مناعة أقل، كونها تعاني ظروفا صعبة ولذلك هي بحاجة إلى شبكة دعم أكبر، والمفارقة أن الفتى العربي المكشوف أكثر لعوامل الخطر يحظى بمساعدة أقل في هذا المضمار، والمقصود هنا الخدمات الاجتماعية والتربوية والنفسية.

"عرب 48": ما هو تأثير واقع القهر والتمييز التي يتعرض لها الأولاد العرب على سلوكهم؟

كسابري: أبحاثنا أثبتت أن التعرض لممارسات عنصرية يشكل سببا للسلوك العنيف، ولكن للأسف أنه يتم تفريغ شحنة العنف تلك داخل المجتمع العربي، بمعنى أن الشاب العربي يتعرض للعنصرية في الشارع اليهودي ويمارس سلوكا عنيفا نتيجة لذلك في مجتمعه العربي.

"عرب 48": نستطيع أن نجمل مما ورد في حديثك، بأن هناك علاجا جذريا للظاهرة بالقضاء على أسبابها وهناك علاجا لكيفية التعامل معها والتخفيف من حجمها وآثارها، ونحن نعاني في الحالتين من قصور اجتماعي وتقصير مؤسساتي، الأمر الذي يعمق تلك الظاهرة ويفاقم مخاطرها الاجتماعية؟

كسابري: العنف ظاهرة ديناميكية لا تتوقف لوحدها، بل يتطلب معالجة في مختلف المستويات للأسباب والنتائج، على مستوى العائلة وعلى مستوى المدرسة والشارع، والعلاج يبدأ بفحص معاملتنا مع أولادنا ومعاملة المعلمين مع الطلاب وإعادة تقييم لدور الأجهزة التربوية والاجتماعية والنفسية ومراقبة أدائها، وضمان بأن تقوم كل حلقة في سلسلة الأجهزة تلك بواجبها وكذلك ضمان تكامل تلك السلسلة وترابط حلقاتها، بمعنى أن يقوم كل مسؤول وفرد بواجبه لأن محاصرة العنف هو مسؤولية مجتمعية أولا وأخيرا.

 

التعليقات