"الشيوعيون أنقذوا الدولة"

-

نشرت صحيفة "هآرتس" الصادرة يوم الثلاثاء الماضي (09/05/2006) تحقيقاً أعده أرييه ديان، أشار فيه إلى صفقة الأسلحة التشيكية الضخمة التي قدمت لإسرائيل في العام 1948، بإيحاء من الإتحاد السوفييتي والتي كان لها "الفضل" في حسم المعركة لصالح قيام دولة إسرائيل!

ويعترف دافيد بن غوريون أن الجيش الإسرائيلي تمكن من الإنتصار بفضل هذه المساعدات، والتي اشتملت على 50 ألف بندقية تشيكية (ظل يستخدمها الجيش لمدة 30 عاماً) و 6000 رشاش و 90 مليون رصاصة و 91 طائرة حربية، علاوة على تدريب وتأهيل طيارين إسرائيليين لقيادة واستخدام هذه الطائرات!!

ويشير التحقيق على سبيل المثال إلى أن الطائرات الحربية التشيكية هي التي أوقفت تقدم الجيش المصري قرب مدينة أشدود (أسدود)!

كما يشير التحقيق إلى أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي كان له دور كبير في التوصل إلى هذه الصفقة التي ساهمت في حسم مجريات الحرب لصالح قيام إسرائيل. وبحسب التقرير فقد عمل عدد من قادة الحزب الشيوعي على خلق اتصال بين الوكالة اليهودية والأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا، الأمر الذي مهد الطريق للتوصل إلى إبرام هذه الصفقة، في ظل فرض المقاطعة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا على بيع الأسلحة لإسرائيل!


الإعلان الملون الذي يرتفع في وسطه اسم وعلم إسرائيل، ويجري توزيعه في الأيام الأخيرة في العاصمة التشيكية، يبشر بافتتاح المعرض في المتحف العسكري في براغ الذي يتبع لوزارة الدفاع التشيكية.

ومن يقرأ نص الإعلان باللغة التشيكية سيكتشف أن المعرض، الذي سيفتتح في نهاية الأسبوع، سيتناول إحدى القضايا التاريخية المثيرة في تاريخ العلاقات بين شرق أوروبا الشيوعية وبين دولة إسرائيل. وبواسطة صور قديمة ونسخ من وثائق مصفرة ونماذج بالية من أنواع الأسلحة والزي العسكري، سيتم توثيق قضية المساعدة العسكرية التشيكية في العام 1948، في المرحلة الأصعب من الحرب التي جرت في حينه، لدولة إسرائيل في ميلادها.

كانت قضية أيامها قصيرة، إلا أنها كبيرة الأهمية في تاريخ الحرب، حيث دامت أقل من سنة، إلا أن دافيد بين غوريون اعترف ذات مرة أن الجيش الإسرائيلي تمكن من الإنتصار بفضل هذه المساعدات، التي اشتملت على البنادق التشيكية المشهورة وعشرات الطائرات الحربية.

وبالرغم من الأهمية الكبيرة لهذه المساعدات فلم تحظ حتى اليوم بالأصداء الشعبية التي تستحقها، سواء في إسرائيل أو في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية أو ما بعد الشيوعية. واليوم فقط، بعد مرور أكثر من عقد ونصف على سقوط الشيوعية، بدأت تثير الإهتمام هناك..

وهناك أسباب سياسية واضحة ومفهومة لهذا التجاهل والتناسي الذي أحاط هذه القضية طوال أكثر من 50 عاماً في الدولتين. فلم يكن للنظام الشيوعي في براغ أي سبب لإبراز المساعدات العسكرية التي قدمها لإسرائيل، والتي ستظهر الأيام أنها ستصبح الممثل الأكبر للإمبريالية في الشرق الأوسط، ولم يكن للنظام الجديد الذي قام هناك مع سقوط الشيوعية أي سبب لإبراز هذه القضية. وكل من سيهتم بها سيكتشف فوراً أن المساعدة التي قدمتها تشيكوسلوفاكيا لإسرائيل كانت بإسم الإتحاد السوفييتي وبأوامره. وكذلك في إسرائيل، حيث أثارت هذه القضية في الماضي شعوراً بعدم الراحة السياسية، فلم يكن من المريح لحكومة إسرائيل ذكر حقيقة أن السلاح الذي أنقذ الجيش الإسرائيلي عام 1948 وصل من الكتلة الشيوعية بالذات، كما لم يكن من المريح الإعتراف بأن التوجه إلى الكتلة الشيوعية نبع من المقاطعة التي فرضتها الولايات المتحدة على بيع السلاح لإسرائيل!

وتتحدث شوش دغان، زوجة نحميا دغان، أحد قادة سلاح الجو الإسرائيلي، وهي التي شاركت من الجانب الإٍسرائيلي في جمع المعروضات في المتحف العسكري في براغ، فتقول:" بالرغم من نشأتي في عائلة سلاح الجو، فلم أعرف سوى القليل عن هذه القضية إلا منذ بضعة سنوات فقط. أذكر أن الحديث عن ذلك كان قليلاً وبصورة ضبابية، تناول مساعدة وصلت إلى إسرائيل من تشيكوسلوفاكيا، ودورة تدريب على الطيران هناك. لم تكن هذه من المواضيع التي دأب سلاح الجو على إبرازها".

وتتابع أنها قد التقت في إحدى زياراتها مجموعة من الطيارين في سلاح الجو التشيكي، كانوا قد عملوا كمرشدين في إحدى دورات الطيران التي نظمها سلاح الجو لعدد من المتدربين الإسرائيليين في العام 1948.

وتقول أنها كانت مترددة في بداية اللقاء مع هؤلاء المدربين وغالبيتهم في سن الثمانين، وشعرت بأنهم يخشون من الحديث، وتلفتوا طوال الوقت يمنة ويسرة للتيقن من عدم إنصات أي شخص آخر للحديث. وفقط بعد فترة قصيرة انطلقوا في الحديث بعد أن بدأوا يتذكرون نوادر ودعابات من الدورة إياها. وتبين أنهم لا زالوا يذكرون كافة التفاصيل بما في ذلك أسماء المتدربين الإسرائيليين.

وتضيف:" تركوا انطباعاً لدي بأنهم قد أعجبوا ولا زالوا معجبين بسلاح الجو الإسرائيلي. ورغم ذلك شعرت أنهم لا يتحدثون بحرية مطلقة". ولعل ذلك يعود إلى كون القضية كانت لمدة عشرات السنين تعتبر سرية وكان الحديث عنها يشكل خطراً على حياة المتحدث!

تم التوقيع على صفقة السلاح الأولى مع تشيكوسلوفاكيا في كانون أول/يناير1948- بعد أقل من شهرين من قرار الأمم المتحدة بإقامة دولة إسرائيل، وقبل أربعة شهور من الإعلان عن قيامها فعلياً. وفوراً بعد قرار التقسيم، بدأ بن غوريون بالبحث عن مصادر للسلاح لقوات الدفاع الإسرائيلية، ووجد أن المصادر القانونية للسلاح في الولايات المتحدة وغالبية دول أوروبا مغلقة أمام مؤسسات "الييشوف". وكان البديل هو حملات غير قانونية للحصول على الأسلحة والتوجه إلى الكتلة السوفييتية.
وقد وقع من الجانب الإسرائيلي على الصفقة ممثلو الوكالة اليهودية بمصادقة دافيد بن غوريون وموشي شاريت، ووقع من الجانب التشيكي قيادة الجيش بمصادقة رئيس الحكومة كليمنت غوطوولد ووزير الدفاع الجنرال لودفيك سفوفودا وممثلو النظام الشيوعي في البلاد. وبالنسبة لهم فقد عملوا بحسب تعليمات الإتحاد السوفييتي الذي أيد قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة. وبعكس الولايات المتحدة وبريطانيا واصل الإتحاد السوفييتي تأييد القرار حتى بعد أن أدى إلى بداية مواجهات مسلحة. وعلى هذه الخلفية حاول نظام ستالين استغلال مقاطعة بيع السلاح التي فرضتها الولايات المتحدة على الشرق الأوسط من أجل جذب الدولة اليهودية التي ستقوم.

وفي إطار الصفقة التي تم التوقيع عليها في كانون أول/يناير زودت تشيكوسلوفاكيا ما يقارب 50 ألف بندقية (ظل الجيش الإسرائيلي يستخدمها لمدة ثلاثين عاماً) و 6000 رشاش و 90 مليون رصاصة. إلا أن الصفقات الأهم تم التوقيع عليها في نهاية نيسان/ابريل وأيار/مايو لتزويد إسرائيل بـ 25 طائرة حربية من طراز "مسرشميط" وكذلك تأهيل طيارين وفنيين إسرائيليين على الأراضي التشيكية وفي قواعدها العسكرية.

وكان لهذه الطائرات الطائرات الحربية التي نقلت مفككة بواسطة طائرات شحن كبيرة، الدور الأهم في وقف تقدم الجيش المصري جنوب أشدود (أسدود)، في المكان الذي يدعى اليوم مفرق "عاد هلوم".

وتواصلت المساعدات لسلاح الجو حتى النصف الثاني من عام 1948- وشمل في حينه 56 طائرة حربية من طراز "سبيتبيير"، وقد تم نقلها إلى إسرائيل طيراناً، قاد بعضها عدد من الطيارين الإسرائيليين، بينهم مردخاي هود الذي أشغل لاحقاً منصب قائد سلاح الجو، وداني شابيرا والذي أشغل لاحقاً منصب رئيس الطيار الرئيسي في تجارب الصناعات الجوية. وقد تحطمت إحدى هذه الطائرات في يوغوسلافيا في طريقها إلى إسرائيل حيث قتل الطيار الإسرائيلي سام بومرانتش.

وتدرب عدد من الطيارين الإسرائيليين، من بينهم عازر فايتسمان، في تشيكوسلوفاكيا، على قيادة طائرة "مسرشميط". وكان غالبية الطيارين في سلاح الجو الإسرائيلي، وبينهم فايتسمان، قد تخرجوا من الجيش البريطاني، وتدربوا فقط على قيادة الطائرات التي استخدمها سلاح الجو البريطاني في الحرب العالمية الثانية، في حين أن طائرة "مسرشميط" كان يستخدمها الجيش الألماني.

وربما يكون هناك سبب أخر، نفسي لا سياسي، لتناسي المساعدات التشيكية لإسرائيل، فغالبية المعدات العسكرية التي تم تزويدها كانت من إنتاج ألمانيا، وتمت صناعتها في المصانع العسكرية التي أقامها النازيون على الأراضي التشيكية المحتلة. وحتى الزي العسكري الإسرائيلي أثناء التدريبات في تشيكوسلوفاكيا كانت لجنود الجيش النازي. وسوف يتم عرضها في المعرض الذي سيفتتح هذا الأسبوع في براغ.

وتعود جذور هذا المعرض إلى المعرض المتواضع الذي أقيم قبل 4 سنوات في نيويورك. فقد اختار بيتر غندالوفيتش، القنصل التشيكي في نيويورك تقوية العلاقات بين بلاده وبين اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة عن طريق تنظيم معرض صغير، لتوثيق المساعدات العسكرية التي قدمتها إلى إسرائيل. وفي حينه توجه إلى د. رافي جمزو، الملحق لشؤون الثقافة في القنصلية الإسرائيلية في نيويورك، وقام الأخير بتوجيهه إلى شوش دغان، التي جهزت المعرض بصور وجدتها في إسرائيل أو تلقتها من قدامى سلاح الجو الذين شاركوا في دورات التدريب في تشيكوسلوفاكيا.

وقبل سنتين، بعد أن عادت دغان إلى البلاد، علمت أن اليش كينجك مدير ثلاثة متاحف تعمل برعاية وزارة الدفاع التشيكية، يزور إسرائيل كضيف على سلاح الجو، فاجتمعت به، وعرضت عليه الصور التي كانت قد عرضتها في القنصلية في نيويورك، واقترحت عليه تنظيم معرض مشابه في أحد المتاحف التي يديرها. وقبل نصف سنة تم استدعاؤها إلى براغ لتجميع المعرض في المتحف العسكري التشيكي.


وسيكون المعرض التشيكي في براغ أكبر وأشمل بكثير من المعرض الذي نظم في نيويورك. وعلاوة على الصور التي جمعتها دغان في إسرائيل، سيتم عرض الصور ونسخ عن وثائق عثرت عليها بمساعدة مؤرخ تشيكي يعمل في المتحف العسكري. وتظهر الصور القواعد العسكرية التي تم تدريب وتأهيل الجنود الإسرائيليين فيها، ومبنى المفوضية الإسرائيلية في براغ والذي أدار ممثلو إسرائيل الحملة من خلاله، وكذلك المرشدين التشيكيين الذين أشرفوا على الدورات.

ومن بين الوثائق التي سيتم عرضها (بعضها باللغة التشيكية والأخر مترجم للإنجليزية) نصوص الإتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين الدولتين، ومراسلات داخلية للنظام التشيكي والتي تتناول الجوانب اللوجستية للمساعدة، ورسالة أرسلت من وزارة الخارجية في براغ إلى السفارة الأثيوبية في باريس!

ويتضح أن بعض إرساليات السلاح التي خرجت من تشيكوسلوفاكيا إلى إسرائيل جرى التمويه عليها، وكأنها مرسلة إلى أثيوبيا. وإلى جانب الزي (الألماني) الذي لبسه الإسرائيليون، سيتم عرض البندقية التشيكية المشهورة. وفي مرحلة معينة تمت دراسة فكرة عرض طائرة "سبيتبيير" قديمة المعروضة في متحف سلاح الجو التشيكي، إلا أنه تقرر لاحقاً شطب هذه الفكرة.

وتقول دغان إن مديري المتحف في براغ، وجميعهم من عناصر وزارة الدفاع التشيكية، قد منحوها مطلق الحرية في انتقاء المعروضات وامتنعوا عن إصدار توجيهات من جهة المضمون السياسي. وتضيف، ومع ذلك فقد أوضحوا بأنهم ينوون إضافة جناح في المعرض، يعرض فيه عمال المتحف معروضات تتناول الفترة الممتدة بين نهاية الحرب العالمية وبين توقيع الصفقة مع إسرائيل، وتوثق التعامل الإيجابي لتشيكوسلوفاكيا مع اليهود الناجين الذين عادوا للعيش فيها.

ومن الواضح لدغان أن وراء قرار تشيكوسلوفاكيا أن تعرض علانية المساعدات العسكرية التي قدمتها إلى إسرائيل يوجد هدف سياسي، وهو رغبتها في رسم تصور غربي جديد لها أمام العالم. إلا أن هذا الهدف دفع باتجاه جعل بعض الحقائق التاريخية أكثر تواضعاً، وهو ما فعلته دغان بالرغم من أن أحداً لم يطلب منها ذلك. وعلى سبيل المثال لن يظهر المعرض أن المساعدات التي قدمت لإسرائيل كانت بإيحاء من الإتحاد السوفييتي لتجاوز المقاطعة الأمريكية.

وتقول دغان:" كان الإتحاد السوفييتي يأمل أن تدفع المساعدات العسكرية إسرائيل باتجاه تحويلها إلى دولة في المعسكر السوفييتي. ولذلك فلا عجب أنه في كانون أول/يناير 1949، وفور انتخابات الكنيست الأولى والتي فاز فيها "مباي" وهزمت الأحزاب المؤيدة للإتحاد السوفييتي، توقفت المساعدات التشيكية بشكل تام". وحتى هذه الحقيقة لن يتم الإشارة إليها في المعرض، كما لن يتم الإشارة إلى حقيقة أنه من بين الإسرائيليين الذين كان لهم صلة بخلق اتصال بين الوكالة اليهودية والأنظمة الشيوعية في شرق أوروبا، كان عدد من قادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ومن بينهم إلياهو جوجانسكي (والد يورام زوج عضوة الكنيست، سابقاً، تمار جوجانسكي) الذي قتل في العام 1948 في حادث طيران وقع في الطريق من براغ إلى إسرائيل، وبحسب ألأحاديث التي دارت في وسط الحزب الشيوعي الإسرائيلي "ماكي"، فإن سفر جوجانسكي إلى براغ كان جزءاً من هذه الإتصالات لترتيب صفقة المساعدات العسكرية!

وتعتقد دغان أنه لا حاجة للتذكير بهذه الحقائق في المعرض، لأن الهدف من المعرض هو "للإنصاف التاريخي مع الشعب التشيكي والتعبير عن الإعتراف بالجميل من إسرائيل على المساندة التي قدمت لها في المستوى الشخصي والإنساني، وليس فقط على المستوى الدبلوماسي".
كما تقول أن الأهم هو "التعبير عن التقدير لأشخاص، مثل مدربي الطيران، الذين يظهرون تأييداً لإٍسرائيل لا ينبع بأي شكل من الأشكال من الأوامر التي تلقوها في العام 1948، على حد قولها!!




التعليقات