"ومع ذلك، الأردن.." / موشي آرنس

-

كتب موشي آرنس، وزير الأمن الإسرائيلي في السابق، في صحيفة "هآرتس":


[[في السياسة كما في الأعمال، فقبل البدء بوضع استراتيجية من أجل الوصول إلى هدف معين، يتعين تحديد الهدف أولاً. هذا المبدأ كان واضحاً لمؤسس الصهيونية، ثيودور هرتسل، الذي أعلن منذ البداية أن هدف الصهيونية هو إقامة دولة يهودية.

وكان ذلك واضحاً أيضاً لزئيف جبوتنسكي، الذي طالب، بعد أن شعر أن الحركة الصهيونية نسيت الأهداف التي تأسست من أجلها، أعضاء المؤتمر الصهيوني في بازل، عام 1931، بالمصادقة على الإعلان بأن هدف الصهيونية هو إقامة دولة يهودية على أرض إسرائيل. وعندما رفض المؤتمر، صعد جابوتنسكي على كرسي ومزق بطاقة عضويته في المؤتمر أمام أعين الممثلين، وأعلن أن "هذا المؤتمر ليس صهيونياً".

تمزيق البطاقة هذا كان بداية التمزق بين جابوتنسكي والحركة التصحيحية وبين الحركة الصهيونية. وبعد 11 سنة، في العام 1942، طالبت المؤسسة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الذي عقد في فندق بلتيمور في نيويورك، وشارك فيه حاييم فايتسمان ودافيد بن غوريون، بإقامة "جالية يهودية" (Jewish Commonwealth) في أرض إسرائيل. من هناك كانت الطريق لتحقيق الهدف صعبة إلا أنها مباشرة.

أما لماذا يتصل هذا الحديث بإسرائيل في العام 2006، فهو أن الحكومة الحالية، يقودها "كديما"، الحزب يصرح بأن هدفه إقامة دولة فلسطينية على أرض إسرائيل. فهل هذا هو هدفنا الآن؟ وهل يخدم هذا الهدف مصالح دولة إسرائيل؟ وهل يتوجب علينا صياغة استراتيجيتنا على ضوء هذا الهدف؟ يصر رئيس "كديما"، رئيس الحكومة، على أنه مخلص لأفكار جابوتنسكي، وأن هدفه يتماشى مع الأيديولوجية التي كان يحملها.

ينضاف إلى ذلك، فإن انسحابات أحادية الجانب، واقتلاع مستوطنات وإقامة دولة فلسطينية، بحسب إدعائه، هي خشبة الخلاص للصهيونية، وإلا ستضيع. ومن الواضح أنه لا يوجد لدينا إمكانية لمعرفة كيف كان سيفكر جابوتنسكي باستبدال الأهداف؛ إقامة دولة يهودية على أرض إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية على أرض إسرائيل، ولذلك فمن الأفضل إبقاؤه خارج النقاش، ودراسة الهدف الجديد الذي تم تحديده للصهيونية بموجب سلبياته وإيجابياته.

من الواضح أن التعريف الأفضل لهدف إسرائيل يجب أن يطمح إلى ضمان أمنها وأمن المواطنين أمام التهديدات. وإلا فإن المنطق سيضطرنا إلى دراسة إذا ما كان إقامة دولة فلسطينية يخدم هذا الهدف. وبنظرة متعمقة لا يبدو أن هذا الهدف معقول. فمن الصعب الإفتراض بأن دولة فلسطينية في الجوار على حدود إسرائيل وتحت سيطرة حماس ومحمود عباس، أو الميليشيات المتخاصمة، في حال الفوضى، ستساهم بأمن إسرائيل.

كان لدينا سابقة بهذا الخصوص وتداعياته على شاكلة التطورات الأخيرة في قطاع غزة، بعد الإنسحاب الأحادي الجانب من المنطقة. تسمية هذه التطورات بأنها أهداف إسرائيل هي تسمية عقيمة، والفرضية التي بموجبها إن استكمال بناء الجدار سيوفر الحماية الكافية لمواطني إسرائيل من الإرهابيين في الطرف الثاني، أو حصانتها أمام الإقتحام الشعبي الفلسطيني الجارف، فهو أمر مضحك. إذا كان هدفنا هو تعزيز قوتنا في محاربة الإرهاب، فإن هذه الدولة الفلسطينية لا تخدم أهدافنا. أما تكرار عدم وجود بديل فليس صحيحاً.

في اللحظة التي أوضحنا فيها لأنفسنا أن الحرب على الإرهاب هي هدفنا، فإننا نستطيع التوقف عن الجري خلف الدولة الفلسطينية، والتخلص من شعار "دولتين لشعبين" ومن الشعارات العقيمة الأخرى والبدء بالبحث عن حلفاء في حربنا على الإرهاب.

لا نحتاج إلى الذهاب بعيداً في البحث، فمملكة الأردن في أوج صراع بقاء أمام الإرهاب. وليس من المستغرب أن إقامة دولة فلسطينية على حدود الأردن من الممكن أن تشكل خطراً أكبر على الأردن بالمقارنة مع إسرائيل. ولأسباب مفهومة، الأردنيون لن يعلنوا ذلك علانية فوق السطوح، لكنهم يشاطروننا نفس الهدف المشترك. معارضتهم لخطة حكومة إسرائيل للإنسحاب الأحادي الجانب من يهودا والسامرة (الضفة الغربية) هو إشارة واضحة لرؤيتهم.

ولذلك فمن الممكن الإفتراض بأننا نستطيع التعاون معهم على أساس الإستراتيجية ذاتها، سراً بالطبع. وبالتأكيد ستكون هذه استراتيجية مختلفة تماماً عن تلك التي يعمل عليها الخارجون من الليكود إلى كديما، ويحاولون اختراع أيديولوجية جابوتنسكي من جديد، حيث لن يكون هناك حيز كاف لدولة فلسطينية في تلك الإستراتيجية.]]

التعليقات