"أخطاء أولمرت في الحرب.."

-

هناك شيء مقلق في رواية رئيس الوزراء، إيهود أولمرت حول ظروف اندلاع حرب لبنان الثانية. قال أولمرت في شهادته في لجنة فينوغراد وفي المقابلات التي أجراها منذ ذلك الوقت، أنه منذ تسلمه منصبه في يناير / كانون الثاني عام 2006 كان مستعدا لاحتمال اختطاف جنود إلى لبنان، ولاحقا قرر تغيير سياسة ضبط النفس التي سار عليها سابقوه والرد بعنف على استفزاز حزب الله. ووفقا لذلك قَبِل ووافق على أهداف الرد التي عرضها عليه الجيش، وانتظر الانفجار.

وتركزت الانتقادات على رواية أولمرت حول مسؤوليته عن جاهزية الجيش. فإذا كان يتوقع تفجرا في الشمال، ادعى منتقدوه، لماذا عين عمير بيرتس عديم التجربة كوزير للأمن ولم يتأكد من أن الجيش يجري استعداداته ويتدرب للحرب ضد حزب الله؟ هذه الادعاءات هامة، ولكنها لا تتناول الأساس. عمليات الرد التي صادق عليها أولمرت هي جوية وليست برية، وسلاح الجو كان مستعدا لها ونفذها بنجاح. وتعيين بيرتس كان خاطئا، ولكنه لم يؤثر على الخطة العملياتية، التي صودق عليها في وقت سابق.

المشكلة الرئيسية تكمن بما لم يقم به أولمرت: فبعد أن قرر انتهاء ضبط النفس في الشمال لم يُعد الجمهور لإمكانية اندلاع حرب ولم يجند المجتمع الدولي لمنعها. وهذا يعتبر إخفاقه المضاعف. لا تنتهي مسؤولية المستوى السياسي بسماع تقديرات الاستخبارات والمصادقة على خطط الجيش؛ فالواجب الأول لرئيس الوزراء هو استخدام كافة الوسائل التي بحوزته لمنع الحرب. ولكن اولمرت حافظ على سرية قراراته وأبقى المبادرة بيد حسن نصر الله.

يتبين من تصريحات أولمرت في فترة الحرب وبعدها، أنه رأى في اختطاف الجنود وفي رد إسرائيل العنيف فرصة لتغيير قواعد اللعبة في لبنان وتعزيز التأييد الجماهيري لخطة التجميع في الضفة الغربية. هذه الأهداف مبالغ فيها، ومحاولة تحقيقها منوط بتضحيات باهظة بالقتلى والجرحى، وبأضرار في الممتلكات وتتطلب تجنيد الاحتياط.

لم يقل أولمرت للجمهور أن يستعد لمواجهة مع حزب الله ولم يشرح أن تغيير الوضع في لبنان ضروري لمصالح إسرائيل. وغابت لبنان عن تصريحاته العلنية قبل الحرب. وكانت النتيجة، أن الجمهور فوجئ، وبعد تأييده في البداية لقصف لبنان، استصعب فيما بعد فهم على ماذا نحارب. وحينما تعقدت الأمور ولى الجمهور الأدبار لأولمرت. كما وأنه يرفض اليوم ادعاءات أولمرت بأن إسرائيل انتصرت في الحرب.

إخفاق أولمرت الثاني كان في تجنيد المجتمع الدولي. فإذا كان حقا يُقدّر أنه سيحدث تفجر على الحدود الشمالية، لماذا لم يوضح خطورة الوضع لجورج بوش وجاك شيراك وطوني بلير وحسني مبارك الذين التقى معهم في الأسابيع التي سبقت الحرب؟ ولماذا لم يقل لهم أن حزب الله يعد لاختطاف جنود وأنه يهدد إسرائيل علانية، وأنه إذا حصل ذلك ستدمر لبنان من قصف الجيش؟ لماذا لم يقل لهم أنهم إذا كانوا يرغبون بإنقاذ لبنان فليتحركوا لتطبيق قرار مجلس الأمن وتحييد حزب الله؟ صحيح أن أولمرت تحدث مع بوش وشيراك حول تسويات في مزارع شبعا ولكنه لم يخلق لديهم شعورا بالذهول من حرب على الأبواب.

كان يمكن أن يكون للإنذار الإسرائيلي نتيجتين. إما أن يحمل بوش وشيراك المجتمع الدولي ضد نصر الله، أو أنهما كانا سيوضحان لأولمرت أن البنى التحتية اللبنانية هي خارج قائمة أهداف سلاح الجو. وفي الحالة الثانية كان أولمرت سيعود إلى البلاد ويطلب من الجيش أهدافا بديلة.

وفي غياب تنسيق مسبق، وصل المنع الأمريكي من المس بحكومة السنيورة وبالبنى التحتية في لبنان في يوم اندلاع الحرب وبعد أن تعهد أولمرت برد مؤلم جدا. وكانت النتيجة أن الجيش الذي خطط لتدمير محطات توليد كهرباء وجسور في لبنان، بقي دون أهداف وجُر إلى حرب برية في ميدان مريح للعدو.
منذ الحرب غير أولمرت توجهه. وفي الأشهر الأخيرة يحضر الرأي العام الإسرائيلي بشكل تدريجي لحملة عسكرية واسعة في غزة ويحذر سوريا من "حسابات خاطئة" تؤدي إلى حرب.يمكننا أن نفهم من ذلك أنه أدرك أنه أخطأ في الصيف الماضي. ولكن هذا لا يكفي. ومن واجب لجنة فينوغراد أن تتطرق لأداء أولمرت قبل الحرب وتحدد ضوابط لمسؤولية المستوى السياسي في منع تورطات مستقبلية.





التعليقات