"التقديرات الإستخبارية" في الإمتحان الأمني..

-

كتب المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" والمراسل العسكري للتفلزيون الإسرائيلي سابقاً، رون بن يشاي في الزاوية الأمنية للصحيفة حول تقرير التقديرات الإستخبارية التي عرضت على الحكومة الإسرائيلية الأحد الماضي.

وبرأيه فقد حملت هذه التقديرات الإستخبارية رسالة تنطوي على تناقض داخلي؛ إيران وسورية وحماس وحزب الله يتسلحون بسرعة بوسائل قتالية متطورة، ويطورون طرق العمل، ويجرون استعدادات ميدانية لمواجهات واسعة، ويواصلون تفعيل ودعم الإرهاب. إلا أن عناصر الإستخبارات قالوا إنه بالرغم من المعلومات المثيرة للقلق، فإنه لا يوجد دلالات تظهر أن قادة إيران وسورية وحزب الله ينوون شن هجوم على نطاق واسع على إسرائيل في الفترة القريبة، ومن هنا فقد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الإحتمالات بوقوع الحرب في السنة القريبة ضئيلة.

هذه التقديرات إشكالية في أقل تقدير، ويجدر أن يتم التعامل معها بكثير من التشكك. فغالبية الحروب في العصر الحديث، في العالم وفي المنطقة، قد اندلعت في التوقيت غير المتوقع، وبشكل مفاجئ للأطراف المشاركة في الحرب. وهناك عدد قليل من الحروبات في القرن الماضي والحالي والتي نشبت نتيجة مبادرة وتخطيط من قبل أحد الأطراف، مثل الحرب العالمية الثانية، وحروب الخليج. وفي المقابل فإن غالبية باقي الحروب في العالم قد اندلعت بشكل مفاجئ مع اقتران أوضاع من عدم الإستقرار الإقليمي وأحداث أخرى لم يكن لأحد سيطرة عليها ولم يكن بالإمكان التنبؤ بها، أو بسبب خطوات وقرارات متسرعة من قبل قادة أحد الأطراف المتصارعة.

ويتابع أنه في الحروب التي كانت إسرائيل طرفاً فيها، كان هناك فقط حربان نتيجة مبادرة وتخطيط من القادة العرب، حرب عام 48 وحرب 73، بالإضافة إلى حربين بمبادرة إسرائيل الكاملة؛ حرب 56 وحرب لبنان الأولى 82، أما باقي الحروب فقد فاجأت إسرائيل عندما اندلعت نتيجة اقتران مفاجئ لجملة من الظروف والأحداث التي تفاقمت إلى حد الحرب. ويضع ضمن هذه الحروب حرب عام 67 وحرب الاستنزاف وحرب الخليج الأولى حيث تم قصف إسرائيل بصواريخ سكاد العراقية وحرب لبنان الثانية.

وبذلك يصل إلى نتيجة مفادها أنه في الحروب الثماني التي كانت إسرائيل طرفاً فيها، فإن 5 حروب لم تكن متوقعة من قبل الإستخبارات الإسرائيلية، وفي كل هذه الحروب كانت تقديرات الإستخبارات تشير إلى احتمالات منخفضة لنشوب حرب. ما يعني أن من تبددت تقديراته 5 مرات ينبغي أن يكن أكثر حذراً، فكم بالحري عندما تكون الاحتمالات بتدهور الوضع إلى حد الحرب أكبر من أي وقت مضى..

وبرأيه ربما من الممكن تقبل فرضية أن الرئيس السوري بشار الأسد والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ليسا معنيين حالياً بالحرب مع إسرائيل، ولكن هناك دلالات واضحة تشير إلى أن هناك الكثيرين في القيادة السورية يؤيدون "تسخين الحدود" مع إسرائيل، على طريقة عمليات المقاومة لحزب الله. وعلى إسرائيل أن تسأل نفسها كيف تتصرف في هذه الحالة عندما تتعرض المستوطنات في هضبة الجولان "للإزعاج" وربما لصواريخ الكاتيوشا؟ وهل سترد إسرائيل؟ وهل يمكن أن يتدهور الوضع إلى الحرب ويقوم حزب الله بدوره بإطلاق صواريخ من مواقع في شمال نهر الليطاني؟ وماذا سيحصل لو حاولت الولايات المتحدة، بواسطة الهجوم الجوي المحدود، منع إيران من تقديم المساعدات للمتمردين في العراق، أو منع تسلحها النووي؟ وهنا من المحتمل ألا يقفز الرد الإيراني عن إسرائيل. علاوة على أن عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة قد تدفع عناصر إسلامية إلى زيادة الدعم للفلسطينيين بشكل يضطر إسرائيل إلى العمل في جبهات أخرى.

"الإستخبارات مسؤولة عن تقدير قدرات ونوايا أعداء إسرائيل، ولذلك فإن تقديرات الإستخبارات، مثل تلك التي قدمت للحكومة، ليست بديلاً عن التقدير الشامل للوضع، والذي يأخذ بعين الإعتبار كافة العناصر الفاعلة على الساحة، بما في ذلك ما يمكن أن يقوم به الأمريكيون والإيرانيون والمتمردون على أنواعهم في العراق، كما يشمل القرارات والخطوات التي ستتخذها إسرائيل. فكل ذلك من الممكن أن يؤدي إلى دهورة الوضع إلى حد الحرب بإنذار لا يترك متسعاً من الوقت، أو بدون إنذار مطلقاً".

كما يضيف أنه على ضوء ذلك، فمن الأجدر بشعبة الإستخبارات في هيئة الأركان أن تتصرف بحذر أكبر قبل أن تطلق صافرات التهدئة بشأن إمكانية اندلاع حرب في غضون العام القادم. وهذا الأمر صحيح بالنسبة لعناصر التقديرات في الهيئات الإستخبارية الأخرى؛ الموساد وجهاز الأمن العام (الشاباك) ووحدة الدراسات السياسية في وزارة الخارجية، والذين يتشاطرون التقديرات نفسها.

" ولن يغير في الأمر شيئاً تلك التحفظات والملاحظات الهامشية التي أضافها رئيس الإستخبارات العسكرية ورئيس الموساد إلى تقديراتهم. فحقيقة أنه للمرة الأولى في تاريخ الدولة يتم استدعاء هذه الهيئات لعرض تقديراتهم الإستخبارية بشكل مستقل أمام الحكومة، فإن ذلك يلقي المسؤولية المباشرة على كل واحد منهم في حال تبددت التقديرات.

إلى ذلك، فإن رؤساء الهيئات الإستخبارية، بالإضافة إلى رئيس الحكومة والجمهور، عليهم أن يعرفوا حدود تقديرات الإستخبارات التي تعطي صورة لقدرات ونوايا العدو. وتلزم دروس الحرب الأخيرة بأن يكون في إسرائيل هيئة مكملة تقوم بوضع تقديرات الإستخبارات في الصورة الإسرائيلية والإقليمية الشاملة لتوفر "تقديراً قومياً للوضع". وبموجب هذا التقدير تستطيع الحكومة أن تتخذ القرارات النوعية والصحيحة في مجالات الأمن وتوزيع الموارد القومية.

بيد أن من يفترض به أن بإعداد هذا التقدير هو المجلس للأمن القومي، ولكن المصيبة هو أنه حتى الآن لا يوجد لهذا المجلس أية مكانة ومقدرة تتيح له تنفيذ هذه المهمة. ربما تستطيع نتائج لجنة فينوغراد إخراج هذه العربة من الوحل"..

التعليقات