"تبادل سكاني وتبادل مناطق"..

-

مرة أخرى يعاد إلى دائرة الاهتمام الإعلامي موضوعة التبادل السكاني وتبادل المناطق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وينطلق كاتب هذه المادة، غدعون بيغر، وهو بروفيسور في كلية الجغرافيا وبيئة الإنسان في جامعة تل أبيب، من اعتبار أن العرب الفلسطينيين في الداخل، سكان البلاد الأصليون، في مكانة مماثلة للمستوطنين اليهود الذين استولوا بالقوة على الأراضي في الضفة الغربية بعد احتلالها. بمعنى أنه يبرر تبادل سكان أصليين بغزاة محتلين، ويبرر تبادل أراضي هؤلاء السكان الأصليين بأراض محتلة.

كما لا يخفي الكاتب، مع تشدقه بـ"الديمقراطية الإسرائيلية"، عنصريته حين يتناول قضية التطهير العرقي والتخلص من أكبر نسبة من العرب في الداخل، للحفاظ على أغلبية يهودية في "إسرائيل" بوصفها "دولة اليهود".

وفي الوقت نفسه يدعي الكاتب أن السكان العرب الذين سيتم ضمهم إلى السلطة الفلسطينية سيكونون بمثابة تعزيز للدولة الفلسطينية، على اعتبار أنهم "أغنياء ومتعلمون وتمتعوا بحرية التعبير عن الرأي"، وما إلى ذلك، متجاهلاً سياسة دولته الاقتصادية حيال العرب، ومتجاهلاً الملاحقة السياسية وسياسة القمع المتبعة تجاه فلسطينيي الداخل.

والأهم من ذلك، أنه، وإن كان لا يتطرق إلى ذلك، إلا أنه من الواضح أنه لا مجال للحديث عن حق العودة، طالما أن الهدف هو التخلص من أكبر عدد ممكن العرب، تطبيقاً لشعار "دولتان لشعبين"، على أساس أن إسرائيل هي دولة اليهود، وفلسطين هي دولة الشعب الفلسطيني.

فكتب يقول:


[[.. مرة أخرى تطرح الفكرة لترسيم حدود إسرائيل الدائمة مقابل الدولة الفلسطينية من خلال تغيير خطوط الهدنة وملاءمتها للواقع الديمغرافي الذي تشكل في البلاد. وقد نشأت خطوط الهدنة كنتيجة للاتفاق بين إسرائيل والمملكة الأردنية بعد حرب 1948. وتقرر في الاتفاق تحديد الخط، الذي ضم سكاناً عرباً في المناطق التي لم يتم احتلالها خلال الحرب، من بينها البلدات العربية في وادي عارة، من باقة الغربية وحتى كفر قاسم، حيث تم ضمهم لإسرائيل بدون أن يطلب رأي السكان العرب، وذلك لضمان خطوط المواصلات والدفاع لإسرائيل.

ومنذ ذلك الحين وحتى حرب 1967 نشأ وضع عاش سكان عرب مسلمون على طول خط الهدنة، وتمت إقامة عدد قليل من المستوطنات على طول الخط، ومنها "مي عامي" و"ميتسر" و"أيال" و"ياد حانا"، إلا أن المستوطنين اليهود ظلوا أقلية في هذه المنطقة.

وبعد الحرب، 1967، فقد ألغي في الواقع خط الهدنة، وطوال الـ 40 سنة الأخيرة كان الاستيطان اليهودي إلى الشرق من هذا الخط، أي في الضفة الغربية، حيث بلغ عدد المستوطنين اليوم 240 ألف مستوطن، لا يشمل المستوطنين في منطقة القدس.

وفي السنوات العشرين الماضية تبلورت الفكرة أن حل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني يكون عن طريق إقامة دولة عربية فلسطينية إلى جانب إٍسرائيل، من الجهة الشرقية، تحت شعار "دولتان لشعبين". ورغم أن الشعار يبدو فكرة جيدة، إلا أنه ينطوي على وصف غير دقيق للوضع.

وفي حال تم الاتفاق على هذه المعادلة، فإن الحديث هو عن إقامة دولة فلسطينية لا يكون فيها مستوطنين يهود، ومقابلها تكون إسرائيل، التي يعيش فيها الشعبان، يهود بنسبة 80%، وعرب فلسطينيين بنسبة 20%. لا يوجد في هذه المعادلة مساواة قومية. ولذلك جرت في الماضي مناقشة اقتراحات بتحديد خط الحدود بين الدولة الفلسطينية وإسرائيل بطريقة تجعل البلدات العربية الواقعة خلف الخط الأخضر في داخل إسرائيل.

وتلزم هذه الفكرة ضم مساحات مختلفة لإسرائيل، يصل معدلها إلى 200 كيلومتر مربع، يعيش فيها ما يقارب 200 ألف يهودي، بدون القدس، في حين كان الموقف الفلسطيني الذي عرض في مناقشات عدة رسمية (كامب ديفيد وطابا)، وغير رسمية (جنيف)، يشترط ضم مساحات مساوية من إسرائيل، غرب الخط الأخضر.

يستند الشعار "دولتان لشعبين" على أساس أن كل شعب لديه الحق بالسيادة الكاملة على الأرض التي يعيش فيها. وكان ذلك الأساس لتوزيع العالم على دول قومية حديثة، وخاصة في أوروبا وآسيا. فأكثر من 95% من سكان إيطاليا هم إيطاليون من جهة اللغة والانتماء الديني، في حين أن سكان اليونان هم يونانيون بثقافتهم وقيادتهم، وأستونيا يسكنها الأستونيون، وبولندا يسكنها البولنديون..

تحديد خطوط الحدود لا ينشئ دولاً متجانسة بشكل مطلق، وبسبب الاحتياجات الاقتصادية والأمنية والتاريخية، تم في بعض الأحيان تحديد الحدود بشكل لم يضمن بقاء كافة أبناء الشعب من جهة واحدة من الحدود، بل أبقى أقليات قومية في الجانب الثاني. وهذه الأقليات التي أقامت وتواصل علاقاتها مع الدولة الأم لا تزيد نسبتها عن 10-15% من مجمل سكان الدولة، وهي في الغالب تميل إلى الهجرة أو الاندماج مع السكان المحليين.

وأدى هذا الوضع إلى خلق توترات ورغبات بضم هذه المساحات وغيرها إلى الدولة الأم. وقد تم حل بعض هذه التوترات من خلال تبادل سكاني بين الدولتين مثل تركيا- اليونان، والهند- باكستان، وتركيا- بلغاريا. وفي أحيان أخرى عن طريق تبادل مساحات. وفي بعض الأحيان كان السكان يسألون عن رأيهم (مثل إقليم السار بين ألمانيا وفرنسا)، وأحيانا كان يتم ذلك بالاتفاق بين الدولتين بدون العودة إلى السكان (مثل إيطاليا- النمسا، وهنغاريا- رومانيا، والأردن- السعودية، وإيطاليا- فرنسا).

وكما يبدو، فإنه وفي إطار الاتفاق الكامل بين إسرائيل والدولة الفلسطينية لن يكون هناك مناص من اتفاق مشابه، يتم فيه نقل مناطق يسكنها المستوطنون في مناطق السلطة إلى إسرائيل، وبشكل مواز يتم نقل مناطق يسكنها عرب فلسطينيين من إسرائيل إلى السيادة الفلسطينية.

والإشارة هنا إلى المناطق المحاذية اليوم للخط الأخضر من الجهتين. بحيث يعيش 200 ألف مستوطن يهودي على 200 كيلومتر مربع يتم ضمها إلى إسرائيل، وفي المقابل، يتم نقل 200 ألف عربي مسلم يعيشون على 200 كيلومتر مربع في إسرائيل إلى السيادة الفلسطينية، وبذلك ينشأ وضع تكون فيه الدولة الفلسطينية عربية، في حين يبقى في إسرائيل سكان ليسوا يهوداً بنسبة 14%.

ويكون بإمكان السكان العرب، على طول القطاع من صندلة ومقيبلة في الشمال وحتى كفر قاسم في الجنوب، إقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل بموجب اتفاقيات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه بإمكانها أن تعمل في أي وظيفة عامة- حكومية أو أمنية في داخل الدولة الفلسطينية.

وسوف ينشأ وضع مؤقت من الخسارة الاقتصادية والاجتماعية في الجانب الفلسطيني، وفي الأساس بسبب فقدان حق التعبير عن الرأي أو تبني مواقف تتعارض مع موقف السلطة، إلا أن هذا الوضع سوف يتغير مع مرور الزمن.

طرح هذا الحل في الماضي من قبل سياسيين في حزب العمل (رعنان كوهين، وأفرايم سنيه، وتنصلوا منه لاحقاً)، ويضيف كاتب هذا المقال أساساً علمياً فكرياً، وتم طرحه لاحقاً كفكرة سياسية من قبل حزب أفيغدور ليبرمان "يسرائيل بيتينو".

ورغم أن هذا الحل يبدو مستبعداً من قبل البعض، إلا أنه البرنامج الوحيد الذي يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة بدون يهود، تحصل على تعزيز من قبل سكان أغنياء متعلمين عاشوا بحرية في دولة حديثة وديمقراطية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتم تثبيت دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي، التي يكون فيها اليهود أغلبية مطلقة، بدون أن يتم الاعتراض على أهدافها ونشاطاتها وطريقها بكل ما يتصل بعلاقاتها مع العالم اليهودي والفكرة الصهيونية]]...

التعليقات