"سلام مستقرّ، حيوي وبارد"

-

يسجل اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر اليوم العام الثلاثين على توقيعه. هنالك أمر يبدو غير طبيعي في تعداد السنين إلى الوراء على قيام اتفاق السلام. فالعملية ذاتها تشير إلى عدم ثقة، أو استهجان على الأقل لأنه صمد. وبالفعل فإن هنالك أساس يستند إليه هذا الإستغراب. وقد وقعت مصر اتفاق سلام مع إسرائيل برغم الضغوط الكبيرة التي مارستها الدول العربية عليها، والقطيعة المتواصلة التي فرضوها عليها. كما أنها تمسكت بالإتفاق الجديد نسبيا عندما دخلت إسرائيل إلى لبنان أيضا، وبعد ذلك عند انطلاق الإنتفاضة الأولى وبعدها الثانية. وبين هذه وتلك غصبت ياسر عرفات على التوقيع على اتفاقية أوسلو، كما منحت مباركتها لاتفاق السلام مع الأردن.

إن إصرار الرئيس مبارك على اعتبار الإتفاق كنزا استراتيجيا لمصر، حوله لاحقا إلى رافعة سياسية عظيمة القوة، ما مهّد الطريق إلى بلورة المبادرة العربية، التي حولت موضوع السلام مع إسرائيل إلى خيار استراتيجي عربي. في الوقت ذاته، فإن السلام أتاح لمصر إمكانية التفرّغ للتطوير الإقتصادي، وأن تحتلن جيشها وأن تحدّثه، وأن تنعم بتحالف اقتصادي وسياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية.

نعم، إنه اتفاق بارد، ولم يحظ بالتفاف شعبي مصري أو بدعم النخبة من المثقفين. فالعلاقات مع مصر تختلف عن علاقات إسرائيل بأوروبا أو أمريكا، كما تنقصها العلاقة الثقافية، والسياحة المتنوعة والتعاون الإقتصادي. لكن في المقابل، لم تكن الولايات المتحدة أو أوروبا ذات يوم عدوة لإسرائيل.

يبدو أحيانا أن إسرائيل تضع السلام مع مصر في الإختبار. حيث أن سياسيين، منهم وزير االخارجية المنتظر أفيغدور ليبرمان، يهددونها، ويقترحون مهاجمة أهداف استراتيجية فيها أو أنهم يوبخون رئيسها هكذا بدون سبب. إنهم ينسون أن اتفاق السلام ليس منّة قدمتها إسرائيل لمصر، وأنه لا يمكن اعتبار الإنجازات السياسية والأمنية من بعدها بديهية.

ألإتفاق مع مصر ليس منقطعا عن الواقع في الشرق الأوسط، وخاصة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وإذا كان ثبات الإتفاق غير مشكوك فيه، فإن جودته وأفضليته، وبالأساس "مدى حرارته"، ستستمر في كونها متعلقة باستعداد إسرائيل لتطوير عمليات سياسية جديّة مع الفلسطينيين ومع سوريا.

التعليقات