من سيرد على الهاتف الأحمر في الثالثة ليلا؟

عكيفا إلدار - صحيفة «هآرتس» ترجمة عرب48

من سيرد على الهاتف الأحمر في الثالثة ليلا؟
بالرغم من أن الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون لا يمكن اعتبارها رمزا للنجاح، تحول سؤال البث التلفزيوني لحملتها- "من كنت تريد أن يرد على المحادثة الهاتفية في الساعة الثالثة ليلا؟"- لشأن مركزي في المنافسة على رئاسة حكومة إسرائيل. كل طفل إسرائيلي يعرف لماذا يرن الهاتف -«الأحمر» في بيت رئيس الوزراء الساعة الثالثة ليلا. كل طفلة تدرك أن هناك موضوعا واحدا لا يحتمل التأجيل حتى الصباح- فحارس إسرائيل لا يغفل له جفن ولا ينام بسبب الحروب والإرهاب والقذائف والصواريخ.

في إسرائيل رئيس الوزراء هو قبل كل شيء وزير أمن(أحيانا بشكل رسمي)، وامتحان الهاتف تحول لنوع من اختبار القيادة . والأسئلة حول ماذا يتحدثون مع الفلسطينيين، أو عن الرجل أو المرأة المناسبة لإجراء مفاوضات مع السوريين، دُفعت مجددا إلى هامش الخطاب السياسي.

قبل أكثر من ثلاثين عاما وقف وزير الخارجية، موشي ديان، إلى جانب رئيس الوزراء، مناحيم بيغين، حينما رفع زعيم الليكود سماعة الهاتف للحديث من الرئيس المصري أنور السادات. الرجل الذي تجاوز كافة الخطوط السياسية، أرسل إلى حاوية مزبلة التاريخ نظريته: "شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ". أدرك الزعيم التاريخي أن السلام مع أكبر دولة عربية هو رصيد أمني لا يقل أهمية عن أرتال الدبابات وأسراب المقاتلات، ولا عن الأراضي وحقول النفط. وتوص رئيس الوزراء، يتسحاك رابين، الذي انتقل هو أيضا من العسكر إلى السياسة، إلى نفس الاستنتاج بالنسبة لسوريا، لبنان، والفلسطينيين.

الماضي العسكري الباهر لإيهود باراك يمنحه الأفضلية في المنافسة للوصول إلى الهاتف الأحمر في الثالثة ليلا. ومقابل ذلك، تعلمنا من تجربة الماضي أن رئيس الوزراء باراك حينما تطلّب منه اتخاذ قرارات سياسية ذات أبعاد أمنية فإن خبرته الأمنية ليست ذات صلة.
في مقابلة مع صحيفة هآرتس في يوليو/ تموز قال رئيس "أمان" السابق، أوري ساغي، إن في عام 2000 فوتت إسرائيل فرصة نادرة للتوقيع على اتفاق سلام مع سوريا حافظ الأسد. وأعرب عن أسفه من أن لجان التحقيق تقام فقط لفحص الإخفاقات العسكرية في حين يتجاهلون الإخفاقات السياسية. وقال:" تخيل لو أن الاتفاق مع سوريا نجح- أي ربح استراتيجي كانت إسرائيل ستجني من ذلك؟" وأضاف ساغي الذي كان رئيس طاقم إيهود باراك للمفاوضات مع سوريا: " أن يكون الجيش الإسرائيلي قويا هذا أمر بغاية الأهمية، ولكن القوة لا تكفي لضمان مستقبلنا".

من الصعب إيجاد مكان تكون فيه محدودية القوة العسكرية والخبرة الأمنية للشخص الذي يمد يده للهاتف متجسدة أكثر مما هي عليه في الساحة ألإسرائيلية- الفلسطينية. وأكثر الأمور خطورة والتي تهدد مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية هو أن يغلق الفلسطينيون الخط. هذه الخطورة تكون ملموسة بشكل أكبر حينما يدعو مثقف براغماتي كـ "سرّي نسيبة" إلى حل السلطة الفلسطينية وتحويل النضال من المطالبة بالاستقلال إلى المطالبة بمساواة في الحقوق السياسية.

في خضم أجواء الانتصار في حرب الأيام الستة، أعلن ديّان أن إسرائيل ستتمسك بالمناطق التي احتلتها إلى أن «تتلقى اتصالا من العرب». هذا الاتصال وصل في ربيع عام 2002 من بيروت. حيث تبنت 22 دولة، في القمة العربية التي عقدت في بيروت، مبادرة السلام العربية. وكما كتب مروان المعشر الأسبوع الماضي في صحيفة هآرتس، فإنه منذ أكثر من ست سنوات طرحت أمام قادة إسرائيل وثيقة تاريخية تعرض معادلة لإنهاء الصراع بين إسرائيل والعرب، والتوصل إلى سلام شامل، وأمن للجميع وتطبيع للعلاقات مع إسرائيل. كما شارك وزير الخارجية الأردني السابق، والذي يعتبر من مبلوري المبادرة، في التحذير والذي أسمعه كثيرون في معسكر السلام الفلسطيني، بأن مواصلة المماطلة ستقبر حل الدولتين وتلعب لصالح الجهات العربية والإسلامية التي تعترض على أي تسوية مع إسرائيل.

من أجل اتخاذ قرارات صائبة بشأن التسويات السياسية مع الجيران لا حاجة للأوسمة على الأكتاف، بل إلى عقل مستقيم، قدرة على القيادة وشجاعة سياسية. قرارات كتلك ممكنة بل مطلوب اتخاذها في الثالثة ظهرا. وبدل الانشغال في الجدل من هو المناسب أكثر للرد على الهواتف الحمراء في منتصف الليل، من الأفضل لو كنا سمعنا بمن سيتصل المتنافسون على التاج، وماذا لديهم ليقولوه.

التعليقات