صحافة اسرائيلية: "مبارك أصبح من الماضي"

"إن الأشد حزنا في هذه القصة هو نتانياهو، فقد كان مبارك القائد الأخير في المنطقة الذي وافق على لقائه، وهو الوحيد الذي دافع عن السلام مع إسرائيل مقابل المعارضة الداخلية القوية في مصر"

صحافة اسرائيلية:
يعبر نحميا شتراسلر في صحيفة "هآرتس" الصادرة صباح اليوم الجمعة، عن رأي إسرائيلي بامتياز في ما يتصل بثورة الشعب المصري ضد النظام، سواء من جهة ما أسماه تخلي الغرب السريع عن الرئيس المصري حسني مبارك، أم من جهة اعتبار أن مبارك "إصلاحي محارب للبيروقراطية وحاصل على إعجاب صندوق النقد الدولي"، أم من جهة اعتباره أن سيناريو الثورات العربية سيئ، وأن الشعوب العربية لن تنتج ديمقراطيات، وأن الخبز وحده هو ما يدفع الناس إلى النزول إلى الشارع، حيث لا مجال، بحسب الكاتب، للحديث عن كرامة الشعوب وأمانيها وتطلعاتها الوطنية والقومية، مع عدم إغفال العامل الاقتصادي.
 
ويردد الكاتب الأسطوانة التي تدور على لسان المسؤولين الإسرائيليين وأركان النظام المصري بشأن سيطرة الإخوان المسلمين على مصر في حال سقوط النظام، وبالتالي تبعات سقوطه الاقتصادية والإستراتيجية على إسرائيل والعالم بدون إغفال المخاوف من تساقط أنظمة عربية أخرى. ويدعي في هذا السياق أنه بهذه الطريقة سيطر "الإسلام المتطرف" على الحكم في إيران، وحركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان.
 
يقول الكاتب إنه حتى قبل أسبوعين كانت مصر قصة نجاح اقتصادي مثير، فقد اعتبرت دولة ناهضة ذات نمو اقتصادي عال مدة عقد كامل، ونال حسني مبارك المديح بسبب الإصلاحات التي قادها وعمليات الخصخصة وحربه على البيروقراطية، وتحدث صندق النقد الدولي بانفعال عن الزيادة المذهلة في الاستثمارات الأجنبية في مصر وعن الشعارات الاحتفالية للسلطة "مصر مفتوحة للاستثمارات".
 
ويتابع أنه جاءت المظاهرات بعد ذلك، وفجأة تبين للاقتصاديين بأنهم أخطأوا خطأ فادحا، ويتحول فجأة الوضع الاقتصادي الجيد إلى سيء، ويتحول مبارك الإصلاحي إلى دكتاتور ظالم، وبدأ باراك أوباما، الذي عانق مبارك بحميمية منذ مدة قصيرة، بالتلميح له بأنه من الأفضل أن يخلي مكانه فورا.
 
ويضيف أن الاقتصاديين اكتشفوا فجأة أنه لا يوجد في مصر طبقة وسطى، وأن من نجح في تحصيل لقب أكاديمي (نحو مليون خريج سنويا) لا يجد له عملا سوى في التنظيف والحوانيت.
 
ويشير إلى أن الناتج القومي الخام في مصر يصل إلى 220 مليار دولار، وهو بالضبط مثل الناتج في إسرائيل، إلا أن عدد سكان مصر يصل إلى 80 مليون نسمة، في حين لا يتجاوز 7.5 مليون في إسرائيل، ولذلك فإن مستوى الحياة في مصر هو 10% من مستوى الحياة في إسرائيل.
 
كما يشير إلى أن التضخم المالي في مصر في العام 2010 وصل إلى 13%، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 20%، ووصلت نسبة البطالة الحقيقية إلى 25%، وذلك في دولة ينفق سكانها 40% من دخلهم على الغذاء، مقابل 17% في إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإن مصر تعاني من فساد سلطوي وغياب حرية التعبير، وتمارس أجهزة الأمن المصرية البلطجة، أما الانتخابات فهي "مطبوخة"، وإلا لما كان بالإمكان الحصول على غالبية بنسبة 97% مدة 30 عاما.
 
ويتابع أن للثورات في العالم العربي يوجد دائما سيناريو سيئا، فهي تبدأ في أعقاب فقر متواصل وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، وبالنتيجة فإن الجماهير تخرج إلى الشوارع، وعندها يبعث النظام بالجيش لقمع المظاهرات، فإذا نجح فإن الثورة تتأجل لعدة سنوات، وإذا لم ينجح الجيش فإنه ينضم إلى الجماهير ويسقط الدكتاتور. وعندها تجري انتخابات حرة لا تكون نتيجتها ديمقراطية بصيغة الأحلام الساذجة لأوباما وميركل، وإنما مجموعة منظمة جيدا تسيطر على الحكم. هكذا سيطر الإسلام المتطرف على إيران، وحماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان. ويكمن الخطر في مصر في سيطرة الإخوان المسلمين، وهو أسوأ سيناريو ممكن أن يحصل لسكان مصر وإسرائيل والعالم كله. بحسب الكاتب.
 
ويضيف أن هذا السيناريو المخيف والخشية من وصول تأثير تساقط أحجار الدومينو إلى القصر السعودي، أدى إلى ارتفاع أسعار النفط، وفي إسرائيل تجلى ذلك في انخفاض قيمة الشيكل، لأن المخاطر أمام إسرائيل تزايدت سواء من الناحية الاقتصادية أم من الناحية الاستراتيجية.
 
ويختتم مقالته بالقول إن الأشد حزنا في هذه القصة هو بنيامين نتانياهو. فقد كان مبارك القائد الأخير في المنطقة الذي وافق على لقائه، وهو الوحيد الذي دافع عن السلام مع إسرائيل مقابل المعارضة الداخلية القوية في مصر. أما رئيس حكومة تركيا فلا يريد علاقات معه، والملك الأردني عبد الله الثاني ليس على استعداد للتحدث معه، أما الرئيس السوري بشار الأسد فهو يرى في الصراع مع إسرائيل ذخرا استراتيجيا. يدرك نتانياهو الآن إلى أي مدى كان السلام مصيريا بالنسبة لإسرائيل، ولكن ذلك متأخر جدا، فمبارك الآن أصبح من الماضي.

التعليقات