"بعد فشل زيارة مصر وتركيا نجاح هذه الزيارة سيتضح في المدى البعيد.."

"زيارات وخطابات أوباما في بداية ولايته الأولى إلى تركيا ومصر والتي اعتبرت في حينه نجاحا كبيرا، ولكن على المدى البيعد تبين أنه فشلت تماما ولم تحقق أي هدف سياسي أو إستراتيجي"..

كتب البروفيسور إيتان غلبوع، الخبير في شؤون الولايات المتحدة، ورئيس "المدرسة للاتصالات" والباحث في "مركز بيغين – السادات للدراسات الإستراتيجية" في جامعة "بار إيلان"، في "يديعوت أحرونوت"، أن زيارة باراك أوباما لإسرائيل نجحت في المدى الفوري، ولكن فقط على المدى البعيد يمكن الجزم فيما إذا كان قد حقق أهدافه.

ويضيف أنه حتى عندما وصلت أوجها الهالة التي أحاطت بالزيارة في خطابه في "مباني الأمة" يجب تذكر العبرة والتجربة التاريخية لأوباما نفسه. ويشير في هذا السياق إلى زيارات وخطابات أوباما في بداية ولايته الأولى إلى تركيا ومصر والتي اعتبرت في حينه نجاحا كبيرا، ولكن على المدى البيعد تبين أنه فشلت تماما ولم تحقق أي هدف سياسي أو إستراتيجي.

ويتابع أن أوباما في حينه حاول إنجاز مصالحة بين الولايات المتحدة وبين العالمين الإسلامي والعربي، وتحقيق إستراتيجية تعتمد على تركيا كنموذج لإسلام معتدل، وعلى مصر برئاسة مبارك كحليف إستراتيجي، بيد أن المصالحة لم تنجز وانهارت الإستراتيجية.

ويقول الكاتب إنه في هذه المرة فإن أوباما جاء ليفتح صفحة جديدة في علاقاته الشخصية مع رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ومع الرأي العام الإسرائيلي. وهو بحاجة إلى ثقة القيادة والجمهور بسياسته، وخاصة تجاه نووي إيران والمفاوضات مع الفلسطينيين. وهو بحاجة إلى هذا الدعم لكي يستطيع التأثير على السياسة الإسرائيلية في القضايا الملتهبة.

وأشار غلبوع إلى أن أوباما كرر في حديثه وخطاباته أنه صديق لإسرائيل، وأنه عمل من أجل أمنها أكثر من أي رئيس آخر، وأنه يجب الاعتماد عليه في الوقوف إلى جانب إسرائيل. كما أشار إلى قول أوباما "أنتم لستم لوحدكم" باللغة العبرية. ويعتبر أنه نجح في الحصول على دعم كبير بالنظر إلى عبارات المديح والشكر التي أطلقها القادة الإسرائيليين وعلى رأسهم بيرس ونتانياهو، وكذلك التقرير والتحليلات التي نشرت في وسائل الإعلام.

ويضيف أن تنسيق المواقف مع "واضعي السياسات" كان بالإمكان إنجازه في زيارات القادة الإسرائيليين إلى واشنطن، ولكن أوباما جاء لكي يتحدث مباشرة إلى الرأي العام الإسرائيلي الذي لم يكن يروق أوباما له قبل الزيارة.

ويقول غلبوع إنه من هذه الناحية فإن خطابه في "مباني الأمة" كان قمة الزيارة. وأشارت مضامين الخطاب ونوعية الجمهور الذي وجهت له الدعوة إلى نوايا وأهداف أوباما. فقد وجهت الدعوة للشباب للتحدث عن مستقبل إسرائيل، وطلب منهم أن يسألوا أنفسهم عن أية دولة يريدون العيش بها، وحثهم على الضغط على القادة لركوب المخاطر وصنع السلام مع الفلسطينيين، وقال إن "القادة السياسيين لن يركبوا المخاطر إذا لم يطالبهم بذلك المواطنون.. يجب أن تصنعوا بأيديكم التغيير الذي تريدون رؤيته".

وبحسب الكاتب فإن ذلك يوضح لماذا لم يرغب أوباما بإلقاء خطابه الأساسي في الكنيست. وأن ذلك يعني أن أوباما يلمح إلى الحاجة إلى الاحتجاج السياسي ضد القيادة الإسرائيلية التي انتخبت لتوها.

ويتابع الكاتب أنه في اليوم الأول للزيارة فقد كان يبدو أن أوباما يتبنى سلم أولويات إسرائيل: إيران وسورية وفي المكان الثالث القضية الفلسطينية. وفي اليوم الثاني تبين أن القضية الفلسطينية تحتل مكانا أهم في التوجه الأمريكي المتجدد للشرق الأوسط، وكان ذلك أيضا السبب في قرار تجاوز الكنيست، لأنه كان من الواضح أن ممثلي الشعب المنتخبين لن يتقبلوا مواعظه بالطريقة التي تقبلها الطلاب الجامعيون في "مباني الأمة". بحسب الكاتب.

وأشار الكاتب إلى أن وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية، التي تغطي الزيارة بشكل مكثف وخاص، أبرزت تعامله مع الشأن الفلسطيني لأن ذلك كان أكثر ما يعنيه. ويشير إلى أن أوباما وفي زيارته إلى رام الله طلب من الفلسطينيين التنازل عن مطلب تجميد المستوطنات كشرط مسبق للمفاوضات. ويتابع أنه في بداية ولايته الأولى في الرئاسة تبنى هذا الشرط، وفرض ذلك على نتانياهو. وبالرغم من ذلك فإن الفلسطينيين لم يتوجهوا إلى المفاوضات. ويضيف أن أوباما تعلم الدرس خلافا للفلسطينيين الذين يصرون على ذلك. وعليه فإن عملا شاقا ينتظر وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون كيري في إيجاد المعادلة السحرية للخروج من الطريق المسدود.

وبحسب غلبوع، ففي الشأن الإيراني طلب أوباما أولا من نتانياهو من الجمهور منحه الثقة في التزامه القاطع لمنع طهران من حيازة سلاح نووي. وحاول جسر الفجوات بين الولايات المتحدة وبين إسرايل، وعرض صفقة على مرحلتين، حيث طلب من نتانياهو دعم العقوبات والدبلوماسية، وتجنب القيام بأي عملية عسكرية من جانب واحد طالما لم تستنفذ العقوبات والدبلوماسية. وتعهد بأنه في حال فشل ذلك فسوف يقوم بالعمليات المطلوبة، والتي لا تعني إلا الهجوم العسكري.

ويضيف الكاتب أن أوباما يعتقد أنه ربما يتبنى الرئيس الإيراني الجديد سياسة أخرى بعد الانتخابات الرئاسية في إيران في حزيران/ يونيو 2013. وبحسبه فإن هناك مخاوف من أن يدلي الرئيس الجديد بتصريحات تبدو معتدلة ويكون على استعداد للتوصل إلى تسوية مع الولايات المتحدة بما يبدو أنه تنازل عن السلاح النووين ولكن على أرض الواقع فإن إيران تواصل العمل على إنتاج القنبلة النووية. وعليه، وبعد الزيارة، فإنه لن يكون أمام نتانياهو خيارات سوى الموافقة على برنامج أوباما.

إلى ذلك، يتابع الكاتب، أنه على ما يبدو فإن أوباما ونتانياهو أصلحا العلاقات بينهما، وان أوباما قرر احتضان نتانياهو بدلا من مواجهته، إذ لا يوجد أي خيارات أخرى، وسيضطران للعمل سوية لمواجهة التحديات الصعبة والخطيرة التي تهدد مصالح الطرفين.

ويضيف الكاتب إلى أنه لا شك في أن أوباما نجح في التأثير على الرأي العام الإسرائيلي، وغالبية الجمهور ترى فيه صديقا حقيقيا يهتم بوضع ومكانة إسرائيل في المنطقة والعالم، حيث أن الزيارة نفسها واللقاءات والخطابات خلقت دعما للرئيس لم يكن قائما من قبل.

ويخلص إلى أن "دعم الرأي العام هو وسيلة وليست هدفا، وأن امتحانات السياسة والإستراتيجية لا تزال أمامنا.. ونأمل بالمنظور التاريخي أن تكون نتائج هذه الزيارة مختلفة عن زياراته إلى الشرق الأوسط في بداية ولايته الأولى".

التعليقات