"يديعوت أحرونوت": فرنسا تشكل "بديل بوتيكس" وروسيا دولة فارغة ومن المبكر تأبين أمريكا

هولاند الذي أرسل جيشه لإنقاذ نظام مالي المنهار حذا حذو ساركوزي الذي أمسك بزمام المبادرة، عندما ترددت الولايات المتحدة، وقاد الحملة العسكرية ضد ليبيا- معمر القذافي عام 2011 والتي حصدت فرنسا مقابلها صفقات نفطية وتجارية دسمة. بالمقابل ستقطف فرنسا ثمار موقفها في مالي بتعزبز تجارتها في شمال أفريقيا وتقبض ثمن موقفها في الملف الإيراني بصفقات أسلحة كبيرة مع السعودية ودول الخليج


تحت عنوان "لا تؤبنوا أمريكا" تناول المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، في مقال نشرته الصحيفة في موقعها على الشبكة، اليوم الاثنين، تناول ما وصفه بمحاولات فرنسا وتقدم روسيا ملء الفراغ الذي تركه تراجع وانسحاب أمريكا في العديد من قضايا المنطقة والعالم، والذي برز بشكل خاص في القضيتين السورية والإيرانية.

بن يشاي، أشار إلى مسارعة الرئيس الفرنسي لزيارة إسرائيل، بعد الموقف المتشدد الذي أبداه وفد بلاده في مفاوضات جنيف حول الملف النووي الإيراني، مقابل الموقف الأمريكي المعتدل الذي أثار حفيظة الحلفاء في المنطقة وبشكل خاص إسرائيل ودول الخليج.

هولاند الذي أرسل جيشه لإنقاذ نظام مالي المنهار حذا حذو ساركوزي الذي أمسك بزمام المبادرة، عندما ترددت الولايات المتحدة، وقاد الحملة العسكرية ضد ليبيا- معمر القذافي عام 2011، والتي حصدت فرنسا مقابلها صفقات نفطية وتجارية دسمة. بالمقابل ستقطف فرنسا ثمار موقفها في مالي بتعزبز تجارتها في شمال أفريقيا، وتقبض ثمن موقفها في الملف الإيراني بصفقات أسلحة كبيرة مع السعودية ودول الخليج، حيث تتبلور صفقة قطع عسكرية بحرية مع السعودية بقيمة مليار دولار وصفقة صواريخ مع الإمارات بملايين الدولارات.

صحيح أن نجاح سياسة هولاند في الشرق الأوسط يتقاس بمقاييس اقتصادية أساسا لكن فرنسا مثل روسيا تلحظ، وفق بن يشاي، التاكل الخطير الحاصل في مكانة أمريكا في المنطقة وترى فرصة سانحة، على الأقل بين الدول "السنية" وإسرائيل. فرنسا تعرض نفسها كـ"بديل بوتيكس" تنتهج خطا معينا وتأمل في تأسيس مكانتها كعامل مهم ومؤثر في المنطقة. وهولاند يدرك أيضا أن المواطن الفرنسي لا يحتاج إلى المعيشة فقط، بل تنقصه العظمة التي كانت تتتمتع بها بلاده وتلاشت منذ أيام شارل ديغول.

في الجانب الإسرائيلي وخاصة بين المحيطين برئيس الحكومة، هناك من يرى محاولات روسيا وفرنسا لقضم مكانة الولايات المتحدة وتأثيرها في المنطقة ويفركون أيديهم بسعادة، هؤلاء هم بشكل خاص من يتمنون فشل المفاوضات التي بادر إليها كيري، وهم يتجاهلون، كما يقول المحلل في "يديعوت أحرونوت"، نتائج التآكل الحقيقي لمكانة أمريكا وتأثيرها في المنطقة، حيث تشكل أحد المركبات الأكثر أهمية في الردع الإستراتيجي والعملي لإسرائيل، وتعتبر حاليا الجدار الوحيد في وجه موجة نزع الشرعية عن إسرائيل، الذي يجتاح العالم والذي لا تقل أخطاره عن خطر السلاح النووي الإيراني.

بن يشاي "يطمئن"، أنه بالرغم من خطوات فرنسا وروسيا ورغم تقليص ميزانية الدفاع وهزائم العراق وأفغانستان والتعب الذي يبديه الجمهور الأمريكي، فإن الولايات المتحدة ما زالت القوة العظمى العسكرية الأقوى في العالم، وكذلك الاقتصاد الأمريكي، رغم صعوبة انتعاشه، ما زال الاقتصاد المنتج والمتجدد دون منافس تقريبا في العالم.

ما ينقص أمريكا في عهد أوباما، وفق بن يشاي، هو تحديد الأهداف السياسية القريبة والبعيدة التي يجب ويمكن إنجازها في الشرق الأوسط في ظل الهزة الراهنة. وما يعيب إدارة أوباما هو التهالك على التوصل إلى تسويات حول القضايا المتفجرة في المنطقة ـ لإزاحة المنطقة ولاعبيها الرئيسيين عن جدول الأعمال الأمريكي والتفرغ لترميم الاقتصاد الأمريكي.
 
روسيا وفرنسا تريان ذلك وتحاولان الحصول على موطئ قدم في المنطقة، ولكن روسيا دولة "فارغة"، حسب بن يشاي، لا يوجد لديها ما تبيعه سوى الأسلحة والمفاعلات النووية، ولا يوجد لديها ما تعرضه على مصر، سوى أنواع أسلحة هي ليست بحاجة اليها، ناهيك عن أنها لا تملك المال اللازم لشرائها، كما أن السعودية ودول الخليج لن تتطوع بالدفع لروسيا، إذ يكفيهم ما يعطوه من أموال للسيسي لتوفير الغذاء والنفط. كما أن دول "المحورالسني" في المنطقة لن تنسى وقوفها إلى جانب المحور "الشيعي" بقيادة إيران ولذلك ورغم خيبة الأمل من أمريكا فإن روسيا ليست هي البديل حتى بالنسبة إلى مصر الجائعة، كما بقول بن يشاي.

العرب وإسرائيل قد يستعملون روسيا وفرنسا ورقة مساومة أمام واشنطن في القضايا المختلف عليها، ولكن ليس أكثر من ذلك، وحتى فرنسا الحليفة قد تأخذ بعض الامتيازات الاقتصادية والسياسية التي تسعى إليها، ولكن ليس أكثر من ذلك. هذا ما سيكون طالما بقيت الولايات المتحدة والعقوبات التي فرضتها هي الكابح الحقيقي في وجه تحول إيران إلى دولة نووية.
 
ويختم بن يشاي تحليله بالقول إنه إذا ما تمكنت الولايات المتحدة، مقابل تخفيف العقوبات، من إرجاع المشروع النووي الإيراني سنتين إلى الخلف وتجميده وفرض رقابة دولية تضمن عدم تطوير إيران لرؤوس نووية، فإنها ستثبت مكانتها في المنطقة. بالمقابل فإن اتفاقا بصيغة ميونيخ سيؤدي لزعزعة مكانة أمريكا كدولة عظمى رائدة، ويضع إسرائيل أمام مشكلة مزدوجة، حيث يتوجب عليها، أولا، اتخاذ قرار بخصوص تنفيذ الخيار العسكري وتوقيته، وثانيا، تدبر أمورها في ساحة دولية لا تشكل الولايات المتحدة لاعبا مركزيا فيها.   

التعليقات