"هجمنا وقصفنا واعترضنا وأحبطنا، ولكن حماس ظلت تتحكم بقواعد اللعبة وبحياتنا"

"الهدوء لن يعود إلى الجنوب بدون إعطاء حركة حماس شيئا تقدمه لقطاع غزة * حالة إحباط تسود الجيش بسبب الفجوة الهائلة بين ما يراه إنجازا خلال القتال وبين الصورة التي يراها الجمهور الإسرائيلي..

ناقش تقرير إسرائيلي التحديات التي وضعتها حركة حماس أمام إسرائيل، والتي تمثلت بالصواريخ والأنفاق والمفاجآت وقدرة قيادتها على مواصلة القيادة والتحكم. ويشير التقرير إلى نجاحات متفاوتة حققتها إسرائيل في مواجهة هذه التحديات، ولكن رغم ذلك فإن النتيجة أن حركة حماس ظلت تتحكم بقواعد اللعبة وبحياة الإسرائيليين.

كما خلص التقرير إلى نتيجة مفادها أنه لن يتحقق الهدوء في منطقة الجنوب، بدون إعطاء حركة حماس "شيئا" تقدمه لسكان قطاع غزة، وذلك في إشارة واضحة إلى مطالب المقاومة الفلسطينية في القطاع.

ويشير أيضا إلى حالة من الأحباط التي تسود قيادة الجيش الإسرائيلي، وذلك بسبب الفجوة الهائلة بين ما يعتقد أنه قد أنجزه في القتال، وبين رؤية الجمهور الإسرائيلي لما يسمى بـ"الإنجاز".

كما تبين من التقرير أن المعلومات الاستخبارية التي استند إليها القرار بمحاولة اغتيال القائد العام لكتائب القسام، لم تكن كافية، ولكن اتخذ القرار بتنفيذها في إطار البحث الإسرائيلي عن "صورة انتصار"، رغم أنه بحسب التقرير فإن عمليات الاغتيال لا تحسم المعركة.

ويقول يوآف ليمو، في ملحق "يسرائيل هيوم" إن كلا الطرفين، إسرائيل وحماس بحثا عن صورة انتصار، في أعقاب انهيار وقف إطلاق النار، وفي ظل العودة المتوقعة للمحادثات في القاهرة.

ويضيف إن حماس صوّبت باتجاه مطار بن غوريون في اللد، في حين صوّبت إسرائيل باتجاه القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف. وبحسبه فإن إسرائيل عملت من خلال توقعات معلنة بالنجاح في عملية الاغتيال، ولكن اتضح أن المعلومات الاستخبارية بشأنه لم تكن كافية، ورغم ذلك فقد اتخذ القرار بالمصادقة على استهداف منزل عائلة الدلو.

ويتابع أن الميل الطبيعي هو الحكم على هذه العمليات بمنظار الإنجاز (نجاح أو فشل)، ولكن الأمر يتطلب نظرة عميقة أكثر إلى الأجواء النفسية في عملية اتخاذ القرار، حيث أن الطرفين بحثا عن إنجاز ملموس يمكن من خلاله تبرير الحرب.

وبحسبه فإن ما أحاط بقضية محاولة الاغتيال يثير شبهات بإمكانية أن يكون قد أصيب، ولكن ما أعطى إسرائيل الإنجاز المهم والملموس هو نجاحها في اغتيال رائد العطار ومحمد أبو شمالة.

وعلى صلة، يشير الكاتب إلى حالة الإحباط التي تسود الجيش. ويعود ذلك، بحسب الكاتب، إلى الفجوة الهائلة بين ما يعتبر في "الكرياه" في تل أبيب قد أنجز من قبل الجيش، وبين الطريقة التي ينظر فيها الجمهور الإسرائيلي، وأن ما "تعتقده هيئة الأركان على أنه نصر مدو لسنوات، فإن الإسرائيليين يعتبرونه تعادلا أو تفوقا في النقاط في أحسن الأحوال، وكلاهما محرج"، حيث أن توقعات الجمهور من الحملات العسكرية تكون آنية، بدون أية جاهزية لتقبل حقيقة أن الحياة مركبة أكثر من أسود – أبيض"، وإلا فإنه على قيادة الجيش أن تقنع الإسرائيليين فردا فردا بما يسمى "إنجازا".

ويتابع أن الجيش لم يعرف ولم يرد أن يحقق مطالب الجمهور، حيث أنه بإلإمكان تدمير غزة من الجو وبالقصف المدفعي، كما بالإمكان شن حملة برية واسعة، ولكن ذلك يعني دمارا هائلا بأضعاف مضاعفة عن الشجاعية إضافة إلى المئات من القتلى في وسط الفلسطينيين، وفي وسط الجنود الإسرائيليين أيضا.

وينقل الكاتب عن مصدر في هيئة أركان الجيش قوله إنه "يجلس في هيئة الأركان أشخاص خدموا في الجيش أكثر من 30 عاما، وفي حين يريد قادة الألوية التقدم إلى الأمام، فإن هيئة الأركان يجب تأخذ الاعتبارات الإستراتيجية والسياسية والإقليمية والإنسانية بالحسبان".

ويتناول في مقالته كيفية مواجهة إسرائيل للتحديات التي وضعتها حركة حماس أمامها، وأولها الصواريخ، حيث يقول إن حماس جهزت نفسها بنحو 10 آلاف صاروخ، بينها مئات الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى. وأنه أطلق منها نحو 3500 صاروخ، تسببت بسقوط 3 قتلى، ولكن التأثيرات النفسية كانت أعمق بكثير خاصة وأن أغلبية السكان في إسرائيل وقعت تحت تهديد الصواريخ طيلة الصيف.

أما ثانيها فهي الأنفاق الهجومية التي أعدت لتجاوز التفوق العسكري الإسرائيلي، فيشير الكاتب إلى أنه خلال الحرب البرية تمكن الجيش من تدمير 32 نفقا، بينها 14 نفقا عبرت الحدود إلى داخل إسرائيل، ورغم ذلك فإن حماس نفذت من خلالها عدة عمليات قتل فيها 11 جنديا إسرائيليا.

وعن ذلك يضيف أنه على فرض أنه لا يوجد المزيد من الأنفاق، يمكن اعتبار ذلك موضوعيا على أنه نجاح (تدمير 70 – 80% من الأنفاق)، ولكن على أرض الواقع فإن الجمهور يواجه أمرين، أولهما الخوف الطبيعي لسكان المستوطنات المحيطة بالقطاع من خروج مقاتلين فلسطينيين بشكل مفاجئ من تحت الأرض، وثانيهما هو أن هذه القضية التي لم تناقش في السابق تحولت فجأة إلى مسألة وجودية مثل البرنامج النووي الإيراني.

أما ثالث التحديات فهو "المفاجآت"، حيث أن حماس وضعت خططا لمفاجأة إسرائيل، مثل الغواصين والطائرات بدون طيار والطائرات الشراعية والدراجات النارية، والتي كانت جزءا من خطة إستراتيجية سرية. وفي هذا السياق يشير إلى أن الشاباك والجيش وأجهزة الرصد البرية والبحرية والجوية حققت نجاحات، على المستوى الموضوعي، بينما الجمهور يعتبر هذه النجاحات على أنها مفهمومة ضمنا.

ورابع هذه التحديات هو "القيادة والتحكم"، حيث أن حركة حماس استخلصت العبر من "الرصاص المصبوب" و"عامود السحاب"، وتمكنت من مواصلة وتيرة القتال بالرغم من الهجمات المتواصلة للجيش، وبقي إطلاق الصواريخ على نفس الوتيرة، وتم استبدال مقاتلين أصيبوا بموجب خطة منظمة أعدت مسبقا، ودخال قادة الحركة إلى الخنادق، وأداروا المعركة من هناك، عن طريق شبكة اتصال مشفرة نشرت مسبقا.

وفي هذا يقول الكاتب إن إسرائيل فشلت موضوعيا وعمليا، وبدون أية علاقة بشأن محاولة اغتيال محمد الضيف واغتيال القادة الآخرين، حيث أن عمليات الاغتيال لا تحسم المعركة، وإنما فقط تمنح الشعور بتحقيق إنجاز.

ويخلص الكاتب إلى أنه بالنتيجة فإنه يسود كل شيء هناك إحساسم مثير للغضب، و"ذلك لأننا اعترضنا وأحبطنا وهاجمنا وقصفنا، وفي نهاية المطاف فإن حماس هي التي تضع قواعد اللعبة، وهي التي تتحكم بحياتنا".

ويخلص الكاتب إلى أنه من الممكن أن يؤدي تضافر الضغط العسكري مع ضائقة المدنيين ونسيج العلاقات الدولية إلى بلورة عملية قد تغير الواقع في الجنوب، ولكن هذا الواقع لن يتغير بدون "إعطاء حركة حماس شيئا" تقدمه لسكان قطاع غزة. مضيفا أن هذا الواقع من الصعب استيعابه، ولكن تجنب ذلك يبقي أمام إسرائيل بديلين، الأول تعميق الحرب على قطاع غزة حتى درجة حسم المعركة، أو الموافقة على العيش في ظل الاستنزاف، بحيث تكون حركة حماس هي التي تقرر بشأن افتتاح السنة الدراسية الجديدة أو عودة سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة إلى بيوتهم. ولذلك، بحسبه، "يجب أن يكون الهدف الذي يبرر الثمن العسكري والمدني هو تسوية تضمن الهدوء لسنوات في الجنوب".

التعليقات