"دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ليس أمرا إلهيا أو ظاهرة طبيعية"

من يعتقد أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستبقى خاصة بعد سنتين أخريين من الشيطنة المتبادلة والمستمرة يخدع نفسه ومن حوله.. ومن يعتقد أن استمرار العداء تجاه رئيس ديمقراطي، لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في حزبه، لن يسبب ضررا لا يمكن إصلاحه لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل، يدفن رأسه في الرمال

نتنياهو في الكونغرس عام 2011 (أسوشيتيد برس)

في سياق تناوله لخطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المرتقب أمام الكونغرس، أشار الكاتب حيمي شاليف، في صحيفة 'هآرتس' اليوم، الجمعة، وتحت عنوان 'بدون الرئيس الأميركي لن يتبقى شيء لنتنياهو'، إلى حصول المزيد من التدهور في علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، معتبرا أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ليس قضاء وقدرا، من جهة، ومن جهة أخرى فإنه، واستنادا إلى معلومات تاريخية، يوضح حجم الخطأ الذي يقع فيه نتنياهو في إصراره على تجاوز الرئيس الأميركي.

يعود الكاتب بداية إلى إلى تاريخ الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) 1991، حيث عقد الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش الأب، مؤتمرا صحفيا خاصا هاجم فيه اللوبي الداعم لإسرائيل بعد رفض طلبه تأجيل المصادقة على ضمانات لاستيعاب مهاجرين يهود جدد مدة 120 يوما، باعتبار أن المصادقة تشكل خطرا على 'مؤتمر السلام التاريخي بعد حرب الخليج'، وفي حينه رد الجمهور الأميركي بدعم كبير للرئيس.

وفي هذا السياق يشير الكاتب إلى استطلاع أجرته شبكة 'سي أن أن'، بعد أسبوعين من المؤتمر الصحفي، أظهر أن الرأي العام الأميركي يعارض استمرار المساعدات الخارجية الأميركية لإسرائيل، ويرى في إسرائيل عقبة أمام السلام. وفي حينه، بحسب الكاتب، لم يفاجأ يتسحاك رابين الذي انتخب لرئاسة الحكومة بعد ستة شهور. ورابين في ذلك مثل نتانياهو، فقد فضل أيضا الرؤساء الجمهوريين على الديمقراطيين، ولكنه يغير تقديراته بشأن ميزان القوى بين الكونغرس والرئيس، وتحفظاته من اللوبي والمنظمات اليهودية، التي اعتبرها جماعات ضغط مكشوفة من جهة، ووكلاء لليكود من جهة أخرى.

ويضيف الكاتب أن رابين، وخلافا لنتنياهو، لم يخطئ، فهو كان مدركا لحقيقة أنه في كل المواجهات بين الكونغرس والرئيس، كان الأخير هو صاحب القرار. ويسوق مثالا على ذلك بيع طائرات 'أف 15' عام 1978 وطائرات 'إيواكس' عام 1981 للسعودية، وضمانات استيعاب المهاجرين عام 1991، والصراع بشأن العقوبات على إيران عام 2013.

كما يضيف أن 'العلاقات الخاصة' بين إسرائيل والولايات المتحدة قد صيغت من قبل رؤساء وليس أعضاء كونغرس، ويشير في هذا السياق إلى أن ترومان تجاهل مستشاريه واعترف بإسرائيل مع قيامها، ومصادقة جون كندي للمرة الأولى على بيع إسرائيل أسلحة دفاعية، ومصادقة ليندون جونسون على بيع إسرائيل أسلحة هجومية، وموقف ريتشارد نيكسون الذي رأى في إسرائيل معقلا أماميا في الحرب الباردة.

ورغم أن مركبات أخرى كثيرة، بحسب الكاتب، تبني العلاقات الخاصة بين الدولتين، والتي هي ليست 'أمرا إلهيا' أو 'ظاهرة طبيعية' إلا أن 'العلاقات الوطيدة بين الطرفين هي نتيجة تراكم قرارات شخصية يمكن أن تتجه أيضا إلى اتجاه آخر'.

ويتابع أنه بعد قرار نتنياهو إلقاء خطابه في الكونغرس رغما عن أوباما، فإن علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة ليست 'ممتازة' كما كانت في السابق، كما لو يمكن وصفها بأنها 'لا تتزعزع'، حيث أنه لم تكن العلاقات سيئة بهذا العمق وشخصية لهذه الدرجة بين نتنياهو وأوباما في السنوات الست الأخيرة. وبحسبه فقد كان بالإمكان، في الشهر الأخير، الاستماع إلى لهجات جديدة، غير معروفة وغير لطيفة، سواء في وسائل الإعلام أو في الكونغرس أو في البيت الأبيض.

ويكتب شاليف أن 'من يعتقد أن العلاقات مع الولايات المتحدة ستبقى خاصة بعد سنتين أخريين من الشيطنة المتبادلة والمستمرة يخدع نفسه ومن حوله.. ومن يعتقد أن استمرار العداء تجاه رئيس ديمقراطي، لا يزال يحظى بشعبية كبيرة في حزبه، لن يسبب ضررا لا يمكن إصلاحه لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل، يدفن رأسه في الرمال.. ومن لا يدرك أن رئيسا كهذا، يقرر التوجه ضدنا حتى النهاية، قادر على إحداث تحول أساسي في العلاقات بين الدولتين، لا يعرف الولايات المتحدة'.

كما يتطرق الكاتب إلى معالجة إسرائيل لما أسماه 'التهديد الوجودي للنووي الإيراني'، فيشير إلى أنه كان أمام إسرائيل عدة خيارات: كانت تستطيع شن هجوم في حينه ولكنها ترددت، وكان بإمكانها التقرب من الرئيس والإدارة الأميركية من أجل التأثير على الموقف بواسطة عملية سياسية ولكن إسرائيل خرجت صفر اليدين. ويتابع أن 'من يعتقد أنه بإمكان خطاب واحد، حتى لو كان في ظروف أفضل بالنسبة لنتنياهو، من أجل تحويل الرئيس عن طريقه، فهو يعاني من حالة غرور لا علاج لها.. إذ يكفي أن يشرح أوباما للأمريكيين أن إسرائيل، ومعها أصدقاؤها ومجموعات الضغط، تخرب في احتمالات التوصل إلى اتفاق إقليمي وسلام عالمي، وقد تجر الولايات المتحدة إلى الحرب، حتى يبدأ الجمهور الأميركي بإدارة الظهر لإسرائيل، وربما يحصل ذلك في توقيت مصيري'.

ويكتب شاليف أن نتنياهو ربما يعتقد أنه سوف يبتز الكونغرس، مثلما فعل 'بطله ونستون تشرتشل في نهاية العام 1941، وربما يضطر إلى اقتباس خطابه من العام 1943، أو 1952'، ولكن نتنياهو، بحسب الكاتب، ليس تشرتشل، فقد كان الأخير 'بطلا قوميا محبوبا قبل أن يصل إلى الكونغرس.. كما أنه، خلافا لنتنياهو، لم ينس الرجل الذي سيقرر مصير بريطانيا'.

ويشير في هذا السياق إلى أن تشرتشل 'استوطن' في البيت الأبيض عدة أسابيع، وهو يتقرب ويجامل الرئيس، خلافا لسلوكياته مع آخرين،.. كان يدرك أنه بدون إردة الرئيس ستبقى بريطانيا قليلة الحيلة.. تشرتشل كان يدرك أنه في صراع وجودي مع عدو لدود يوجد رئيس واحد أما الباقي فهو للتجميل'.

التعليقات