الإعلام التايلاندي: «أداء أميركي غريب» في قضية عتريس

ضجّت الصحافة التايلاندية بقضية المتهم اللبناني ــ السويدي حسين عتريس على مدى أسبوع. الصحافيون والمسؤولون وقعوا في متاهة الحفاظ على الهدوء السياحي والرضوخ للضغط الأميركي ــ الإسرائيلي وطمأنة المواطنين.

الإعلام التايلاندي: «أداء أميركي غريب» في قضية عتريس

- حسين عتريس مُعتقلا -

ضجّت الصحافة التايلاندية بقضية المتهم اللبناني ــ السويدي حسين عتريس على مدى أسبوع. الصحافيون والمسؤولون وقعوا في متاهة الحفاظ على الهدوء السياحي والرضوخ للضغط الأميركي ــ الإسرائيلي وطمأنة المواطنين.

 

 
في تايلاند، الأخبار الأمنية التي تحتوي على عبارات مثل «هجوم إرهابي» و«السفارات تحذّر مواطنيها الموجودين في بانكوك من خطر داهم على أمنهم» هي قليلة جدّاً، بل شبه غائبة. والحوادث الأمنية الأدنى مستوى، تقتصر تغطيتها الصحافية عادة على تصريح نهائي للمسؤولين الأمنيين يروون الحادثة، ثم يطمئنون المواطنين إلى أن «كل شيء تحت السيطرة». فالجميع متفقون على ضرورة الحفاظ على ثقة السياح والمستثمرين وعدم نقل النزاعات الدولية إلى البلد.
 
لكن منذ اليوم الأول لتوقيف اللبناني ـــــ السويدي حسين عتريس الجمعة الماضية، يتخبّط الإعلام التايلاندي بالقضية، وخصوصاً بعد التهويل الرسمي والإعلامي الأميركي والإسرائيلي الذي واكب الحدث.
 
الصحافة التايلاندية منزعجة جداً من قضية حسين عتريس. وهذا الانزعاج مصدره أمران: الأول كيفية تعامل السلطات المحلية مع الخبر والفوضى التي شابت التصريحات الرسمية، والثاني هو الطريقة التهويلية «غير الاعتيادية» التي انتهجتها السلطات الأميركية منذ اليوم الأول من الحدث.
أما الهمّ الموحّد الجامع بين المقالات الصحافية والتصريحات الرسمية فهو واحد: عدم إخافة السيّاح.
 
«لماذا لم ترفع السفارة الأميركية بعد، التحذير من هجوم إرهابي قد يطاول المواطنين الأميركيين في تايلاند وفي بانكوك تحديداً؟»، هو السؤال الذي طرحته غالبية الصحف التايلاندية، مثل «بانكوك بوست»، «ذي نايشن»، «آسيا وان»، «باتايا ميل»، «فوكيت غازيت»، وموقع قناة «أم سي أو تي» التلفزيونية وغيرها... فالصحافيون، كما المسؤولون السياسيون والعسكريون في البلد، لم يتبنّوا الفرضية التي أطلقها الإعلام الإسرائيلي عن تخطيط عتريس ـــــ ومن ورائه حزب الله ـــــ لاستهداف مواطنين أو شخصيات إسرائيلية في بانكوك، ولا أقوال الخارجية الاميركية عن «عملية إرهابية» أو «مخطط لتفجير إرهابي» في العاصمة. العناوين بمعظمها «تبشّر» بنفي السلطات التايلاندية لهذه الروايات.
 
قد يكون الدافع وراء النفي الإعلامي، هو «الهمّ السياحي» والحفاظ على ثقة السياح وطمأنتهم، كما يظهر علناً في مختلف المقالات. لكن بعض الصحافيين سجّل بعض الملاحظات على أداء السلطات الأميركية في هذه القضية التي «بدت غريبة وغير اعتيادية منذ اللحظة الأولى»، كما يصفها سوبالاك جانجناكوندي في «ذي نايشن» و«آسيا وان». يشرح الصحافي التايلاندي في مقاله أن «السلطات التايلاندية ترصد عادة بعض الأهداف التي تبلّغها عنها السلطات الأميركية، وتسعى إلى التحقق من المخاوف والشكوك المرسلة لها. وإذا أثبتت تقوم الشرطة باللازم وبهدوء تام ثم يبلّغ الرأي العام بأن القضية انتهت وأن كل شيء تحت السيطرة». «لكن هذه المرّة كان الوضع مختلفاً»، يتابع الصحافي مضيفاً: «لقد تداولت الأوساط الاستخبارية الخبر قبل أيام من إعلان نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع عن توقيف للمتهم». والأغرب، يردف الكاتب، «أن السلطات الأميركية أصدرت تحذيرها الرسمي بشأن تهديد إرهابي في بانكوك في اليوم نفسه الذي ألقى فيه الأمن التايلاندي القبض على المتهم حسين عتريس، أي قبل التحقيق معه، وقبل دهم الشرطة للمبنى، حيث وجدت المواد المشبوهة غير المصرّح عنها». والسؤال الذي يطرحه الصحافي: «لماذا لم ترفع السلطات الأميركية بعد تحذيرها، وقد احتجز المتهم وضبطت المواد؟ هل ما زال الخطر داهماً؟». عن هذا السؤال يجيب المدير العام السابق لمجلس الأمن الوطني التايلاندي، كاشادباي بوروساباتانا في مقابلة مع صحيفة «بانكوك بوست»، إذ يرى أن «السلطات الأميركية تريد الضغط على السلطات التايلاندية للمشاركة باستجواب المتهم اللبناني ـــــ السويدي»، وخصوصاً أن الشرطة تشتبه في علاقته بـ«حزب الله».
 
المسؤول الأمني السابق يشير إلى «عدم وجود أدلة كافية للحديث عن هجمات إرهابية»، ويحّذر قائلاً «إن أي استهتار من السلطات التايلاندية بالتعامل مع هذه القضية قد يزج تايلاند في الصراع بين الولايات المتحدة والإرهابيين».
 
«تايلاند هي ملاذ للسياح ولمن يريد استغلال بعض الثُّغَر القانوينة فيها. مثل سهولة استخدام الوثائق المزورة إلى العبور بكل حرية من الدول المجاورة وإليها... لكننا لم نشهد منذ زمن على عملية إرهابية دولية ضدنا. وقضية عتريس تثير الاهتمام. لكني أتساءل: لماذا لم تستشر الحكومة الأميركية نظيرتها التايلاندية قبل إطلاق الإنذار حول هجوم إرهابي؟»، يسأل المعلق الصحافي كومفاه مانمالي في «بانكوك بوست».
 
من جهة أخرى استهجن معلّقون في «ذي نايشن» و«بانكوك بوست» في اليومين الأخيرين، «الضياع وعدم الخبرة» اللذين أظهرهما المسؤولون السياسيون والأمنيون في التعامل مع القضية: «لم يكن ينقص سياسيينا سوى مشتبهين في عمليات إرهابية من الشرق الأوسط، ونحو طن من المواد المتفجرة، ودبلوماسيين أميركيين لجوجين، وشبه مؤامرة إسرائيلية»، يقول تولساتيت تابتيم في مقاله. «هل يفترض بنا أن نخاف؟»، يسأل تابتيم ويتابع: «حكومتنا تقول لا، والولايات المتحدة تقول بلى». «قطاع السياحة مهم في تايلاند، مفهوم، لكن يجب على الحكومة ألا تضحّي بالسلامة العامة للمواطنين كي لا تهتز العائدات السياحية»، يخلص الكاتب كولتيدا سامابودي في مقال في «بانكوك بوست» أمس.
 
_______________________________________________________________________________
 
الشرطة تستأجر المبنى
دخلت قضية عتريس في متاهات السياسة الداخلية التايلاندية؛ فقد اتهم المتحدث باسم الديموقراطيين الشرطة بـ«تدبير عملية اقتحام المبنى حيث ضبطت المواد المشبوهة، وذلك لتبرئة نفسها من الشكوك التي تحوم حول علاقتها بالمبنى نفسه؛ فالكل يعرف أن الشرطة كانت تستأجره». وبعد نفي المسؤولين الأمر، قالت «بانكوك بوست» إن «أحد عناصر الشرطة استأجر المبنى لمدة شهرين فقط».

التعليقات