"هيرالد تربيون": فلسطينيو 48 يزدادون رفضاً لـ"الخدمة المدنية"

وقالت النائبة حنين الزعبي، ،انهم يتحدثون عن توزيع الاعباء. لكن كل اعباء البلاد تقع على كاهلي. هناك ستة ملايين يهودي يعيشون على ارضي. وقد طالبنا اسرائيل بسحب توصيف دولة يهودية، وعندها فقط قد تتحول الى دولة ديمقرطية".

 

نشرت صحيفة "انترناشونال هيرالد تريبيون" اليوم الجمعة تقريراً عن محاولات السلطات الاسرائيلية لطمس الهوية القومية العربية لفلسطينيي العام 1948 واستمرار الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في التمييز ضدهم.
جلست ثلاث نساء فلسطينيات شابات على الأرض في هذا المخيم الصيفي هذا الأسبوع محاطات بمكعبات "ليغو" وأطفال في الثالثة من العمر. وأثناء لعب الأطفال، كانت الشابات يعلمنهم لون كل مكعب، ويرددن الكلمتين أزرق، وأخضر.

ولكن المشهد الذي بدا بسيطا هنا في الجليل كان من ضمن واحدة من اكثر القضايا التي تواجه المجتمع الاسرائيلي اثارة للجدل. كيف يوفق العرب بين هويتهم وكونهم مواطنين في دولة يهودية؟ ما الدور المناسب للاقلية العربية المتنامية في دولة مصممة على ان تكون ديموقراطية ويهودية في الوقت نفسه؟.

الشابات متطوعات في برنامج الخدمة الوطنية الاسرائيلي، وهو بديل عن الخدمة العسكرية مع نفس المزايا المالية والفوائد المشابهة الخاصة بالمستقبل التعليمي والتوظيف.

والبرنامج محور لجدل عام ساخن حول خطط لصياغة قانون لن يعفي فئات معينة من المواطنين. عدد من قادة عرب الداخل يعتبرون خدمة الشابات العربيات خيانة لقضية الصراع الوطني، ويصفونهن بالخائنات.

قالت إحداهن، نغم معبوك، 19 عاما، التي نشأت في الناصرة وهي مدينة في الشمال تعرف بأنها العاصمة العربية في اسرائيل: "لن انكر هويتي او انساها. لكن ذلك سيساعدني في المستقبل. نحن بحاجة للحياة معا في تعايش. ولا يمكن تحديد مفهوم المساواة وفقا لما هو مناسب لهذا الطرف أو ذاك".

ومع اقتراب موعد 1 آب (أغسطس) النهائي لتعديل قانون ألغته المحكمة العليا الاسرائيلية كان يعفي الآلاف من دارسي التوراة الشباب من التجنيد، فإن الحكومة الاسرائيلية والجمهور عاشوا في حالة بلبلة لعدة أسابيع حول كيفية دمج الأقليات السكانية في الخدمتين العسكرية والمدنية.

وفي حين تركز كل الاهتمام على كيفية تجنيد الذكور من المتزمتين اليهود، فإن قضية موازية حول خدمة العرب أحيت المعضلة التي مضى عليها عقود حول ما يعنيه كون المرء عربيا واسرائيليا في الوقت نفسه- وهذا ينطبق على مواطنين في دولة تنص فلسفة وجودها على أفكار يعتبرونها مناوئة لهم في افضل الحالات، وكثيرا ما يُعتبرون اعداء في الداخل، ولهم قائمة طويلة من الشكاوى حول التمييز في التوظيف والتعليم والإسكان.

ويرى البعض أن هذه الأحوال لا يمكن أن تستمر. وقال أيلي ريخيس، وهو مؤرخ للعلاقات اليهودية- العربية تقاعد من جامعة تل أبيب، وهو الآن رئيس مشارك لمنتدى الشرق الأوسط في جامعة نورث ويسترن: "منظومة 1948 تنهار. وليس الأمر أن كل عربي يستيقظ في الصباح ليقول: أي نصف من الهوية المزدوجة سألتزم به اليوم؟ ولكن بقدر ما يختص بالقيادة فالتحديات تتمثل في التناقضات، واستحالة وضع كون المرء عربيا في دولة يهودية".

وعندما أقيمت اسرائيل الحديثة قبل 64 عاما، تعهد إعلان استقلالها "بالمساواة الكاملة في الحقوق الاجتماعية والسياسية لكل سكانها"، وفي العام 1952 منحت الجنسية الاسرائيلية لـ 150 ألفا من الفلسطينيين داخل حدودها. اليوم هناك 1،6 مليون من العرب في اسرائيل يشكلون 20 في المائة من السكان، ومعدل دخلهم أقل من ثلثي دخل السكان اليهود، حسب الإحصاءات التي أعدها البروفيسور ريخيس، ومعدل الفقر اعلى بثلاثة أضعاف تقريبا.

والمعضلة حول الخدمة المدنية ليست بالتأكيد أول أزمة تتعلق بالهوية. وكثير من المواطنين العرب يحيون ذكرى قيام اسرائيل بالحداد والحزن على ما يسمونه النكبة. وهم يدرسون في مدارس منفصلة، واحتج العديد منهم الشهر الماضي على مناهج يركز على مناحيم بيغن وديفيد بن غوريون. وحتى نظام التسمية تسبب في خلافات: فبعد عقود من تسمية أنفسهم بعرب اسرائيل، وهو ما يوحي بأنهم عرب ينتمون لاسرائيل، يفضل معظمهم الآن تسمية مواطني اسرائيل الفلسطينيين.

وهناك عشرة من العرب في البرلمان الاسرائيلي المكون من 120 عضوا. وكذلك قاض بين القضاة الخمسة عشر في المحكمة العليا. ورفض هذا القاضي ترديد النشيد القومي الاسرائيلي الذي يشير إلى "حنين الروح اليهودية" تسبب في نقد كثير للذات. وعندما تم اختيار بروفيسور بدوي الشهر الماضي ليكون أول عميد لجامعة، تساءل عدد من الأساتذة عما إذا كان سيواصل تقليد التبرعات للدولة.

إيهاب الحلو، 25 عاما، وهو مهندس معماري واجه النسخة الشخصية للمشكلة قبل عامين عندما صمم نموذجا لكرسي فاز في مسابقة للطلبة، لكنه رفض التنافس دوليا تحت العلم الاسرائيلي الذي تتوسطه نجمة داود.

ويقول الحلو وهو يجلس في مقهى شارع بن غوريون في حيفا: "قلت لهم (هذا العلم يخص اليهود، وهو ليس العلم الاسرائيلي). أنا غاضب لأني لم أحصل على فرصة للذهاب إلى إيطاليا للمشاركة في مسابقة أكبر، غير أنني سعيد لأني قلت لا، ولأكون ما أنا عليه".

ما اغضبني أنه لم تسنح لي الفرصة ان اكون في ايطاليا خلال منافسة اوسع. ولكنني اشعر بسعادة ايضا انني لم اقبل ان أكون ما انا عليه".

وينصب التركيز الآني على الخدمة الوطنية، ومن ضمنها مشروع يتوقع ان يُعرض على الوزارة يوم الاحد ويشتمل على مضاعفة الـ 2400 عربي المشاركين في الوقت الحالي بحلول العام 2016 – وهو عدد لا يمثل الا جزءا بسيطا من الـ30 ألفا الذين يتأهلون كل عام (لم يكن مطلوبا قط من الفلسطينيين ان يخدموا في الجيش الاسرائيلي، وان انضم اليه حوالي 250 العام الماضي. غير ان الدروز، ويعتبرون اقلية عربية اخرى، يخضعون لشروط التجنيد. بينما البدو، وهم مستثنون ايضا، يعمدون الى الالتحاق بالجيش باعداد أكبر).

الكثيرون ممن يدعمون توسيع اطار الخدمة أو حتى ممن يطالبون بالتحاق العرب في صفوف الجيش يلاحظون ان حوالي ثلاثة ارباع المتطوعين العرب حاليا يعملون في مؤسسات تابعة للوسط العربي مثل المخيم الصيفي في الناصرة. ويحصلون مثل الجنود على راتب بسيط شهريا، وعلى مبلغ مقطوع لدى اكمال الخدمة يمكن استخدامه لغايات االتعليم، او الزواج، او الرهون العقارية او تنمية الاعمال التجارية.

وقال البروفيسور سامي سموحة من جامعة حيفا، وقد قضى سنوات يدرس هذا الموضوع، ان التأييد للخدمة الوطنية انخفض بين المواطنين الفلسطينيين، حتى وان كانت المشاركة قد تزايدت عشرة اضعاف في العامين 2005-2006. فقد اعرب 40 في المائة من الشبان العرب العام الماضي عن استعدادهم للالتحاق بالخدمة، وهو اقل من الـ53 في المائة في العام 2009، ووصلت نسبة الذين يؤيديون المشروع من العرب الى 62 في المائة، وهو اقل من 78 في المائة في العام 2007.

وقال سموحة: "يجب مقارنة ذلك بالسود في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية. وان نتساءل عن السبب الذي دفعهم الى الالتحاق بالخدمة؟ انه رغبتهم في ان يكونوا جزءا من الدولة واعتبارهم ذلك وسيلة لتعديل اوضاعهم. لكن المسؤولين العرب لا يرون الامر بهذا الشكل. فهم يرون انه احد وسائل اعمال القمع ضد العرب في اسرائيل".

وقبل وقت قصير اجرت مجموعة من الفلسطينيين منافسة لاعداد ملصق يعارض المشروع. ومن بين الملصقات المشاركة، ملصق يُظهر قدما كبيرة متسخة كُتب عليه "الخدمة العسكرية: عمل حقير"، وامرأة بلا رأس في زي عسكري فوق شعار يقول "الخدمة العسكرية: الطريق للقضاء على الهوية".

ووصفت النائبة حنين الزعبي، مشروع توسيع نطاق الخدمة على انه "كمين".

وقالت في احد اللقاءات "حتى نحصل على حقنا الطبيعي، فان علينا ان نكون موالين للبلاد. انهم يتحدثون عن توزيع الاعباء. لكن كل اعباء البلاد تقع على كاهلي. هناك ستة ملايين يهودي يعيشون على ارضي. وقد طالبنا اسرائيل بسحب توصيف دولة يهودية، وعندها فقط قد تتحول الى دولة ديمقرطية".

في حي وادي النسناس في حيفا، حيث هناك اشارة الى شارع حداد تقول باللغة العبرية انها موطن اقدم العائلات العربية في اسرائيل، قال اربعة شبان يتدربون في مخيم صيفي موقت على مسيرة الفرقة يوم الاربعاء انهم "ضد، ضد، ضد وضد" التحاق العرب بالخدمة الوطنية".

وقالت روزين قنبورة (18) وتعمل في محلات "ماكدونالد": "انه ضد شعبنا. اننا نرتكب خيانة لوطننا ولاصولنا ولتاريخنا (اذا نحن فعلنا ذلك)".

وقالت عيان ابونصرت بما يتجاوز سنها وهي في الثالثة عشرة ربيعا "لا أشعر انني جزء من هذه الدولة".

واضافت "لو انك كنت في مكاني، هل كنت تخدم دولة تحتل ارضك ومات اجدادك بسببها؟"

وبعد لحظات وقفت هي واخرون امام صفين من الاطفال، يحمل 15 منهم طبولا حمراء حول الخاصرة، بينما حملت فتاة صغيرة دمية تمثل دبا وردي اللون. وقد رفرف علم فلسطين من شقة علوية.

انهم متطوعون مثل الانسة معبوق في الناصرة – لكنهم لا علاقة لهم بالدولة ولا يزيد اي من الحضور عن ذلك او ينقص

التعليقات