العنف يلاحق المرأة العربية في زمن الربيع العربي

هذا عمل سياسي ممهنج ومدبر. ما هي المتعة التي يمكن أن يشعر بها شخص يفعل ذلك في ميدان عام ويضطر أن يصارع ويخطف واحدة وحتي لا يمكن له أن يعبر عن أي شعور بالنشوة أو اللذة الحسية هذه عملية سياسية وممنهجة ومقصود بها الحاق العار بالمتظاهرات وكسرهن وإلحاق العار بأسرهن وتخويف النساء والفتيات من فكرة التظاهر والمشاركة السياسية وبالتالي تنحية عدد كبير من المتظاهرين من التحرير.

العنف يلاحق المرأة العربية في زمن الربيع العربي



تأتى احتفالات اليوم العالمي للمرأة هذا العام بكثير من الشجون للمرأة العربية، حيث تواجه المرأة في ظل التغيرات السياسية التي تشهدها بلدان الربيع العربي واقعا مختلفا فرض عليهن الترهيب والانتهاك الجسدي.
وكانت هذه الانتهاكات فيما مضي تحاط بالسرية والكتمان لما يمكن أن تجلبه علي الضحية من نفي وتهميش في المجتمع الذي تعيش فيه.

لكن هذه المواقف تغيرت كثيرا، وبدأت المرأة في كسر حاجز الصمت لتؤكد علي حقها في التعبير عن الرأي، وأن العار يجب أن يلحق بمرتكبه لا بالضحية .
إنها ليست قصة خيالية، أو سيناريو فيلم رعب، إنما هو حقيقة، حقيقة ترويها اثنتان من الضحايا اختارتا كسر حاجز الصمت.


الشهادة الاولي

اسمي "هانيا مهيب"، صحفية حرة ومدربة إعلام، وواحدة من السيدات اللائي تعرضن لاعتداء وحشي في يوم الاحتفال بالذكري الثانية للثورة في الخامس والعشرين من يناير.
أول مرة نزلت فيها ميدان التحرير كانت يوم جمعة الغضب في 28 يناير/كانون الثاني، ولكن شاركت قبل الثورة في وقفات احتجاجية ضد نظام مبارك وتعرضت للضرب يوم 25 أبريل/نيسان عام 2005.


أنا معتادة علي الذهاب الي التحرير، ولكن نظرا لظروف كثيرة لا استطيع أن اشارك في كل حدث، لكنني غالبا ما استجيب لدعوات النزول الي التحرير اذا كنت مقتنعة بجدوي ذلك واذا كانت القضية تمسني أنا وتهمني شخصيا مثل قضايا المرأة والدستور.
أنا مع القصاص للشهداء واطلاق سراح المعتقلين لكن لا استطيع المشاركة في كل هذه المناسبات.


أنا معتادة علي الذهاب الي التحرير بمفردي ولم اشعر يوما بالخوف من النزول الي ميدان التحرير خاصة وان الحديث عن التحرش الجماعي لم يكن معروفا وافضل عدم الارتباط بمجموعة لان الاتصال في هذه الاوقات يكون صعبا نظرا لكثافة العدد.
يوم 25 كنت أشارك في مسيرة الي الاتحادية وذهبت الي هناك واحسست ان العدد قليل أحببت أن اشارك في شيء اكبر وانتقلت الي التحرير دخلت الي الميدان في حدود الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر.


شعرت فورا بشيء غريب وغير طبيعي، مجموعات تتصدع والتدافع بشكل مريب. قلت لنفسي سوف أحاول أن التقي سريعا بصديقة كنت قد عرفت أنها ستذهب هذا اليوم الي الميدان وأترك خلال فترة قصيرة لأنني شعرت بالطمأنينة.

يوم الاعتداء علي أحسست أنه تم بأيدي مأجورين
حاولت عبور الميدان وحدث تدافع وبدأت ارفع صوتي بغرض التعريف بوجودي وإشارة على أنني أتعرض لمضايقات.
فوجئت برجلين يحاولان دفع الشباب بعيدا غير أن أحدهما رمقني بنظرة قاسية جدا ووقحة. وفجأة وجدت مجموعة من الفتيات تحيط بي كما لو كن استشعرن بخطر لم أدركه بعد ثوان فوجئت بمجموعة من الشباب يشدونني بعنف من وسط دائرة البنات اللواتي حاولن حمايتي فلم يفلحن.
تم انتزاعي في نهاية الأمر من وسط البنات بعنف (يتردد صوت هانيا قليلا وتفقد هدوءها ورصانتها) وتكمل روايتها، حاولت البنات المقاومة وحاولت أن اقاوم لكن في نهاية الأمر تم انتزاعي ووضعي فى دائرة بدأت تضيق شيئا فشيئا فأصبحت دائرة محكمة.


وعلي مدي خمس واربعين دقيقة كنت اتعرض لعملية انتهاك كامل، تمزيق ملابس، شد شعر، عنف، (تصمت)
في يوم الحادث ادركت أن الاعتداء الذي تعرضت له هو من قبل عصابات مأجورة. وبعد أن انتهت هذه التجربة البشعة وبدأت استعيد تفاصيل ما حدث واستمع الي شهادات النساء الاخريات اللائي تعرضن لنفس الاعتداء الوحشي تأكدت أن العملية ممنهجة ومنظمة بدرجة كبيرة وأكاد أجزم أن الامر "جرب من قبل"


ثلاث مجموعات
تجيب بثبات هناك ثلاث مجموعات متورطة: مجموعة تقوم بخلق نوع من التزاحم والتدافع فيحدث هرج ومرج فتصاب المرأة او الفتاة بالخوف والرعب، ثم تأتي مجموعة ثانية تدعي أنها تساعد الفتاة أو السيدة علي تخطي هذا الزحام وتقوم بانتزاع البنت المصابة بالرعب وتنتزع البنت من المجموعة الاولي وتقوم بعمل دائرة ضيقة جدا لتبدأ عملية الانتهاك البشع لجسدها.


في كثير من الاحيان شوهدت مجموعة ثالثة في دائرة اكبر تحيط بهذه الدائرة الضيقة تكون مسلحة بأسلحة بيضاء تقوم بمنع أي شخص يحاول الاقتراب من الفتاة ومساعدتها.
من الضروري أن اقول أنه طوال خمس وأربعين دقيقة كنت اتعرض فيها للانتهاك البشع لم اسمع أي لفظ خارج أو جارح ممن كانوا يقومون بانتهاكي. كل ما كانوا يقولونه "حذار حرام عليكم هذا إنها كأختكم"، كلها اشارات توحي بأنهم يقومون بمساعدتي وليس بانتهاكي.


وتقول كل ما كنت افكر فيه كيف سأخرج من هذه الورطة كيف سأهرب. ومع ذلك لم يكن لي لا حول ولا قوة طوال عملية الانتهاك وحتي لحظة دخول الي عربة الاسعاف.
وعندما توسمت فى شخص أنه يمكن له أن يساعدني توسلت اليه أن يتركني كي أرتدي ملابسي ولكن لم يحدث ولم اعرف إن كان هو من المعتدين أم لا.


كان الأمر ملتبسا تماماً لم اعرف من الذي كان يحاول مساعدتي ومن كان يقوم بانتهاكي. لدرجة أنني كنت أتعرض للانتهاك حتي لحظة دخولي سيارة الإسعاف، من كانوا يحملونني الي سيارة الإسعاف كانوا في الواقع يقومون بالاعتداء الجنسي علي وبانتهاكي.
لو كانوا يرغبون بالفعل في مساعدتي فلماذا لم يتركوني حتي اتمكن من ارتداء ملابسي؟ كان هناك تعمد في اظهاري عارية أمام الناس هذا كان واضحا. كانت هناك جرأة ووقاحة مبالغ فيها.


من كان يقوم بذلك كان يدرك تماماً أنه في حماية من حرضه علي القيام بذلك كانوا علي معرفة ويقين أنهم سيفلتون من أي عقاب.
وسألتها: المعروف أن التحرش مشكلة موجودة في المجتمع المصري فلماذا تعتقدين أن ما تعرضت له كان مختلفا عن التحرش الذي يحدث مثلا في الشوارع المزدحمة أيام العيد أو في المواصلات العامة؟


فردت لا، ما تعرضت ليس له علاقة بموضوع الرغبة الجنسية أو الكبت الجنسي عند البعض الذي يؤدي الي التحرش الذي نعرفه.
هذا عمل سياسي ممهنج ومدبر. ما هي المتعة التي يمكن أن يشعر بها شخص يفعل ذلك في ميدان عام ويضطر أن يصارع ويخطف واحدة وحتي لا يمكن له أن يعبر عن أي شعور بالنشوة أو اللذة الحسية هذه عملية سياسية وممنهجة ومقصود بها الحاق العار بالمتظاهرات وكسرهن وإلحاق العار بأسرهن وتخويف النساء والفتيات من فكرة التظاهر والمشاركة السياسية وبالتالي تنحية عدد كبير من المتظاهرين من التحرير.
ثم سألتها: كيف تعاملت بينك وبين نفسك مع هذه التجربة كيف تخطيت حاجز الألم كامرأة كأنثي وواجهت من حولك؟


للوهلة الأولي تذكرت قصة المراسلة الأمريكية سارا لوغان وأدركت أن هذا ما حدث لي تماماً.
فبعد أن تم وضعي في عربة الإسعاف إحساسي كان مغايرا فرغم الفزع والجزع الذي كنت اشعر به فإنه كان داخلي قدر كبير جدا من الغضب وقلت لنفسي أن افضل شيء أن أقف علي رجلي لأنني لست معتادة علي الانكسار أنا لست انهزامية لا يمكن أن استسلم لاحد يحاول أن يكسرني.
وأقول فعلا انكسرت وانكسرت إرادتي لست أنا. كان لدي يقين أنني ساقف مرة أخري علي قدمي علي الرغم من ادراكي أن الحصول الي حقي بالقانون مسالة شبه مستحيلة.


صديقاتي كانوا خير معين لي لتخطي هذه الأزمة كن يدركن أنني لست في حاجة الي احد يربت علي كتفي ولكن كن يقلن لي لا تخافي افضحيهم وافضحي المتسببين في هذه الكارثة.
والحمد لله أن الله حباني بزوج متفهم ومحب وعائلة لم يكن لديها مشكلة في أن اخرج علي الملأ وأقول أنني تعرضت لهذه التجربة المروعة.
ثم سأتها عن رأيها فيما قيل في مجلس الشوري عن أن النساء اللائي تعرضن للانتهاك هن السبب في ذلك وأنهن ذهبن الي أماكن ما كان لهن أن يتواجدن فيها؟


ترد هانيا بهدوء دون أن تفارقها رباطة الجأش: من المؤسف أن لجنة حقوق الانسان في مجلس الشوري التي يفترض أنها تعرف التزامات مصر الدولية بمواثيق حقوق الانسان أن تقول هذا الكلام الذي يكرس لاسوأ ما هو موجود في الثقافة الموجودة في المجتمع وهو تحميل الفتاة او السيدة ذنب جريمة وهن الضحايان هذا كلام لا يصح حتي التعقيب عليه.


وماذا عما قيل من أن القوي التي تدعو الي التظاهر عليها أن تتحمل مسؤولية تامين المظاهرات؟
الكلام يعتبر في نظري كلاما غير مقبول بالمرة نحن في دولة ولسنا في غابة او مجموعة من القبائل دون ضابط او رابط لدينا دولة ولدينا وزارة داخلية ولدينا شرطة يجب ان تحافظ علي امن المواطنين.


المرأة موجودة في كل مكان في المجتمع المصري وهي تعمل وتعول اسرا كيف يمكن أن نمنع المرأة من الوجود الطبيعي في المجتمع.
وما رأيك فيما قيل عن أن عمليات التحرش هذه لم تحدث في أوساط السلفيين أو الاخوان؟
اعتقد أن هذا شيء مثير للشك وليس شيئا إيجابيا.
سألتها ما الذي يعنيه ذلك؟
تجيب بثبات بمعني أن ذلك لم يحدث بينهم فهذا موجه للآخرين.


الشهادة الثانية
أنا ياسمين البرماوي احترف عزف الموسيقي وليس لدي اي نشاط سياسي. علاقتي بميدان التحرير ترجع الي ايام الثورة الأولي وشاركت في المظاهرات بشكل متكرر لأني شعرت بضرورة المشاركة الفعالة في الحراك السياسي المطالب بالتغيير.
في الأيام الأولي للمظاهرات كان الرجال من التيار الديني ينظرون الي فكرة نزول المرأة الي الشارع للتظاهر باحترام كبير. كان هناك رجال ملتحون يبتسمون لنا راضين عما نقوم به وبنوع من التقدير لما نفعله.


هؤلاء كانوا مواطنين عاديين اتحدوا علي هدف واحد هو إسقاط نظام مبارك.
بعد تنحي مبارك اختلفت الأجواء الموجودة في الميدان. ظهرت لعبة السياسة واضحة وبدأ نوع من الاستقطاب السياسي علاقتي بالميدان بعد الثورة علاقة وثيقة تؤهلني لرصد هذا التغير أنا كنت موجودة هناك في كل الأحداث الكبري.
في محمد محمود الأولي والثانية ومجلس الوزراء وجميع الجمع المهمة وذكري الثورة.


بعد 11 من فبراير/شباط وتنحي مبارك تبدلت الأجواء تجاه وجود النساء في المظاهرات وتبدل شعوري انا شخصيا بالأمان المطلق الذي كنت اشعر به في ايام الثورة الأولي بدأت اسمع عن عمليات تحرش وبدأت ألاحظ عميات تحرش ولكن ما حدث لي كان فوق التصور حتي مع الحادث الذي تعرضت له الصحفية الأمريكية سارا لوغان.


كنت اشعر أن هذا حدث لها بسبب لأنها أجنبية والتصور المغلوط عند الناس أن الأجانب جميعهم جواسيس. بالإضافة الي أن قطاعا من المجتمع المصري مريض بالهوس الجنسي ويعتبر الأجنبية "مباحة".
كل رجل مصري يعرف أن ابنته زوجته وأخته وامه تتعرض للتحرش في الشارع بداية من اللفظ البذئ الي اللمسة، .. الي .. الي، ما وصلنا له الآن السكوت علي التحرش الذي يحدث في المجتمع كل يوم كان نتيجته وقوع عمليات اغتصاب جماعي للنساء في الشوارع.


المتحرش الذي كان فيما مضي يهرب بمجرد مواجهته ويخجل من فعلته اصبح اليوم يقف في الشارع ويغتصب ويشارك في اغتصاب جماعي في الشارع.
يوم الجمعة 23 نوفمبر الساعة الخامسة نزلت مع صديقة من البيت للمشاركة في الاحتجاج علي الاعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي.


كان يوما حافلا والميدان كان مليئا بالناس من كل طوائف المجتمع حتي حزب الكنبة نزلوا.
الأجواء كانت مشحونة منذ يوم 19 نوفمبر ومقتل الناشط جيكا وكان هناك ضرب في المتظاهرين نزلت من جهة شارع القصر العيني علي ناصية شارع الشيخ ريحان.


انا كنت واقفة في الخلف ولاحظت وجود مدنيين مندسين وسط المتظاهرين يقومون بسحب المتظاهرين واحدا تلو الاخر ويقومون بتسليمه إلى الأمن.
سألت هل كنت تقومين بالتصوير مثلا فتم استهدافك؟


تستطرد ياسمين بثقة خبيرة أصبحت تعلم الكثير من هذه القضية، لا لم اكن أقوم بالتصوير.
التحرش لا يتم تصوير تفاصيله. أود أن اقول لك أن التحرش الجماعي يحدث بعد المغرب إلا إذا كان الاعتداء علي شخصية معروفة وبالتالي يتم الاهتمام إعلاميا بالموضوع.


النساء العاديات يتم التحرش بهن في الظلام في الخفاء ويصعب الحصول علي لقطات واضحة ولكن في النهاية يتم تفريغ الميدان من النساء والفتيات.
يمكن بالفعل أن يكون هناك تحرش بينك وبينه ثلاثة أمتار ولن تلحظي ذلك. البنت تكون في الأسفل.
عندما تم محاصرتي كان هناك دائرة حولي من المتحرشين يقومون باغتصابي ودائرة أوسع تبث شائعات.


مرة قالوا اني احمل قنبلة علي بطني ومرة أخري زعموا أنني جندي امن مركزي هذا يثبت أن الموضوع منظم.
تحديدا من بداية ٢٣ نوفمبر بدأ هذا الأسلوب في التحرش والاغتصاب الجماعي الوحشي. ستة نساء تعرضن لنفس التجربة في هذا اليوم. أي مليونيات تم الاعلان عنها مسبقا بعد الاعلان الدستوري نزلت مليشيات التحرش والاغتصاب الميدان يومها. لو لم يتم الاعلان المسبق.
ماذا حدث لك بالضبط يوم ٢٣ نوفمبر؟


يكتسب صوتها قدرا كبيرا من الزخم وهي تروي. كان هناك حشد كبير لهذا اليوم والكثيرون فرحوا لعودة الميدان الي سابق عهده. كان هناك حشود كثيرة وجميع الاطياف السياسية موجودة -فيما عدا التيارات الدينية - الجميع اتفق علي رفض قرارات مرسي كل هذه الطاقة الايجابية تحولت الي طاقة سلبية بعد خمس دقائق فقطمن دخولي الميدان شعرت بالقلق.


كانت هناك طاقة سلبية وشعور بعدم الارتياح لدي ولدي صديقتي قررنا أن نترك المكان بعد دقائق. بدأنا نتحرك صوب الصينية في الميدان وفوجئنا بمجموعة كبيرة من الناس تجري باتجاهنا.
انا معتادة في حالات التدافع علي الثبات لأنني اعلم ان التدافع قد يؤدي الي الموت احيانا لحظات واكتشفنا أنهم يجرون ناحيتنا أنا وقعت في الأرض وبدأت صديقتي في الجري.


كانت هذه لحظات رعب حقيقي. وبدأوا في لمس أجسادنا والتحرش بنا واغتصابنا.
لم يكن لدي اي استعداد نفسي أو تخيل لما حدث لي كنت مأخوذة تماماً ومذهولة. لم اسمع ابدا أن ذلك يحدث. اخذوني غدرا وبدأوا في تمزيق ملابسي بالمطاوي. بعد قليل سقطت بجواري قنبلة غاز وكان هناك شاب شهم لا اعرفه حاول مساعدتي علي القيام أثناء انتشار الغاز وتفرق المتحرشين من حولي مؤقتا.


أثناء ذلك شاهدت صديقتي كانت تبحث عني بعد أن حاولت الاستغاثة ببعض من تعرفهم ومنهم صديق لها. كانت متصورة أننا تعرضنا لهجوم قذر بغرض السرقة وفعلا تمت سرقة حقائبنا وهواتفنا النقالة.
وكنت مازالت علي الأرض تقريبا في نفس المكان الذي تم فيه سحل ست البنات.
حاولوا تخليصي من ايدي المتحرشين لكن لم يتمكنوا من ذلك. بدأوا يضعون طوقا ضيقا حولي وحول صديقتي أما الشاب الذي جاء لينقذني فقد تم سحله هو الاخر وأبعاده عنا وبدأت عملية الاغتصاب بشكل وحشي.


جلست علي الأرض كان طريقتي في حماية نفسي. وسقطت في مياه المجاري أمام هارديز. حاولت الهرب والاستنجاد ببواب عمارة ورفض البواب أن يفتح حتي انفراجة بسيطة تسمح لي بالنفاد.
طوال اليوم كنت ممسكة بزمام بنطالي لكنهم استمروا في تمزيقه بالمطاوي كانوا يقوموا بتحريكي معه في هذه الدائرة لم اعد أتذكر تفاصيل هذه التجربة التي استمرت تسعين دقيقة كاملة.


حاول بعض المارة تخليصي من ايديهم. علي سبيل المثال. قابلت شخصا فيما بعد وقال لي إنت كنت بطلة وحاولت أن اخلصك بمساعدة آخرين باستخدام دراجة نارية وفشلنا.
لم اكن أدرك ما حولي وكانوا يحركونني حاملين إياي بالأطراف الأربعة. فجأة ظهر سيارة كادت ان تدهسني وفوجئت بهم يحملونني. علي مؤخرة السيارة.


سمعت أصوات تسال ماذا ستفعلون بها قالوا أنهم سيأخذوني الي عابدين كي يغتصبونني.
ما الذي تتذكرين من تصرفات هؤلاء المغتصبين تجاهك؟ وكيف كانت نظراتهم، ماذا كانوا يقولون؟
كان لديهم شعور بالغل والحقد تجاهي شعور بالرغبة في الانتقام لم يكونوا يفعلون ذلك بغرض المتعة الجنسية ولكن كان هناك تعمد إلحاق الأذي وإحداث إصابات بالمطاوي في جسدي.


لم اسمع كلمة نابية. لم يتهمني أحدا بأنني ساقطة مثلا او اي شيء من هذا القبيل كل هذا وهم ينهشون جسدي. كل جسدي كان كدمات وجروح وخربشات وإيذاء بالمطاوي. من يفعل ذلك لن يؤذي بإصابة من يود الاستمتاع بها جنسيا بمطواة.
ولكن بعض المهوسين جنسيا يجدون لذة في إيذاء الضحية.


صحيح ترد ياسمين ولكن ما هو المبرر أن يفعل ذلك وهو يزعم أنه يحميني؟ كيف يمكن أن يحدث نفس السيناريو بالاعتداء الجنسي العنيف علي اربعين فتاة بنفس النمط؟
هل اصبح جميع الناس في مصر مرضي بالسادية الجنسية؟ صحيح أن هناك مشكلة هوس بلمس جسد المرأة ولكن هذه السادية الجنسية والتلذذ بإيذاء الضحية ليس مرضا متفشيا في الشارع.


هناك فتاة اغتصبوها بمطواة ادخلوها داخلها. ما هي المتعة في ذلك؟ هل تعلمين أنه تم الاعتداء في نفس هذا اليوم علي ثلاثة وعشرين بنت بنفس الطريقة وبنفس المكان وخلال مدة خمس ساعات؟
الحقيقة أنني طول الوقت كنت اشعر أنهم "يريدون أن يكسروني، أن يذلوني"، وأنا كنت اقاوم بكل ضراوة
ما هي أصعب لحظة مرت عليك؟


أصعب لحظة هو أني وصلت لمدخل عمارة زحفا أثناء الاعتداء علي وبواب العمارة رفض أن يفتح لي خوفا منهم علي الرغم من توسلاتي.
توسلت اليه ولكنه كان خائفا من البلطجية الذين حولي كنت أنظر اليه خلال ثقب الباب وأحاول أن استنجد به. لم يفتح الباب وعندما وضعت ظهري علي الباب أكثر شيء سبب لي الألم أنني رأيت مجموعة من الناس كانوا ينظرون إلى من ارصفة او عمود نور أو اي مكان مرتفع ويضحكون وكنت انظر اليهم في عيونهم حتي يلاحظوا كم الالم والمعاناة التي اشعر بها ولم يستجب أحدهم لتوسلاتي استمروا في السخرية والضحك.


كيف تغلبت علي هذه المحنة وكيف استطعت أن تتجاوزي الألم الشخصي وتروي حكايتك وكيف تفاعلت أسرتك مع الموضوع؟
في هذه الليلة لم اذهب للبيت. خشيت أن اذهب للبيت خوفا علي أمي "خفت أن يحدث لها شيء".
كانت ملابسي مهترئة تماماً كنت أرتدي جلباب السيدة التي انقذتني في عابدين وقضيت الليلة لدي صديقتي.
لم استطع أن أبلغ أمي او أخي بما حدث لكن بمجرد أن وصلت البيت تناولت الأدوية وعالجت الجروح التي تعرضت لها لم ابك أبدا كان لدي نوع من الصدمة.


صديقتي التي تعرضت للاعتداء الوحشي في نفس الليلة تفرقت عنها ولم اعرف ماذا حدث لها. وبمجرد أن تحدثت إليها قلت لها يجب أن يعرف الناس كلهم بتفاصيل هذا الاعتداء الوحشي.
كان لدي إصرار من اول لحظة علي أن اكشف كل الحقيقة وقلت لها لابد أن نفضحهم، كان همي الوحيد عائلتي كنت أخشي علي أمي من الصدمة. عندما كتبت شهادتي علي الفيسبوك أمي عرفت أحست وشعرت بما جري لي.


لاحظت اهتمامي المفاجئ بقضية التحرش شعرت بأنني لم اعد كما كنت سابقا ففهمت. ومع ذلك لم استطع أن أواجهها أو أتحدث إليها لمدة شهر كامل عن تفاصيل ما حدث. كل ما استطعت أن أقوله لها هو أنني تعرضت للضرب وحادث سرقة.
ولم أذكر لها أنني تعرضت لاعتداء جنسي او تعرية او غير ذلك. لكنها فهمت من شهادتي.
بعد شهر تجرأت علي مواجهتها وسألتها هل فهمت ماذا حدث لي؟ قالت لي نعم اعرف ربنا معاكِ

صفاء فيصل - "بي بي سي"

التعليقات