29/11/2022 - 23:11

السهر انتقامًا: لماذا نسهر رغم حاجتنا للنوم؟  

أما بالنسبة لطلبة الجامعات ممن يحيون في مساحات سكنية ضيقة، أو مع عائلاتهم، فمن الأفضل الجلوس بدلًا من الاستلقاء عند الاسترخاء، والفصل بين مساحتي النوم والاسترخاء ليكون هناك رابط شرطيّ قوي بين كل واحد منهما، إذ تؤكد الدكتورة روث أنه

السهر انتقامًا: لماذا نسهر رغم حاجتنا للنوم؟  

(توضيحية - Getty Images)

يسهر الكثير منا بحثًا عن الاسترخاء في نهاية يوم طويل، لكن على حساب الغد، في سلوك يضرّ أكثر مما ينفع. تحدّثنا كاتي ريجين وهي أم بعمر الـ42 من ولاية جورجيا، أنها تركض طوال اليوم بين مهام منزلية وشخصية مختلفة، منذ الاستيقاظ عند نحو الساعة 7:15، وتقضي يومها بين رعاية أطفالها الثلاثة ونقلهم للمدرسة إلى جانب المواعيد والمهام المختلفة.

وعندما تنجز أخيرا كل شيء عند نحو الساعة 10 مساءً، ورغم حاجتها للنوم، تحنُّ لقضاء بعض الوقت في مشاهدة التلفزيون وتصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي، أو قراءة كتاب، غالبا حتى الساعة 2 صباحا تقريبا، وتعلّق بالقول: "لا يهم الغد، المهم أن أستمتع بهذه الساعات لنفسي". يسمّي علماء النفس والعلماء المختصّون في النوم هذا النوع من العادات، بالسهر الانتقاميّ.

على النقيض من الأرق، فإن تأجيل موعد النوم قرار واع بالسهر، مع إدراكنا بالعواقب السلبية لذلك من تعب وإرهاق في الغد، وتكمن جزئية الانتقام في ردّة الفعل على حياتنا المزدحمة، مع تأكيد سيطرتنا على ساعات يومنا المتبقية، على الرغم أن الذي يعاني ويدفع الثمن في نهاية المطاف هو نحن.

(توضيحية - Getty Images)

تقول مختصة علم النفس في طب النوم السلوكي في "كليفلاند كلينك"، أليسا روث: "هي محاولة يائسة للسيطرة على وقتنا، ولا نشعر معها بالراحة، ومع الوقت تصبح آلية تكيف نفسي مع الواقع"، وقد تفشّت الظاهرة في خضمّ جائحة كورونا وفقًا لخبراء النوم، مع فقدان الكثير السيطرة على وقتهم وصحتهم الشخصية، سواء النفسية أو الجسدية.

ولم يتحسن الوضع للبعض بعد انقشاع الأزمة، بل ترسّخت العادات على مدى أشهر طويلة، وعندما استأنف الناس عملهم وحياتهم الاجتماعية بعد الجائحة، تقلّص وقتهم أكثر، بخاصة أثناء النهار، ولم يبقَ معهم وقت للاسترخاء أو التقاط أنفاسهم، كما تشير الدكتورة روث. وتطلق متابعة مقاطع "تيك توك" و"إنستغرام"، دفعات من الدوبامين في الدماغ، وهو ناقل عصبي يحفز المتعة في الدماغ، لكن فائدته قليلة على المدى الطويل.

ويمكن أن يؤدي السهر المتكرر لفترات طويلة للإصابة بالأرق، أو قضّ المضجع لساعات طويلة، ويقضي معظم الساهرين أوقاتهم بالحملقة في هواتفهم وفقًا لدراسة نُشرت عام 2020 في مجلة Sleep، إذ يقول كبير مؤلفي الدراسة، سويون سوه، وهو مختص في علم النفس الإكلينيكي وأستاذ علم النفس في جامعة "سونغشين" النسائية في سيول، إن قلة من يقرؤون الكتب أو يتواصلون مع الآخرين، أو يمارسون هوايات أخرى.

إذ قضى المشاركون، ممن يؤجلون موعد نومهم، متوسط 61 دقيقة على هواتفهم الذكية مقارنة بغيرهم ممن التزموا بمواعيد نومهم، ويمكن للضوء الأزرق الصادر من الشاشات كبح إطلاق الميلاتونين، ممّا يضرّ بالنوم الصحيّ والسليم.

(Getty Images)

مع زيادة السهر ودخولنا في حالة حرمان للنوم، تنقص القدرات التنفيذية العقلية للإنسان، وعليه يصعب علينا التوقف عن تصفح الإنترنت، كما يشير علماء النوم، ومع كل دفعة للدوبامين يُستثار العقل أكثر معوقًا النوم الصحي والعميق الذي نحتاجه.

تصل الحالات لدى البعض بالسهر لأربع أو خمس ساعات كل ليلة، كما وثّق ذلك علماء النفس. وفي دراسة أجراها باحثون من جامعة "أركنساس"، ونُشرت في أيلول/ سبتمبر بمجلة علم النفس السريري، كان متوسط وقت السهر المتأخر ساعة و49 دقيقة بين المرضى الذين يبحثون عن علاج للمشكلة.

كما أشار أكثر من ثلث البالغين في الولايات المتحدة إلى أنهم ينامون أقل من سبع ساعات في الليلة الواحدة، وفقا لبيانات عام 2020 من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. بالطبع هناك صلة بين التوتر والسهر، كما تقول ريبيكا كامبل، المؤلفة الرئيسة للدراسة في جامعة أركنساس، التي تبحث في العلاقة بين النوم والصحة العقلية، وتوضح بأنها قد تكون محاولة لتجنب مواجهة مشاكل الغد، وترجمة ذلك مجافاة النوم، وتضيف: "عندما لا أتطلع لموضوع ما في اليوم التالي، أؤجل موعد نومي، وأسهر أكثر. إن لم يكن هناك خير يُرجى من الغد، فلماذا لا أستمتع بالليلة؟".

(Getty Images)

تُقدّم باميلا مورك (58 عاما) ثلاث محاضرات كأستاذة مشاركة في الكيمياء في جامعة "مورهيد" بولاية مينيسوتا، وتقضي وقتها بعد عملها بين نقل والدتها البالغة من العمر 88 عاما من وإلى مواعيدها، أو في الطبخ، أو مع العائلة.

وأخبرتنا مورك أنها تنتظر اللحظة التي تختلي بها بنفسها، وعادة ما يكون ذلك في آخر اليوم، وقبل ساعة من موعد نومها، وبدلًا من ذلك تظل مستيقظة تشاهد مقاطع على "تيك توك"، معلّقة: "مضيعة للوقت نعم، لكني بحاجة لهذا".

وقد حرصت مورك قبل الجائحة على النوم مبكرًا، ولكنها ومع ضغوط الدراسة والعمل والاعتناء بمن حولها صارت تتأخر في مشاغلها أكثر وأكثر، حتّى تقلّص وقتها تدريجيًا، لتسهر لبعد منتصف الليل وأحيانًا بعد الساعة الواحدة. وأضافت: "هذا الجزء الوحيد من حياتي الذي أتحكم بهِ".

توجد بعض الإستراتيجيات للمساعدة في حل هذه المشكلة تُطلعنا عليها دكتورة روث، منها تخصيص وقت خلال اليوم للأنشطة التي تساعدهم على الاسترخاء وتجديد الطاقة، لتقلّ بذلك هذه الرغبة قبل النوم.

(Getty Images)

أما بالنسبة لطلبة الجامعات ممن يحيون في مساحات سكنية ضيقة، أو مع عائلاتهم، فمن الأفضل الجلوس بدلًا من الاستلقاء عند الاسترخاء، والفصل بين مساحتي النوم والاسترخاء ليكون هناك رابط شرطيّ قوي بين كل واحد منهما، إذ تؤكد الدكتورة روث أنه "عند الاسترخاء، تجنّبوا السرير فهو للنوم حصرًا".


* كاتبة التقرير، أليكس جانين، الصحافية في "وول ستريت جورنال"، والمهتمة بموضوعات الصحة بشكل عام، ويركز عملها على الصحة الشخصية والصحة البدنية والعقلية، والتمارين الرياضية، اللياقة البدنية، والتغذية.

التعليقات